المحتوى الرئيسى

عزت الغزاوي ، العلامة المأمولة بقلم:الدكتور محمد البوجي

07/03 11:56

الدكتور محمد البوجي- جامعة الأزهر -غزة

أكون صريحا مع القارئ وأقول أنني كتبت هذه المقالة يوم الرحيل المفاجئ للكاتب الكبير عزت الغزاوي ،ولا ادري لماذا تأخرت في نشرها وقد وجدتها اليوم في أوراقي المبعثرة وهي كثيرة جدا ................0

تعارفنا حينما حضر إلى غزة عام 1993 م لنناقش مسيرة اتحاد الكتاب الفلسطينيين ،فوجدت فيه الشخص المثقف الواعي ،وكان يبتسم قائلا :أنا غزاوي ،فقلت له :أنت أعز من في غزة ،ولهذا أسموك عزت الغزاوي . ثم التقيته في القدس في مؤتمر الرواية الفلسطينية عام 1998م في جامعة القدس ،وكان دمثا كريما واسع الصدر يرحب بكل نقد وجه إلى أعماله الأدبية ،وآخر لقائي به كان في رام الله عام 1999م فتوطدت علاقتنا وتحاببنا بصورة كان يطمئن علينا هاتفيا في خضم الأحداث ،وكذلك كنت اطمئن عليه كلما حدثت مصيبة في رام الله وما أكثر مصائب الاحتلال . أزعجني رحيله ،كان سريعا بلا مقدمات قطع علينا استكمال مشروعه الروائي الطموح في منتصف الطريق فهو يملك قدرات ثقافية وفنية اكتسبها من قراءاته الأجنبية تؤهله لأن يكون من العلامات المميزة بعد رحيل العلامات الثلاثة في الرواية الفلسطينية ،أرسل إلينا روايته ( الخطوات) وكانت فعلا خطوات جديدة نحو الوصول إلى المحطة المأمولة ليجد مكانته بين المبدعين العرب ،لكنه رحل وفي نفسه طموح ، قد نجد في الجيل الجديد من يلبي هذا الطموح. أستطيع القول أن عزت الغزاوي من أهم الكتاب الذين وقعوا في شرك إميل حبيبي الروائي ،ولا أخفي سرا ،أنني عندما قرأت روايته (جبل نبو) بفتح النون وضم الباء،كما جاء تشكيلها في التوراة (سفر العدد33 48) ،أدركت أنني أمام روائي متميز منذ الصفحات الأولى ،وأنه يسير وفق منهج فني أطلقه وأسس له الراحل إميل حبيبي . إلى هنا والكلام لا جديد فيه ،لكنني أرى أن أخي الأديب الراحل عزت الغزاوي قد خرج عن هذا المسار في النصف الثاني من الرواية ولم يستطع أن يتكامل مع منهجه حتى نهاية الرواية .فقد عاد في روايته إلى عصور سابقة مثل العماليق والأشوريين ثم انتقل إلى عصر الكيبوتسات والمستوطنات الإسرائيلية ،محاولا خلق فضاء أسطوري مضاد للفكر الآخر حتى يقارع حجج العدو على أرض فلسطين ، وهذا مرده _في نظري _إلى العجز العسكري العربي ،فلجأ كاتبنا إلى توثيق قناعاته الفكرية والتاريخية ليريح نفسه من نقد الذات ،إنه على وعي تام بما يفعل حيث يقول إن عصر المعجزات قد انتهى بعد يأسه من أسطورة القوى العربية الداعمة للحق الفلسطيني فيقول :( اعرفوا ماذا تريدون إذن :واسألوا كل الأسئلة الممكنة ،بمعنى أن التعايش بين الشعبين آت لا محالة ، فلا نحن قادرون على إلغائهم ، ولا هم أيضا قادرون على تحقيق أهدافهم بشطبنا عن الخارطة السياسية )الرواية ص 123 .إنها

1


رؤية كان يحملها بين جوانحه لتحقيق السلام والتعايش وهذه طبيعة عزت الغزاوي الشخصية ،فقد ناضل ودخل السجون الإسرائيلية من أجل السلام ، فكان يكتب عن

المحبة والسلام والحرية بقلم من نار ، يوثق الذاكرة الفلسطينية ، يعبر عنها وكأنه يبحث عن ذاته كما في روايته ( عبد الله التلالي ) فلا يستطيع أن يجد لنفسه أو لمستقبله في مرايا المحلات الفاخرة سوى وجه هزيل باهت مختلط بين صفرة

خفيفة واسمرار ، ص 010 كانوا يجلسون في العتمة من غير ضوء ) ص70 اعتمد عزت في روايته على الأساطير الشعبية الصغيرة محاولا خلق أسطورة فلسطينية كونية ، فنجح خطوات بسيطة لكنه توقف ، واستطاع الاستفادة قليلا مما توصل إليه إميل حبيبي في الوصول نحو أسطورة من خلال التراث العربي الفلسطيني والواقع المعايش ، فقد خطى خطوات متقدمة ، لكنه لم يصل إلى النهاية الطموحة ،وكانت خطوات عزت أقل مما هو مطلوب في مرحلة ما بعد إميل حبيبي في عالم الرواية ، لكن عزت نجح في استخدام الأسطورة للإسقاط السياسي ،خاصة أن الأنظمة العربية يضيق صدرها بالصراحة الأدبية فيلجأ الأديب إلى الأسطورة ليطرح فكره السياسي ،بالإضافة إلى البعد الجمالي للأسطورة ،ومعروف في تاريخ الآداب الإنسانية ، أن ارفع الأعمال الأدبية وأكثرها خلودا هي التي وظفت الأساطير في صياغتها ،بما تمتلكه من فضاءات واسعة وخصبة تحفز المبدع للتحليق بالأفكار ،ولأن الرمز الأسطوري أقدر على تمثيل الواقع ومشكلات الصراع السياسي .تعد رواية ( جبل نبو )خطوة جيدة في مشروع عزت الروائي ، ويعد الإله نبو من أهم آلهة البابليين،وقد انتشرت عبادته في أرجاء الدولة البابلية ،وكانوا يعتقدون أنه حاكم السموات والأرض ،،رب الأرباب ، وحامي حمى الأدباء والمدافع عنهم ، وهو أصلا كاتب ألواح القدر ، ومحتفظ بها ، لذلك يتحكم في مصائر البشر . ظلت عبادته منتشرة حتى العصر السلوقي قبل الميلاد من تركيا شرقا وحتى الهند بما فيها الشام وشمالي الجزيرة العربية ،وانتشرت عبادته في تدمر أيضا في عصر الملكة زنوبيا .وكلمة نبو جاءت في التوراة اسما لجبل يبدو أنه في الضفة الشرقية لنهر الأردن ،قريب من جبل موآب . وما يميز هذه الرواية طريقة السرد ،حيث جاء بطريقة المتكلم لأن فيها جزءا من حياة الكاتب الشخصية ،فحياة كل فلسطيني تصلح لنسج رواية إنسانية ،تقوم هنا كل شخصية بسرد ذكرياتها عن الوطن والهجرة وكيفية العودة ،فهو جزء من البوح الجواني الفردي لكل صوت في الرواية ،خاصة تلك التي تحمل صراع أجيال 0 يتضح ذلك بين يوسف الشاب المثقف ووالده ، وبين مريم الشابة ووالدتها ،يرسم الكاتب العلاقة بين شخوصه بطريقة حوارية حضارية بعيدا عن الصدام والعنف،فالمتحرك لا يصارع الثابت ولا يحاول إلغاءه ، فالحاج إبراهيم العمران يعترف في اللقاء الأول مع المشعوذة - بنت المبروك - أنه غير قادر على الإنجاب ،لأنه مهزوم عقيم ، فالإنجاب والفعل الثوري بحاجة إلى شباب

2



أهم أخبار مصر

Comments

عاجل