المحتوى الرئيسى

تدريب مواطنة لمدة يومين

07/03 08:06

كما تشتهر فرنسا بمتحف اللوفر وقصر فرساى، فإنها تشتهر أيضاً بصياغة ووضع واحترام القوانين، وما حدث مع الرجل الذى تعدى على الرئيس الفرنسى ساركوزى، ونص الحكم الذى أصدرته المحكمة ضده، هو خير مثال على هذا النضج القانونى المدهش الذى تتمتع به فرنسا، بلد النور والحرية. صدر الحكم بستة أشهر مع وقف التنفيذ مع الخضوع لتدريب على المواطنة لمدة يومين!! أعترف لكم بأننى لم أفهم كيف سيتدرب هذا الرجل على المواطنة فى يومين؟ وما الدروس التى سيتعلمها؟ وهل سيأخذ دروس المواطنة فى السجن أم فى البيت، أم هى دروس خصوصية فى المنزل أم هى مجموعة كتب سيحفظها هذا الرجل الذى شد ساركوزى من السترة بعنف حتى كاد يطرحه أرضاً؟ أتمنى أن أعرف من أى متخصص أو قانونى يعيش فى فرنسا ما هى تلك الدروس وما هى مفرداتها؟

السؤال المهم: إذا كان المواطن الفرنسى يستغرق تعليمه وتدريبه على المواطنة 48 ساعة، فكم سيستغرق تدريب المواطن المصرى على تلك الأعجوبة التى تسمى «المواطنة»؟ أتمنى ألا يستغرق تدريبنا 48 سنة!! المواطنة قبل أن تكون علماً يدرس لابد أن تكون إحساساً يسيطر ويتمكن ويسرى مسرى الدم فى الشرايين، يشمل العقل والقلب، أن تحترم الآخر المختلف عنك فى الجنس أو العقيدة أو الأصل أو الطبقة الاجتماعية، أن تكون الكفاءة معيار الاختيار للوظائف والترقى، ألا يحد سقف حلمك أى عائق إلا رغبتك فى عدم الاستمرار فى التحليق، ألا تتعرض لقصقصة أجنحتك وتعقيمك معنوياً ومادياً ووظيفياً لأنك تمتلك رأياً مختلفاً أو عقيدة مغايرة، أو لأن الله قد خلقك امرأة فلابد من عقابك وفرملة طموحك وسجنك داخل أسوار البيت!!

ديمقراطية صندوق انتخابات فقط دون ترسيخ إحساس المواطنة هى ديمقراطية زائفة، ديمقراطية تختار باقة من الجلادين من غابة المستبدين، نحن نحتاج إلى دروس خصوصية فى المواطنة داخل المدارس التى ترسخ إحساس العنصرية فى مناهجها وممارسات مدرسيها ونظارها ومسؤوليها، نحن نحتاج إلى دروس خصوصية وتدريبات فرنسية على المواطنة داخل أجهزة إعلامنا وفضائياتنا التى تبث الكراهية فى البرامج والتقارير وحتى المسلسلات، نحن نحتاج فى جامعاتنا إلى دروس فى المواطنة لكل أستاذ يظلم طالباً لأن اسمه بطرس أو يظلم طالبة لأن اسمها مارى! نحن نحتاج إلى دروس المواطنة فى قانون دور عبادة موحد، وقانون مدنى للزواج، وبطاقة شخصية دون خانة ديانة، فالديانة ليست إعلاناً فى بطاقة رقم قومى، بل هى عقيدة ساكنة فى القلب.

المساواة أمام القانون هى حجر بناء ورمانة ميزان وعمود خيمة المواطنة، لا أسود ولا أبيض أمام القانون، لا تفرقة بين سنى أو شيعى أو بهائى أو مسيحى أو بوذى أو هندوسى، لا تفضيل لرجل على امرأة، الفيصل هو القانون، لا نخفف حكماً على رجل اعتدى على زوجته بدعوى القوامة أو لأنه الأكمل والأعلى والأسمى، لا نكيل بمكيالين ونعقد جلسة عرفية للصلح حين يتم الاعتداء على أبناء طائفة مستضعفة ثم نضرب بيد من حديد حين يتم مس طرف الطائفة القوية كثيرة العدد، التمييز ليس فى الدين فقط ولكنه فى المكان والانتماء أيضاً، فعندما نتعامل مع البدوى أو الصعيدى أو النوبى معاملة الأعلى للأدنى فنحن نجهل معنى المواطنة أيضاً.

هل يسمح لنا ساركوزى بإرسال بعثة مدرسين من فرنسا لتدريبنا على المواطنة، ووعد منا للرئيس الفرنسى بأننا سنمنحهم الجنسية المصرية، ولكنى لا أضمن لهم حق المواطنة!

[email protected]

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل