المحتوى الرئيسى

حكاية سياسية ملحمة جلجامش وجمهورية المثقفين

07/02 00:25

كاتب مسرحى مشاغب، تمكن من التحليق على أجنحة موهبته، والعبور نحو الحرية، وأصبح الكاتب التشيكى فاتسلاف هافيل مشهورا فى أوروبا وأمريكا.

وتألقت مسرحياته فوق مسارحهما، برغم الحصار الصارم الذى كان يفرضه على ابداعه النظام الشمولى فى بلاده. وكان هافيل قد تعرض لمطاردة شرسة من جانب أجهزة أمن النظام الاستبدادى عقب اجتياح القوات السوفيتية لتشيكوسلوفاكيا فى أغسطس 1968 وقصف دباباتها لزهور الحرية فى «ربيع براغ» عاصمة البلاد. واعتقال الزعيم الكسندر دوبتشيك بتهمة اطلاق حرية الصحافة، ومحاولة إضفاء سمة انسانية على الوجه القبيح للنظام الشمولي. وهو ما أزعج الاتحاد السوفيتى الذى كان يفرض هيمنته على البلاد. غير أن هافيل لم يستسلم للقهر. وتزعم حركة للحقوق المدنية، كان يطلق عليها «ميثاق 77» ولاحقته الشرطة. وزجوا به فى السجن وصادروا جواز سفره. وفرضوا حظرا على مسرحياته. وتمكن من التسلل الى مزرعة صغيرة وجعل منها قاعدة للحرية. وعندما اندلعت الثورات الديمقراطية فى أوروبا الشرقية عام 1989، أصبح هافيل رئيسا. وابتدع نمطا فريدا فى ادارة شئون البلاد. فقد جمع حوله فى قصر الرئاسة نخبة من المفكرين والمثقفين والفنانين، فيما قد يطلق عليه حكم المثقفين، تيمنا بفكرة الفيلسوف اليونانى افلاطون فى جمهوريته الشهيرة.

<<<

وكان الاهتمام بالاقتصاد عظيما فى جمهورية هافيل . ذلك ان التوجه الاقتصادى يفصح عن هوية الثورة. ويحدد المسار نحو تلبية الاحتياجات للجماهير. كما يرسخ العدالة الاجتماعية، وهى القصد والمنتهى لأى حكم ديمقراطى رشيد. ولذلك حرص هافيل على أن يضم لصفوة المثقفين الذين كانوا يتحلقون مستشارا اقتصاديا مرموقا هو توماس سيدليك واضطلع بدور بارز فى عملية التحول من الاقتصاد الشيوعى الى اقتصاد السوق الحرة.

وكان توماس قد أبحر على متن قارب المعرفة الى الشواطيء البعيدة لعلم الاقتصاد. واستهل رحلته بالوصول الى شاطيء الثقافة العربية. وتعمق فى فهم أبعاد ومقاصد «ملحمة جلجامش»ثم واصل الإبحار الى اليونان حيث التقى بأفكار وفلسفة كل من أرسطو وأفلاطون. واتجه الى أوروبا لدراسة آدم سميت مؤسس الرأسمالية، وكارل ماركس مؤسس الشيوعية، واستوعب الاشتراكية الديمقراطية. وأطل على الرأسمالية الأمريكية الجامحة. وصار توماس مستشارا لعدد من المؤسسات المالية والاقتصادية الدولية. وسجل رؤيته فى كتاب أصدره فى جمهورية التشيك عام 2009 بعنوان «اقتصاديات الخير والشر، معنى الاقتصاد من ملحمة جلجامش حتى وول ستريت». وتمت ترجمة الكتاب الى اللغة الانجليزية العام الحالى 2011

<<<

مع كل التقدير لمقام افلاطون، وعظيم الثناء على قامته الفلسفية، فإن الكاتب المسرحى هافيل ونخبة المثقفين والفنانين قد نجحوا فيما أخفق فيه الفيلسوف. ذلك أن أفلاطون عندما واتته الفرصة لتحقيق حلم جمهوريته تلعثم وتعثر. ولذلك حنقوا عليه، وعرضوه للبيع فى سوق العبيد، ولم ينقذه من الغمة سوى رجل فاضل تعرف عليه. ويبقى من الإبحار الى شواطيء الثورة والمدينة الفاضلة فى جمهورية أفلاطون وجمهورية هافيل ان الاقتصاد القوى هو مايدعم الديمقراطية ويرسخ مفهوم العدالة الاجتماعية التى يستظل بمظلتها الوارفة كل أبناء الوطن، بدون تفرقة او تمييز

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل