المحتوى الرئيسى

استغلال دبلوماسي سعودي لخادمته أمام القضاء الألماني

06/29 19:59

 

كانت الإندونيسية ديوي راتناساري تحلم بحياة أفضل عندما غادرت وطنها وسافرت عبر السعودية إلى ألمانيا، حيث حصلت في نيسان أبريل  2009 على عمل كخادمة لدى عائلة دبلوماسي لدى السفارة السعودية في برلين. لكن بدلا من أن تجد رانتاساري أوضاعا معيشية أفضل كانت في انتظارها حياة جهنمية، لاقت فيها شتى صنوف العذاب. فبمجرد وصولها جردت، كما قالت، من جواز سفرها، ومنعت من مغادرة المنزل، وحظر عليها الاتصال بعائلتها. كانت تشقى وتعمل حوالي 18 ساعة في اليوم في خدمة أسرة الدبلوماسي المشكلة من سبعة أفراد. وفي الساعات القليلة التي كان يسمح لها بها بالنوم كانت تستلقي فوق الأرض العارية في إحدى غرف الأطفال.

 لم تتوقف المأساة عند هذا الحد بل، وكما تقول نيفيديتا براساد، الناشطة في مجال حقوق الإنسان، كانت رانتاساري "تُضرب باستمرار من قبل كل أفراد الأسرة بالإضافة إلى الزوج وزوجتيه. كانت تهان وتذل، وأصعب ما كانت تتعرض له هو أنها لم تكن تنادى باسمها، بل بشتائم باللغة العربية". وكما تحكي نيفيديتا براساد من منظمة حقوق الإنسان بانغ ينغ في برلين، وقفت المرأة الإندونيسية في أحد الأيام أمام باب مبنى منظمتها بعد أن تمكنت من الفرار في ظل ظروف صعبة وبمساعدة أحد الأشخاص، وعندما بدأت تحكي عن معاناتها "كانت منذ البداية ذات مصداقية  كبيرة"، كما تقول براساد.

الضرب بدلا من الأجر 

نيفيديتا براساد الناشطة في منظمة بان ينغ لحقوق الإنسان في برلين Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:  نيفيديتا براساد الناشطة في منظمة بان ينغ لحقوق الإنسان في برلين  تشكل حالة راتنساري واحدة من حالات الاستعباد الشديد التي يحاول مركز بان ينغ لحقوق الإنسان تقديم المساعدة فيها. وقد لفتت هذه القضية الأنظار من جديد إلى معاناة وتعذيب الخادمات في بيوت بعض الدبلوماسيين في العاصمة الألمانية. ويرعى المركز حاليا قضايا 249 مستخدمة في منازل الدبلوماسيين في ألمانيا، وهو على اتصال بالعديد من منظمات حقوق الإنسان الأخرى في شتى أنحاء أوروبا. وتشير الناشطة  براساد إلى أن أكثر أنواع الاستغلال المنتشرة للخادمات هي العمل عددا كبيرا من الساعات الإضافية، وغالبا دون أجر، كما أن عقود العمل مع الخادمات تكون دون أي قيمة، لأن المستخدمة تبقى عاجزة عن إثبات موقفها في حالات الصراع.

اتفاقية فيينا والحصانة الدبلوماسية

الضرب والحبس ليسا الممارستين الوحيدتين اللتين تشكلان خرقا قويا لحقوق الإنسان ولقوانين حظر العبودية، بل إن  شروط العمل المجهدة التي تخضع لها الخادمات في بعض بيوت الدبلوماسيين، والأجور الزهيدة التي تدفع لهن، تشكل أيضا خرقا لحقوق الإنسان الاقتصادية والاجتماعية، وتخالف بالتالي القوانين الوطنية المتعلقة بذلك في العديد من الدول الأوروبية.

ومع ذلك يصعب التوصل إلى منح الخادمة المستغلة حقها القانوني، لأن اتفاقية فيينا المعقودة 1961 تضمن للطواقم الدبلوماسية حصانة قانونية، كما تقول هايكة رابيه من المعهد الألماني لحقوق الإنسان. وتضيف رابيه "الدولة لا يحق لها ملاحقة أي عمل إجرامي يقترفه دبلوماسيون، والمحاكم المدنية لا يحق لها حتى الآن أن تقضي بدفع أجوره المستحقة".  وتضيف هايكة رابيه "الحصانة تسد الباب القانوني في وجه المستخدمين في بيوت الدبلوماسيين". وهذه ثغرة على صعيد حماية حقوق الإنسان تتم على حساب النساء اللواتي يدفعهن الفقر غالبا إلى البحث عن أعمال من هذا النوع.

مبلغ زهيد لقاء الصمت

لقد اتصلت منظمة حقوق الإنسان بان ينغ بوزارة الخارجية الألمانية، وطلبت منها التوسط  من أجل  حصول الخادمة راتنساري على أجورها مقابل التزامها الصمت، لكن المبلغ الذي عرض كان حسب رأي نيفيسيتا براساد "قليلا ومخجلا". واستنادا إلى بنود ميثاق فيينا يحق لديوي راتناساري أن ترفع دعوى ضد رب عملها إلى محكمة سعودية، لتقاضيه على تعذيبها، لكن هذه الإمكانية، كما تشرح هايكة رابيه، مستحيلة عمليا "بسبب جنسها وأصلها وشروط الحصول على تأشيرة الدخول وعدم توفر أموال لديها، فالنساء لا يتمكن من التوجه إلى العربية السعودية ولا التحرك بداخلها دون رفقة رجل، وحتى في قاعة المحكمة  يتوجب على المرأة أن ترافق من قبل وصي ذكر".

شكوى قضائية في ألمانيا

المحامي كلاوس بيرلتسمان  دافع عن قضية رانتساري أمام المحكمةBildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:  المحامي كلاوس بيرلتسمان دافع عن قضية رانتساري أمام المحكمة المدافعات عن حقوق الإنسان المعنيات بهذه القضية أعلنّ أنهن لن يسكتن عن عدم حصول المستخدمة رانتساري على حقوقها، مشيرات إلى أن  حصولها على محاكمة عادلة هو أيضا حق من حقوق الإنسان، تضمنه أوروبا فوق أراضيها. وكما تقول هايكة رابيه يمكن في إطار  مشروع "عمل السخرة اليوم" وبالتعاون مع مؤسسة " تذكر، مسؤولية، ومستقبل"، التوصل إلى محاكمة نموذجية ربما قد  تغير التعامل القانوني المتبع في ألمانيا حتى الآن مع هذه القضايا.

 لقد وجدت مديرة المشروع رابيه في كلاوس بيرتلسمان محاميا ضليعا في قوانين العمل، قام بعرض مطالب ديوي راتناساري أمام محكمة العمل في برلين وطالب بحقها بما مجموعه 70 ألف يورو ، تغطي مطالب الأجور والساعات الإضافية، وتعويضا عن الآلام. إضافة إلى ذلك رُفعت دعوى قضائية بتهمة الاتجار بالبشر بغرض الاستغلال في العمل. لكن الذي حدث  هو أن حكم المحكمة الأول الذي صدر في 14 حزيران يونيو كان ضد المدعية راتنساري بسبب الحصانة الدبلوماسية لرب العمل.

ديوي راتناساري، وهذا اسم مستعار، أصبحت في هذه الأثناء في وطنها إندونيسيا، وبالنسبة إلى أجرها الذي لم تتقاضاه منذ وقت طويل فقد حصلت عليه من تبرعات جمعتها لها منظمة بانغ ينغ. ووكلت متابعة مطالبها القانونية  ضد الملحق السعودي للناشطة النسائية هايده بفار، القائمة بأعمال مؤسسة هانس بوكلر، التي تدافع عن مصالح العمال. وبغض النظر عن النتيجة التي ستطلع بها المحاكمة  ترغب هايده بفار أن تتخذ وزارة الخارجية في برلين إجراءات من شأنها تحسين أوضاع المستخدمات في أسر الدبلوماسيين، من ذلك مثلا  كما تقول "أن يمنحن إمكانية تغيير رب العمل إذا كان مستغلا لهن، ومنحهن الإمكانية للسكن خارج بيوت الدبلوماسيين.

حل قانوني للأجور غير المدفوعة

محامو راتنساري يحاولون الوصول إلى المحكمة الدستورية الاتحادية في كارلسروة Bildunterschrift: Großansicht des Bildes mit der Bildunterschrift:  محامو راتنساري يحاولون الوصول إلى المحكمة الدستورية الاتحادية في كارلسروة لقد اكتشفت هايكة رابيه في فرنسا إمكانية بديلة للتعويض عن الأجر غير المدفوع، فقد قضت المحكمة الفرنسية الإدارية العليا في حالة مشابهة أن على الدولة تسديد أجور المستخدمين غير المدفوعة، وهذا الحل ينطبق أيضا على  قضية  ديوي راتناساري،  كما يقول المحامي  بيرتلسمان. ويأمل هذا المحامي أن تفتح محكمة العمل البرلينية في حكمها الثاني الطريق أمام قضية رانتاساري لترفع إلى المحكمة الدستورية ويقول: "إن عدم تمكن رانتساري من رفع دعوى للحصول على أجرها وعلى التعويض عن الألم الذي لحق بها، يعتبر في مفهوم القانون الألماني حرمانها من حقها في ذلك، وهذا يتنافى مع الدستور".

قد يحتاج الأمر إلى نصف سنة  حتى  تصدر محكمة العمل من الدرجة الثانية في برلين حكما بشأن أجر العمل غير المدفوع  لديوي راتناساري، لكن جرائم  ممارسة العنف والاستعباد ستبقى بالنسبة إلى الفاعل دون تبعات، طالما لا تتوفر الإرادة لتغير هذا الوضع لدى الدول 192 الموقعة على اتفاقية فيينا حول العلاقات الدبلوماسية.

 

أولريكة ماستكيرشنينغ/ منى صالح

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل