المحتوى الرئيسى

السقوط في إسار النيوليبرالية الغربية بقلم:غطاس أبو عيطة

07/03 15:02

السقوط في إسار النيوليبرالية الغربية

غطاس أبو عيطة

في مقال له, يحاول مثقف إسلامي سابق ارتد إلى الليبرالية الجديدة, إقناعنا بأن الغرب في أعقاب الحرب العالمية الثانية, قد تحوَّل تماماً عن الفكر الإستعماري( الكولنيالي) تجاه شعوب العالم الثالث, مستبدلاً منظومة هذا الفكر التي سادت في حقبة سابقة, بمنظومة أخلاقية تؤطرها شرعة حقوق الإنسان التي على أساسها أنشأ هذا الغرب في هيئة الأمم المتحدة, وأنه على قاعدة هذه المنظومة التي انتصرت نهائياً في المراكز الرأسمالية الغربية, يجري التحول الآن, من دعم النظم الاستبدادية التي تتولى قمع شعوبها, إلى دعم توق تلك الشعوب إلى الحرية والديمقراطية وأن ذلك هو ما نشهده في دعم الغرب لانتفاضات الشعوب العربية ضد نظمها. لكن المشكلة - كما يضيف هذا المثقف- التي يعاني منها وعينا العربي وخاصة في أوساط النخب السياسية والثقافية, هو أن هذا الوعي ما زال ينظر إلى الغرب بدلالة التجربة الإستعمارية, مغفلاً ما بات يسوده هذا الغرب من تحول جذري باتجاه القيم الإنسانية التي يريد لها أن تعم العالم(؟).

وفي ذات السياق, يأتي مقال مثقف آخر قومي, دفعته موجة التزوير الإعلامية حول ما يجري في سورية , نحو إظهار افتنانه بالديمقراطية السائدة في الكيان الصهيوني, مقارناً بين ما ينعم به شعب هذا الكيان في ظل ديمقراطية نظامه الاستيطاني, وما تواجهه الشعوب العربية من سحق دموي على يد نظمها الإستبدادية ولا سيما تلك التي ترفع لواء التصدي للهجمة الإستعمارية وللعدو الصهيوني.

ومما يقوله هذا المثقف في سياق مقاله:-

-" لا نتوقع أن تخرج جماهير الإسرائيليين في تل أبيب أو غيرها من المدن الإسرائيلية, لكي تهتف بأن الشعب يريد إسقاط النظام, لأن النظام مستقرٌ هنا على ديمقراطية تداول السلطة, وبذلك فإننا لا نرى رئيس حكومة أو وزير في هذا النظام, يستطيع أن يطلق النار على المتظاهرين, بل الذي حدث هو أن الشعب قد أطلق النار على رئيس الحكومة كما جرى مع رابين".

-" ويستطيع الجندي الإسرائيلي أن يرفض الخدمة في جنوب لبنان أو في الضفة وغزة وغيرها من المناطق العربية المحتلة إذا اقتضت قتل المدنيين, ليتم تأديبه على ذلك بالسجن لفترة معينة وضمن القانون, ملمحاً بأن مثل هذا الجندي في البلاد العربية عقوبته القتل", وذلك في ترويجٍ لما تنشره مراكز الإعلام المغرضة بشأن ما يجري في سورية.

وإذ نتصدى لهذا الفكر الذي سقط في إسار النيوليبرالية الإستعمارية, فإننا نقول التالي:-

أولاً- إن ما انتقلت له المراكز الرأسمالية الغربية في ظل العولمة المتوحشة التي عممتها في تلك المراكز الإمبريالية الأمريكية, هو نمطٌ جديد من الكولنيالية, يفوق في همجيته كل ما مارسته الحركة الإستعمارية الأوروبية ضد الشعوب المستعمرة والتابعة. وإذا كانت شعوب أمريكا اللاتينية قد أخضعت في السابق لهذا النمط الأمريكي من الكولنيالية, فإن انهيار النظام الدولي الثنائي القطبية, قد أغرى أمريكا وأتباعها في المراكز الإستعمارية, بتعميم هذا النمط في مناطق أخرى من العالم بدءاً من منطقتنا العربية والإسلامية, وإن ما جرى في العراق وفي أفغانستان وباكستان, وما تعرض له لبنان وقطاع غزة من عدوان بربري, وما تواجهه ليبيا والسودان وصولاً إلى سورية من هجمة تقوم على شريعة الغاب, هو بمثابة شاهد على طبيعة التحوُّل الذي دخلته تلك المراكز.

ثانياً- وإذ يتغنى مثقفنا بالأساس الذي قامت عليه منظمة الأمم المتحدة ممثلاً في شرعة حقوق الإنسان, فإنه يتعامى عن سابق عمد, عن الدور الذي تضطلع به هذه المنظمة على اختلاف مؤسساتها, من تغطية للمشاريع العدوانية لقوى الإستعمار ضد الدول والشعوب المقهورة, ومن تبرئة لمن يرتكبون المجازر بحق تلك الشعوب, إلى جانب إدانة كل مقاومة تصدر عن الشعوب المعتدى عليها دفاعاً عن وجودها باعتبارها إرهاباً, مع منح الغزاة والمحتلين حق الدفاع عما اكتسبوه عن طريق الغزو والإحتلال والعدوان, وذلك ضمن خطاب لم يشهد تاريخ البشرية ما يماثله في الإنحدار الأخلاقي.

ثالثاً- وإذ يتهم مثقفنا الذي بات مفتوناً بإنسانية المستعمر, نخبنا السياسية والثقافية بأنها ما زالت تعيش في الماضي أي في عهود الإستعمار, فإننا نصحِّح رؤيته من خلال القول, بأن وسطاً واسعاً من هذه النخب قد أصيب بعمى الرؤية في هذا المجال, فبات يستدعي العدوان الإستعماري الغربي على بلاده بذريعة الخلاص من النظم الاستبدادية, فيما شعوبنا بحسها العفوي السليم, هي التي وقفت للدفاع عن أوطانها بوجه المشاريع الإستعمارية, رافضة الفصل بين حريتها الفردية وبين تحررها الوطي والقومي, متجاوزة في وعيها تلك النخب التي عزلت نفسها عن نبض وعن إرادة الجماهير الشعبية.

رابعاً- وبشأن مثقفنا الآخر الذي سنعود للقاء معه بعد أن يغادر تشنُّجه الذي أوصله إلى موقع لم نكن نتمناه له نود التذكير مجدداً, بأن النظم الاستيطانية جميعها التي افرزتها حركة الإستعمار الغربية, قد نظَّمت تجمُّع مستوطنيها على اساس من الديمقراطية التي تستطيع أن تبرِّر كل أشكال العنصرية بما في ذلك الإبادة الجماعية ضد سكان البلاد الأصليين, وهكذا بقيت ديمقراطيتها مشوَّهة حتى داخل بلدانها كما تشهد على ذلك التجربة الأمريكية التي ظلت تمارس التمييز العنصري بحق السود والملونين, وفي النظام الصهيوني لم تنتف النظرة الإستعلائية تجاه اليهود الشرقيين أو تجاه يهود الفلاشا أو حتى تجاه القادمين الجدد من جمهوريات الإتحاد السوفييتي السابق.

خامساً- ونود تذكير مثقفنا بعد ذلك, بأن النظام الصهيوني إذ يعاقب بالسجن وتحت سقف القانون من يرفض الخدمة من جنوده في مناطق عربية محتلَّة, فإن هذا النظام واستناداً إلى ذات القانون, لم يتوان عن حماية جنوده وضباطه ممن قاموا بقتل المدنيين بدمٍ بارد بمن في ذلك النساء والأطفال في تلك المناطق, وممن أعدموا الأسرى خلال حروبه العدوانية ضد المحيط العربي. أما عقوبة الضابط الصهيوني الذي أشرف على تنفيذ مجزرة كفر قاسم داخل الكيان الغاصب, فقد أقتصرت على تغريمه قرشاً واحداً, وتم ذلك أيضاً بموجب قوانين هذا النظام الديمقراطي.

سادساً- وننتقل بعد ذلك إلى ما دفع هذا المثقف لأن يضلَّ الرشد في لحظة عاصفة من تاريخ أمتنا تعمل فيها المراكز الإستعمارية على حرف انتفاضات شعوبنا عن مسارها بحيث تحقق مشروعها في تمزيق المجزأ من عالمنا العربي, لنقول أن هذا الخطاب, يقدم أكبر خدمة لمن يهرولون نحو التحالف مع الكيان الصهيوني من النظم والقوى العربية, ونقول أيضاً, بأن هذا المثقف هو شأن العشرات بل ربما المئات من مثقفينا, قد أخضع عقله لحملة التزوير الإعلامية التي تشرف على إدارتها المراكز الإستعمارية والتي ترمي إلى تجيير ثورات شعوبنا من أجل الحرية والديمقراطية لصالح المشروع الإمبريالي- الصهيوني في المنطقة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل