المحتوى الرئيسى

في يوم استقلال أمريكا، نتوق لاستقلال فلسطين بقلم م. محمد يوسف حسنة

07/04 18:54

في يوم استقلال أمريكا، نتوق لاستقلال فلسطين.

بقلم م. محمد يوسف حسنة

في الرابع من يوليو تموز من العام 1776، أعلنت أمريكا مولدها كبلدٍ حر بعيداً عن السيطرة والاحتلال البريطاني، بعد أن اكتوت بنيران العبودية والطغيان ورتق الاحتلال وظلم السجان، وادعت مذ حينه أنها بلد الحرّية والديمقراطية، ونجحت في أن تُصبح قبلة آلاف البشر الذين يحلمون بالتمتع بأبسط الحقوق الإنسانية والعيش بكرامة وحرية.

إلاّ أن أمريكا والتي قادت ثورة على المستعمر البريطاني، نقضت غزلها، وانقلبت على مبادئها وثورتها، فضربت بعرض الحائط الصورة الداعمة لحرية البلدان واستقلال الأوطان، وباتت الدولة التي تحمي الطغيان وتدعم الاستعمار.

فأمريكا التي ناضل أبناؤها بالبنادق والمدافع جيشَ بريطانيا وسالت الدِّماء غزيرة لتروي الأرض وتَسقى الغرس الذي أينع استقلالاً أمريكياً، تُنكر اليوم على الفلسطينيين مقاومتهم ومقارعتهم للاحتلال بالحجر والسكين والبندقية، وتصف من يتوحد جسده مع أرضه ليجعل من دمه وقود حرية وطنه بالإرهاب والتطرف.

أمريكا التي علمت أن عنوان هزيمة الاحتلال توحّد ولاياتها وإرادة أبنائها، وعمدت لتوحيد ثلاثة عشر ولاية خاضت حرب الاستقلال، ما زالت تقف حجر عثرة أمام مصالحة فلسطينية ستفضي إلى وحدة ولُحمة وطنية تهدف لتحقيق الحُلم بدولة عزيزة أبية.

أمريكا التي كانت تستعين بحلفائها وتُقدر دورهم في حرب استقلالها، تحارب اليوم حلفاء الفلسطينيين وتقف حائط صدّ أمام أي صورة تضامنية مع الشعب الفلسطيني.

أمريكا التي تُريد أن تصبح منارة العالم في مجال الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تستنكر على المتضامنين المسالمين- رُسل الإنسانية في زمن الانهزامية والتبعية – أن يتوافدوا على غزة لكسر حصارٍ ظالمٍ نال من جسد الأطفال وما نال من عزيمة الرجال.

استقلّت أمريكا، وبدل أن تدفعها التجربة لأن تكون نصيرة المظلوم وحليف المكلوم، انقلبت على مبادئها وثورتها لتصبح حليف الطغيان والجور، تساند القويّ الظالم على حساب الضّعيف المظلوم، فقدت أمريكا هدفها وصورتها المشرقة يوم أن تناست ثورتها ومبادئ قادتها.

يقول جورج واشنطن للأمريكان في خطبة الوداع، “إنّ الارتباط الحميم لأمة بأمة أخرى ينتج عنه شرور متنوعة، فالتعاطف مع تلك الأمة يُوقع في وهم المصالح المشتركة في حالات لا توجد فيها مصالح مشتركة حقيقية، وتُوغر في النفس عداوات للغير، مورطة ّإيّاها في مشاجرات وحروب الأمة الأخرى دون سبب أو مبرر”، وأضاف في موضع آخر ” الأمة التي تنغمس في كراهية أو محبة عاطفية تجاه أمة أخرى تظل على درجة من العبودية لتلك الكراهية أو المحبة، وكلاهما كافي لأن يحيد بالأمة عن واجبها ومصالحها”.

وكأّن واشنطن يُشخص حال واقع أمريكا اليوم، فقادة أمريكا الجدد ربطوا مصيرهم بمصير دولة الإرهاب “إسرائيل”، وكأنه كان يُدرك حجم الخطر الذي ستتعرض له الولايات المتحدة الأمريكية نتيجة سياسة الربط مع دولة مجرمة فاقدة الاحترام لنفسها متحللة من القيم والأخلاق، دولة لقيطة نشأت بوعد أُعطى لمن لا يستحق ممن لا يملك الحق، دولة تُؤذي حلفائها قبل أعدائها.

وتجسدت مخاوف واشنطن حقيقةً، فقد باتت أمريكا اليوم كحكومةٍ أنموذجٌ مرفوض، وأضحى اسمها مرادف لكل ما هو معادي للحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، لقد تجاهلوا ما قاله رئيسهم الأول وحوّلوا أمريكا لإقطاعية إسرائيلية يتحكم بقراراتها كبار يهود، يخوضون الحروب في خارج حدود أمريكا ابتغاء مرضاة إسرائيل وتوفير الأمن لها، حتى بات دافع الضرائب الأمريكي يُنفق على جيش إسرائيل، وباتت كل موارد أمريكا البشرية والمادية في خدمة إسرائيل، بل وباتت عُرضة للضربات وخسارة مصالحها مع الدول العربية والإسلامية، وفقدت ثقة الشعوب الاسلامية وشعوب العالم الرافضة للاستبداد والطغيان نتيجة علاقتها المنحازة لإسرائيل.

ولمّا كان الاعتراف بالكرامة المتأصّلة في جميع أعضاء الأسرة البشرية وبحقوقهم المتساوية الثابتة هو أساس الحرية والعدل والسلام في العالم، فلشعب فلسطين الحق في النضال ومقارعة الاحتلال كما قارعته أمريكا، وهو حقٌ ثابتٌ مكفول وفق الشرائع السماوية والمواثيق والعهود الدولية، وعلى أمريكا أن تُدرك أن الفلسطينيين كبشرٍ لهم الحق في تقرير مصيرهم، ونيل حقوقهم، والتخلص من الاضطهاد والظلم الواقع عليهم، وتجربة أمريكا السابقة في التخلص من رتق الاحتلال البريطاني يجب أن تدفعها لمساندة حقوق الشعب الفلسطيني والوقوف بجانبه في تحقيق مطالبه وطموحاته المشروعة.

فلطفل فلسطين الحق في العيش بهناء دون القلق من غدر طائرات تحمل الموت في جنباتها، وللمرأة الفلسطينية الحق في أن تأمن في بيتها دون الخوف من عدم عودة زوجها، وللرجل الفلسطيني الحق في أن يجد عملاً كريماً دون أن تجبره دبابات الاحتلال وغطرسة جنوده على الجلوس في بيته نتيجة قصف مصنعه وتدمير البنية التحتية للاقتصاد الفلسطيني.

ولفلسطين كاملها، جُلّ الحق في أن ترى شبابها يتمتعون بدولة مستقلة قوية وذات سيادة، ويحظون بكامل الامتيازات التي يتمتع بها شباب العالم الذي تحرّر من نير العبودية وطغيان الاحتلال، فشباب فلسطين عمادها وقادة مستقبلها، وهم من سيحدد طبيعة العلاقة مع أمريكا حكومة وشعباً، وعلى أمريكا أن تتوقف قليلاً وتنظر بعمق أكبر ونظرة أشمل فالشباب القادم لقيادة فلسطين لا يقبل التبعية ويتعامل وفق مبدأ الندية، مما يترتب عليه أن تُعيد أمريكا النظر في سياستها تُجاه القضية الفلسطينية، وهى أمام خيارين لا ثالث لهما، أن تحفظ ودّ شعب فلسطين وتقف بجوار حقوقهم المشروعة وتقدم ما تُمليه عليها مبادئها وثورتها، وإما أن تتحمل العواقب الوخيمة المترتبة على الاستخفاف بالشعب الفلسطيني وقادة المستقبل المرتقبين.

وعلّ المشهد الحاضر في الدول العربية والإسلامية، ومدى الوعي الذي وصل إليه الشباب الذين غادروا مربع مشاهدة الحدث والسؤال عن ماذا حدث لمربع صناعة الحدث، مدعاةً للمزيد من الوقوف مع النفس ومراجعة الحسابات وإعادة النظر في الحلفاء، فأمريكا بما تفعله حتى اللحظة تُخالف كل مبادئها وقيمها، بل وتضر بمصالحها وصورتها وهيبتها.

إلى الشعب الأمريكي في عيد استقلاله، نتمنى لكم عيداً وأياماً تعود فيه أمريكا لمبادئها وقيمها، قيم الحب والحرية والعدالة والمساواة والاحترام، وتذكروا في عيد استقلالكم، أن فلسطين مازالت محتلة بسبب وقوف إدارتكم وحكّامكم مع دولة لقيطة احتلت أرضاً وشعباً مسالمين، وتذكروا في عيد استقلالكم وأثناء تمتع أطفالكم بالأمن، الأمان، الحرية والاستقلال، مازال أطفال فلسطين يتقطّعون أشلاء أثناء ذهابهم لمدارسهم بفعل صواريخ طائرات الاحتلال الإسرائيلية المستوردة من بلادكم بلد الحرية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل