المحتوى الرئيسى

هويدا طه تكتب: عن مسألة التواصل مع الجماهير

07/02 20:16

من أكثر نقاط التجاذب بين الفرق السياسية المتصارعة حاليا نقطة (التواصل مع الجماهير)، فهناك فئات تتهم بأنها (لا تنزل الشارع للتعامل مع الناس مباشرة) وأنها لذلك تخشى الانتخابات وتريد تأجيلها، في هذه المسألة نحن أمام ستة أطراف: الجماهير ذاتها، وطرف يقدم نفسه على أنه (الأقرب إلىالناس) وهو تيار الإسلام السياسي وفي مقدمته جماعة الإخوان المسلمين.. ثم الأحزاب القديمة.. ثم طرف رابع هو الشباب على اختلاف توجهاتهم السياسية،والطرف الخامس وهم المثقفون والمفكرون والناشطون سياسيا وحقوقيا أيضا على اختلاف توجهاتهم السياسية، أما الطرف السادس فهو الدولة، هذه أطراف يوجد في تصارعها ما هو معلن وما هو (مسكوت عنه) قد يتردد البعض في التطرق إليه..

لكن قبل البدء..

إلى القراء الأعزاء الذين ضايقهم استخدامي تعبير (الانتشار البكتيري والشاذ) للمتطرفين في مقالي السابق.. (اعتذر)حقيقة عن استخدامي تعبيرا ضايقكم.. وهو على كل حال كان وصفا (مجازيا) لظاهرة تفشت في مصر خلال الأشهر الماضية ولابد من دراستها، لكن إن ضايقكم فإنني أعتذر للمرة الثانية إنما.. دون أن يتغير رأيي في أن (حجم انتشار التطرف)أثار (الفزع).. ولست أرى وصفا أعدل من (المتطرفين) لمن يطالب مثلا بعودة اقتصاد الجواري والتجارة في النساء! أو لمن وصف غير (الإخوانيات) بأنهن (بنات من على الرصيف)!.. وإلا كيف تصفون يا ترى من يقول إن الدولة المدنية تعني أن (أمك تلبس مايوه)! وهذا تعبيره هو بالطبع ويؤسفني أن أذكره هنا على ما به من إسفاف وجهالة مفرطة، كان هذا الاعتذار (واجبا)عما سببته من ضيق لبعض القراء الأعزاء..مع التأكيد على الفارق الكبير بين التدين والتطرف، والآن نعود إلى الأطراف الستة في قضية.. النزول إلى الجماهير

** الإخوان المسلمون: عندما رفع نظام مبارك المجرم يده عن خدمة الشعب وخاصة الفقراء.. بادرت الجماعة بإقامة مستشفيات وخدمات أخرى تقدم للناس بتكلفة زهيدة أو مجانية.. في القرى أو في الأحياء الفقيرة في المدن، وهذا ما يجعلها تقول دائما إنها الأقرب إلى الجماهير، لكن (المسكوت عنه) إن تلك الخدمات تتكلف الملايين.. لم يسأل أحد من أين جاءت الأموال التي تنفق على تلك الخدمات، وما الثمن الذي يدفعه الفقراء في المقابل.. فالجماعة (ليست جماعة خيرية) تقدم شيئا لوجه الله.. بل هي جماعة سياسية تجيد حساب المصالح.. فهؤلاء الفقراء الذين تخلت عنهم الدولة وجدوا من يقدم لهم ما يحتاجون حتى وإن كان فتاتا مقابل أن تتحجب نساؤهم ثم تتخمر- أي تلبس الخمار- ثم تنتقب، ومقابل أن يرتهن الرجال والنساء كذلك باستدعاء من يستدعيهم وقت اللزوم.. وقد يكون التصويت لصالح الجماعة في انتخابات هنا أو هناك أحد تلك الأوقات (لرد الجميل)، وهناك شهادات موثقة لدى بعض الجمعيات الحقوقية تفيد بأن النساء في بعض الأحياء المهمشة كانت في بداية الثمانينيات ترتدي الخمار مقابل عشرة جنيهات تراها مهمة لتسديد فاتورة الكهرباء، وهناك شباب فقراء قالوا بأن ولائهم للجماعة قد يفيدهم في إيجاد فرصة عمل أو سفر أو قرض، بالطبع كان الدفع في البداية- وليس معروفا تحديدا هوية من يدفع- ثم لم يعد موجودا بعد انتشار تيار (التدين السطحي)،الذي راح يتنامى بالدفع الذاتي والتقليد والخضوع العام لما يسمه علماء الاجتماع (طغيان التيار السائد)، ونقطة أخرى أن هناك فرقا كبيرا بين أن تقوم بتوعية الجماهير بحقوقهم السياسية وتتركهم بعد ذلك يختارون التوجه الذي يشاءون وبين أن تقدم لهم خدمة مقابل أن يتبعوا توجهك أنت، هذا ما يسمى (شراء الولاء) وتكون الإدانة أكبر إذا كان الشراء هو من أناس محتاجين لما تقدمه من خدمة، أما غير المحتاجين ماليا ممن تبعوا هذا الاتجاه فهم مواطنون مصريون متدينون اتبعوا الجماعة من منطلق التدين.. ولا غضاضة إطلاقا في التدين فهو حق وخيار حر وأصيل للبشر.. إنما التدين يظل تدينا حرا وحقا للإنسان طالما لا يفرضه هذا المتدين على الآخرين وطالما لا يسفه ثم يكفر الآخرين ممن لا يشبهونه.. وطالما لا يصور له أن من حقه (إعادة هندسة المجتمع ثقافيا)، إذن.. الجماعة حتى تنزل إلى الشارع وتتقرب إلى الكتلة الصامتة الضخمة كان ومازال لديها موارد مالية ضخمة تنفقها في هذا المجال، وهذه الأيام تفتتح الجماعة مقرات فخمة في كل منطقة وتعقد مؤتمرات ضخمة تحتاج تمويلا لوجستيا كبيرا حتى تتم بل تؤسس فضائيات وصناديق مالية للمشروعات.. في الوقت الذي يعجز فيه الشباب عن توفير الحد الأدنى لمصروفات تأسيس أحزاب تعبر عنهم، أي أن أحد أهم وسائل التواصل مع الناس أن تكون لديك موارد ضخمة تنفقها على آليات هذا التواصل.. ولا أعرف إن كان يقنع أحدا ما تقوله قياداتها من أن تمويلها هو من اشتراكات أعضائها!.. لكن الخلاصة أن الجماعة تتواصل مع الجماهير عبر ثلاثة آليات: أولها استغلال العاطفة الدينية، وثانيا موارد مالية ضخمة لا يعلن عن منبعها وثالثها أن ذلك التواصل ليس توعية للجماهير كما يروجون وإنما استغلالا لهم ماديا أومعنويا.. الجماعة تسعى فقط لتحقيق مصالحها.. فلم تنظم عبر تاريخها إضرابا للعمال يطالب بحقوقهم مثلا أو مظاهرة تطالب برفع الأجور المتدنية أو بالديمقراطية مثلا! ولم تكن الجماعة في صراع مع النظام السابق بسبب ظلمه للشعب إنما لأنها تريد السلطة لتأسيس دولتها هي، أي أنه (صراع غنائم) بين طرفين كلاهما (طالب للولاية)! ومن الموثق والمعروف ويمكنكم الحصول عليه بسهولة تصريحات قيادات الجماعة عبر السنوات الماضية.. فمن فضيلة المرشد مهدي عاكف الذي قال (طز في مصر) إلى فضيلة المرشد محمد بديع الذي لم يمانع توريث جمال مبارك رئاسة مصر وقال إن مبارك هو أب لكل المصريين إلى آخره.. نحن هنا لسنا أمام طرف يتواصل مع الجماهير لتوعيتها بمشروع وطني شامل إنما نحن أمام جماعة تستحلب عواطف الناس الدينية لتجييشها من أجل مشروعها الضيق ولو على حساب الوطن..

** الجماهير: تلك الكتلة الأضخم بين كل أطراف (لعبة النزول إلى الشارع) وهي الأغلبية التي يدور حولها صراع جميع الأطراف، والتي لم يظهر صوتها عبر تاريخ مصر إلا مرة واحدة يوم الاستفتاء على التعديلات الدستورية، ولأنها أغلبية أي تتنوع مستوياتها الثقافية على طيف واسع.. وكان موضوع الاقتراع هو استفتاء على مواد دستورية أي ليس انتخابا لأفراد يمثلون مصالح واضحة..تم استقطابها بين (الاستقرار أو الإيمان)في نعم (والفوضى أو الكفر)في لا.. كانت تلك جريمة أخلاقية وسياسية ارتكبت بحق الأغلبية الصامتة التي واتتها الفرصة كي تخرج عن صمتها.. جريمة شاركت فيها وسائل الإعلام والجماعات الدينية إسلامية أو مسيحية وبقايا الحزب الوطني المنحل الذين رأوا فرصة لمعاودة الدخول إلى (ساحة النفوذ) عبر انتخابات جديدة تأتي بسرعة، لكن تلك الجماهير التي لا ترى أمامها في الشارع سوى جماعة الإخوان بخدماتها أو مؤتمراتها أو أثرياء الحزب المنحل برشاويهم الانتخابية صار اهتمامها بالسياسة يفوق أي اهتمامات أخرى.. لم تعد تجذبها الأفلام في السينما أو مباريات كرة القدم بقدر ما تجذبها النقاشات والمؤتمرات والأخبار.. هذا يعني أن الناس هذه المرة سوف تبحث بنفسها عن (رؤى أخرى)،وإن كان ذلك للأسف ينطبق على الطبقة الوسطى أكثر مما ينطبق على (الجماهير المنسية بعيدا عن العيون)، وهي هدف (استماتة تجار الدين) على إجراء الانتخابات أولا ظنا منهم أنهم سوف يكررون الاستفراد بالشعب مرة ثانية وأنهم (يضمنون) أغلبية برلمانية تتيح لهم وضع دستور على هواهم، لكن...صحيح أن الإنحياز لوضع الدستور أولا هو أمر منطقي فأنت تضع القواعد أولا ثم تتصرف على أساسها.. إنما مع ذلك لا بأس بإجراء الانتخابات أولا! لتكن الانتخابات أولا.. على ما فيها من قلب لأولويات الأشياء.. فسوف يقل بعد انكشاف خديعة الاستفتاء (استكراد) الغالبية الصامتة في مصر.. أو هكذا نأمل، فلتكن الانتخابات أولا.. فقد تكون فرصة الأغلبية لتصحيح اعوجاج الاستفتاء السابق.. خاصة إذا تمكنت القوى الأخرى من التواصل معها رغم كل المعوقات..

** القوى السياسية الأخرى: وأولها الأحزاب القديمة وتلك كان رؤساؤها نماذج أخرى من مبارك.. كلهم تقريبا من مخلفات الحرب العالمية الثانية! وكلهم تقريبا كانت لهم مواقف مخزية من استماتة الشباب لصنع ثورة، وبعضهم إن لم يكن كلهم كان خادما بشكل مخز لأمن الدولة وو.. لكن الشعب فطن إلى الدرجة التي جعلته يبادل استهانة تلك الأحزاب به باستهانة أكبر بها، تلك الأحزاب التي اعتادت على التقاط الفتات استمرت حتى أيام الثورة وبعدها تطأطأ رأسها عند الأقدام من أجل الفتات الذي أدمنته، سارعت إلى أقدام عمر سليمان وأحمد شفيق وبعد زوالهما السريع سارعت إلى المجلس العسكري فهي لا تجيد سوى الدوران حول أقدام من لديه السلطة، دع عنك تلك الأحزاب فهي ميتة، وإن كان من العدل كذلك أن نتذكر أنها حوصرت من النظام البائد الذي قهرها فلم يدع لها فرصة أن تجدد أو تصلح نفسها، ماتت معه إذ كانت جزءاً منه على كل حال.. الله يرحمها! دعونا ننظر إلى القوى السياسية الشبابية.. هؤلاء أكثر الفئات التي توجه إليها الاتهامات بأنها (لا تنزل إلى الشارع ولا تتواصل مع الجماهير وتكتفي بالفيسبوك وما إلى ذلك من اتهامات) وهؤلاء الشباب مظلومون بهذا الاتهام.. دعونا نعترف بأن التواصل مع الجماهير يحتاج إلى كوادر وأموال ووقت وجهد جبار.. من أين لهؤلاء الشباب بكل هذا؟ لنأخذ مثالا: حتى يعقدون مؤتمرا واحدا في قرية واحدة بعيدة مثلا أو حتى في مدينة أخرى.. يحتاجون إلى مواصلات وسبل إعاشة ومبيت وتأجير قاعات أو حتى شوادر وكراسي للجماهير ووسائل دعاية ومطبوعات ومصروفات ووو إلى آخره.. من أين لهم بكل هذا؟ خاصة مع ضرورة تكراره في كل أو أغلب المحافظات؟ هذا اتهام لا يقوم على أي أساس واقعي.. فهم يحاولون ويحاولون عبر الوسيلة الوحيدة التي تتوفر في أيديهم ماديا وهي الفيسبوك.. أو الاتصال بالفضائيات على أقصى تقدير.. أو جمع القروش فيما بينهم لطبع منشورات أو غير ذلك.. ويكرسون وقتهم بجهد ذاتي.. ودوافعهم ليست مصلحة جماعة أو حزب بقدر ما هي (حلم) بوطن أكثر حرية وعدالة للجميع، يساويهم في ذلك طرف آخر هو المثقفون والمفكرون والنشطاء.. هؤلاء لا يملكون سوى الكتابة أو التواصل عبر الفضائيات على أكثر تقدير ولأكثرهم شهرة.. وإن كان النشطاء يتوفر لبعضهم تمويل من جهات مانحة بعضها محمود وبعضها مذموم.. لكن المحصلة النهائية أن التواصل مع الجماهير هو عملية متكاملة لا يكفي فيها الحلم بل لابد من التمويل والوقت والجهد والكوادر والدعم المؤسسي أي الحزبي أو التنظيمي.. والجماهير بالطبع محرومة من معرفة رؤاهم على اختلافها.. لا ترى أمامها سوى الأثرياء.. سواء تجار الدين الذين لديهم أموال وكوادر ودعم تنظيمي أو بقايا أثرياء الحزب الوطني الذين ينفقون الملايين من أجل الفوز في الانتخابات.. هؤلاء الشباب على اختلاف توجهاتهم السياسية بمن فيهم شباب الإخوان.. اجتهدوا ودفعوا ثمنا كبيرا لا يلتفت إليه أحد من دماءهم ووقتهم وطاقاتهم كي يجذبون الجماهير إلى ميادين التحرير فقامت ثورة.. وقت أن تقاعصت كل القوى الحزبية الأخرى بل سخرت منهم بل عرضت على النظام البائد (ومازالت) التصدي لهم مقابل صفقة لبعض مكاسب.. أما المثقفون والمفكرون والنشطاء فمن الظلم كذلك اتهامهم بالنخبوية والتعالي على الجماهير وما إلى ذلك.. وللعلم ولمن يعود إلى مقالات قديمة لي كنت كذلك أشعر بالغضب من انفصال تلك النخبة عن الجماهير.. لكن وحين حاولت أن أبادر على المستوى الشخصي تكشف لي كم هو أمر يشبه المستحيل أن تتواصل مع الجماهير فرديا.. هكذا بلا دعم تنظيمي أو حزبي..

** أما الطرف الأخير فهو الدولة: في العهد القديم كان النظام أكبر عائق أمام تواصل خصومه مع الجماهير.. قانون الطوارئ بالمرصاد.. أمن الدولة بالمرصاد.. الحزب الوطني الإعلام الحكومي.. إلى آخره، وفي العهد الانتقالي مازال هناك قانون الطوارئ وأضيفت إليه محاكمات عسكرية تطال كل من يضحي بوقته وجهده ومستقبله وقروشه القليلة كي يتواصل مع الناس.. وأضيفت عوائق تحالف بعض الجماعات السياسية والحزبية مع العهد الانتقالي التي تكشف توعية الجماهير انتهازيتها..فهو تحالف ضد استمرار الضغط الشعبي للتخلص (التام) من النظام السابق.. وبهذه المقدمات لا تبشر الدولة في عهدها القادم بفرصة للتواصل بين الجماهير وطليعتها.. التي وإن كانت مثقفة وتحمل حلما بمشروع وطني كبير إلا أنها.. فقيرة وغير منظمة، فما العمل إذن؟

لا لليأس.. لا للتراجع

نأمل ألا تستمر مصر نهبا لهذا التنازع بين طلاب الولاية لأجل الولاية ذاتها، فمصر بلد عجوز لديها ولدى شعبها مخزون حضاري هائل يظهر في اللحظات الفارقة.. وسيظل الأمل دافع شبابها الأكبر في تصديهم لكل محاولات (خطف مصر)، فرغم كل ما يواجهونه من (تكسير المجاديف) سواء من قوى سوت أمورها مع السلطة الحالية أو من مواطنين يضيقون ذرعا بتبعات التغيير الجذري.. ويصرخون في وجه الشباب: (كفاية بقى.. حرام عليكم.. حتخربوا البلد..) إلى آخره من تلك الدعاوى الانهزامية والتي في جوهرها ما هي إلا تعبيرا عن آفة (الرضا بالفتات).. رغم كل هذا فإن هؤلاء الشباب مستمرون يحاولون ويحاولون.. وتلك ضريبة السعي إلى الأفضل يدفعونها بإرادتهم.. ووجب علينا احترامهم وليس تكسير مجاديفهم حتى وإن أخطأوا مرة هنا ومرة هناك.. فهم يتعلمون من تجربتهم ويكفيهم أنهم (يتطلعون إلى العلا) بينما غيرهم لا يرى غضاضة في تقبيل أقدام ولاة الأمر، يحضرني هنا وبقوة بيت شعر عظيم لشاعري المفضل على الإطلاق أبو العلاء المعري حين قال وبمنتهى الرفعة: "ولي نفسٌ تُحلُّ بيَ الروابي..وتأبى أن تُحلَّ بي الوِهادا"

إلى بعض القراء وجميع القراء أعزاء

** مرة أخرى.. دس السم في العسل وسيلة النقد غير المباشر.. لكنني انتقد تجار الدين بشكل مباشر وهذا حقي دون الحاجة لدس السم في عسل أو في أي شيء لزج آخر.. أليس كذلك؟!

** السباب يشير إلى المستوى الأخلاقي لمن يسب وليس لمن يوجه إليه السباب.. أليس كذلك؟!

** الإيمان بالمرشد ليس نفسه الإيمان بالله! هناك فرق.. أليس كذلك؟!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل