المحتوى الرئيسى

مسدسات الصوت بعد 25 يناير

07/03 08:06

عندما نشر أحد صحفيى جريدة «الأخبار» مقالين، أحدهما بعنوان «تدريس الشذوذ الجنسى فى جامعة القاهرة»، كان لا يزال يلعب وفقا لقواعد ما قبل 25 يناير، فالوصفة المضمونة للتلاعب بالرأى العام واختلاق معارك إعلامية فارغة المحتوى تتلخص فى بضع خطوات (أوضحتها أستاذة الأدب الإنجليزى أميرة نويرة فى مقالها لجريدة «الجارديان» البريطانية بخصوص هذه القضية): بعد غسل اليدين جيدا، استخدم عنواناً مستفزاً لحمية القارئ المصرى الغيور على الأخلاق، رش على المقال ألفاظاً مثيرة مثل «غير أخلاقى» و«بلاغ للنائب العام» ولا تنس استخدام نبرة هجوم عنترية (نسبة إلى السيد الفارس عنترة بن شداد)، لغة تدفع الخصم إلى مربع الدفاع. والحق يقال إن الصحفى المناضل فى سبيل الفضيلة لم يقصر فى تطبيق الوصفة، ومن ثم أرفع لسيادته القبعة (الإنجليزية). لكن ما لم يأخذه فى الاعتبار هو اختلاف الظرف التاريخى.

عندما نُشر المقال الأول اتخذ قسم اللغة الإنجليزية قرارا بعدم الرد نظرا لأن هذا تدخل سافر فى الحريات الأكاديمية ولأن أساتذة القسم شعروا بأن الانسحاب إلى معركة إعلامية تتضمن إعادة شرح البديهيات (مثل: ما هو الأدب؟ هل نطبق على النص الأدبى معايير أخلاقية؟) يعنى التأخر فى التأسيس للنهضة المصرية وفى قلبها القضايا الجامعية. ولأن نية إثارة الجدل كانت قوية، فقد ظهر الصحفى فى برنامج تليفزيونى، مكررا اتهاماته وتهديداته بجرجرتنا إلى النائب العام. وعندما اتصل بى البرنامج رفضتُ بحسم تدخل رقباء الأخلاق من غير ذوى الاختصاص فى اختيار مناهجنا.

إلى هنا والقصة عادية جدا، لكن شيئا استثنائيا حدث بدخول جبهة الطلبة فى المعركة. ففى نفس يوم البرنامج التليفزيونى وفى وقت امتحاناتهم، أسسوا صفحة على «فيس بوك» بعنوان «طلبة آداب إنجليزى القاهرة ضد التدخل ومحاكم التفتيش». وفى خلال ساعات كان المئات من الطلبة والطالبات قد عبروا عن «إدانتهم لجميع أشكال التدخل من غير المختصين فى اختيار مناهجهم»، وطالبوا الصحفى، الذى أهانهم وفرض عليهم وصاية غير مطلوبة، بالاعتذار.

وبدلا من أن يجد صحفى الأخبار نفسه فى مواجهة شوية أساتذة «لا يعرفون العربى» (كما صرح مازحا) وسيرتعدون من تهديده بالنائب العام، فوجئ بألف طالب وطالبة من جامعات عدة يتحدثون لغة لا تحمل تهديدا ولا تجريحا ولا كلمات الوصفة السحرية لمعارك مسدسات الصوت بين حراس الفضيلة والزنادقة. تحدثوا لغة أوسكار وايلد (الذى كان مثليا بالمناسبة) وشكسبير وغيرهما ممن أناروا ظلمات العالم بأفكارهم «الحرة».

 تحدثوا لغة المعرفة التى هى حق إنسانى لا يمكن التفريط فيه، لغة الحرية التى حُرم منها هذا الجيل، وجاء 25 يناير لتتحقق المعجزة بشجاعة المصريين وبدماء من ماتوا فداء لهبة الله الأولى للبشر: الحرية. عندما كانت تلك المعارك تحدث قبل 25 يناير، كان الرد يأتى من نخبة الأدباء والمثقفين فى شكل بيان يدين انتهاك الحريات. أما وقد حدث ما حدث الآن فإن الجبهة الصارمة التى شكلها الطلبة تؤكد أنه حتى لو تأخرت مكاسب الثورة السياسية إلا أنها حققت معجزة اجتماعية بإعلائها صوت الجموع، صوت الشعب.

نصيحة مخلصة للسيد صحفى الأخبار: اعتذر للساعين إلى المعرفة، القابضين على الحرية، الرافضين وصاية حضرتك أو فلتصمت.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل