المحتوى الرئيسى

سؤال مصطفى النجار ينتظر الإجابة

07/02 08:18

كل من شاهد وعايش أحداث الثلاثاء الماضى فى ميدان التحرير لابد أن يحزن ويغضب، وأيضاً يندهش ويحتار أمام هذا المشهد الجنونى، لابد أن يفزع من كم الشباب الذى يتصرف ببلطجة ورعونة وهيستيريا وعدوانية، شباب يمتلك طاقة مدمرة تجتاح الأخضر واليابس، أمام هذا المشهد تصبح الثمانية عشر يوماً التى عاشتها مصر فى عرس حضارى راق انتهى بسقوط أخطر نظام قمعى بمجرد هتافات تخرج من حناجر صادقة، ومجرد صدور عارية تواجه آلة التسلط الجبارة، هذه الأيام ستصبح، على أيدى هؤلاء البلطجية لو تمكنوا، مجرد ذكرى نتحدث عنها كما نتحدث عن أمجاد الفراعنة وأساطير الإغريق!

كنت أفهم جيداً صوت د. مصطفى النجار المختنق وهو يتحدث فى برنامج «العاشرة مساء» عن إحباطه، كنت أفهم غلالة الدمع التى تمنح مآقيه شجناً وحزناً، اتهمه الأستاذ جورج إسحق بأن كلامه محبط، وأنه لابد ألا يتحدث بهذا الشكل السوداوى، ولكنى كنت أحس صدق حزن مصطفى النجار النبيل وحيرته المشروعة وهو لا يستطيع الإجابة عن سؤال رجل بسيط قابله فى ميدان التحرير، سأله «أنا لا فلول ولا أذناب، أنا واحد على باب الله عايز آكل عيش ومش لاقى آكل، قول لى بأمانة الله أنا استفدت من ثورتكم دى إيه؟!».

مصطفى النجار الذى لم ألتق به شخصياً حتى الآن هو طبيب أسنان، كان من الممكن أن يظل حبيس شرنقته المهنية ويكسب ذهباً، لكنه اختار أن يحلم بالتغيير، وكان من صناع ثورة يناير منذ أن كان منسقاً لحملة البرادعى، أى أننا لا نستطيع أن نزايد عليه ونقول إنه من الفلول، ولابد ألا نتهمه فى ثوريته ونقائها،

ولابد أن نحترم حزنه النبيل وغضبه المشروع، إنه يريد الحفاظ على استمرارية الثورة والحفاظ على أنبل ما فيها، وإنقاذ هذا الرجل البسيط الذى ضُرب فى رزقه وسينضم إن طال الأجل واستمر الاختناق وجدل النخبة وسفسطة السياسيين - سينضم إلى الثورة المضادة وسيصبح وقودها رغماً عن أنفه، لأنه يريد أن يعيش ومثله الملايين ممن لا يعرفون يعنى إيه دستور أولاً، ويعنى إيه ليبرالية، ويعنى إيه حزب على مرجعية دينية... إلخ، هو عايز ياكل عيش ويربى عياله وما يسرقش وده أبسط حقوقه.

هناك إجابات جاهزة لهذا الرجل من عينة: مش إحنا اللى اتسببنا فى فقرك يا جاهل ده النظام السابق، إنت ما بتقراش التاريخ يا جاهل، والثورات بتاخد لها عشرين تلاتين سنة لغاية ما تتعدل أحوالها، كان فيه ناس بتموت فى طابور العيش قبل كده، ما تستحمل بقى ده إنت ما عندكش دم ثورى صحيح...إلخ،

الرد الجاهز عند هذا الرجل البسيط هو أن يقسم بأغلظ الأيمان: والله أنا كنت باكره مبارك زيكم بالظبط، ومتغاظ من فساد حاشيته، لكن أدفع أقساط التاكسى منين؟

ربوا لى عيالى بالمظاهرات والدستور! يصرخ فى وجه مصطفى وغيره: الاتنين مليون اللى ضرب السياحة خلاهم عاطلين، اللى كان بيسترزق من تاكسى ولا بيبيع أنتيكات ولا بيركّب السياح جمال وأحصنة أو ينضف أود الأوتيلات أو حتى بيأجر شماسى أو بيبيع ترمس، كل دول فى بطالة، وابقى قابلنى لو سايح عتب مصر!!

لابد أن نرد على هذا الرجل بدون فذلكة أو مصطلحات سياسية وأيضاً بدون إنكار أننا فى أزمة اقتصادية خطيرة، هو يرى الآن أن من كان مزنوقاً فى طابور العيش أمس وجد حلاً سهلاً لشراء الجاتوه، وهو أن يحمل سنجة ومطواة قرن غزال ويقلّب عيشه ويبلطج على العربيات والمارة والشقق الفاخرة.

بدلاً من رجم مصطفى النجار بحجر واتهامه بالخطيئة، لابد أن يتبرع قاذفو الأحجار بمنحه إجابة السؤال الذى سأله عابر سبيل ليس من الفلول أو الأذناب، ولكنه حتماً سيكون من أبناء الثورة المضادة إذا وجد أذناً من طين وأذناً من عجين.

[email protected]

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل