المحتوى الرئيسى

عمرو موسى والفوضى

06/29 14:29

بقلم: رجب الدمنهوري

ذات مرة أبلغني زميل في العمل خبرًا، أدركت للوهلة الأولى أنه يحمل قدرًا من المبالغة، وللتثبت من حقيقته اتصلت بزميل آخر معروف بـ"خفة الدم" كعادة كثير من المصريين النبلاء، أنبأته بما سمعت، فبادرني بالقول: دعك منه "إنه فنجري بؤ"، وفي مناسبةٍ أخرى تكرر موقف مماثل فأردت التحقق من هذا الكلام، فقال: ألم أقل لك إنه "ميكانيكي بؤ"، أي كثير الكلام دون طائل.

 

تذكرت هذا الموقف، وأنا أقرأ تصريحًا منسوبًا للسيد عمرو موسى أدلى به لصحيفة "الجارديان" البريطانية، ونقلته عنها صحيفة "المصري اليوم" في 23/6، وجاء في نص التصريح: "أن جماعة الإخوان ستحصد 35% من الأصوات إذا جرت الانتخابات في سبتمبر المقبل" إلى حد ذلك والكلام مقبول ويدخل في إطار توقعاته، بل هذا ما يسعى إليه الإخوان، لكنه أضاف: "وستتمكن- أي الجماعة- من إقامة تحالف، والهيمنة على البرلمان الجديد، وتولي إدارة البلد، وحينذاك ستعم الفوضى، ولن يكون هناك دستور جديد"، وهذا هو مربط الفرس، والكلام الذي يجب أن نتوقف عنده.

 

ولأن الصحيفة المذكورة درجت في الآونة الأخيرة على تلوين أخبارها تزيدًا وانتقاصًا وتضخيمًا وتطعيمًا ببعض "الفبركات الصحفية"، خاصةً الأخبار ذات الصلة بالإخوان، رحتُ أستقصي مدى دقة هذا التصريح، فوجدت أن كثيرًا من الصحف المصرية والعربية والمواقع الإلكترونية قد تناقلته بالفعل، الأمر الذي يؤكد أنه تصريح صحيح، وكل ما فعلته "المصري اليوم" أنها اقتبست فقرة "الفوضى" لتكون عنوانًا خدمةً لأجندتها، وجريًا على نهجها في إبراز الأخبار السلبية عن الإخوان بقطع النظر عن مدى صحتها.

 

نعود إلى تصريح السيد عمرو موسى البالغ من العمر 74 عامًا والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية، لنسجل عليه ملاحظات عدة.

 

الأولى: أنه قد غابت عنه الدبلوماسية التي يحاول دائمًا التدثر في عباءتها فاستخدم مفردات من قبيل "الهيمنة والفوضى" ربما لم يستخدمها في تعليقه على أحداث عربية وإقليمية كثيرة تستوجب ذلك.

 

الثانية: أنه نسي أو تناسى أن مصر تعيش حصاد مكتسبات ثورة شعبية رائعة على النظام البائد وسياساته الإقصائية، وأن استخدام فزاعة "الفوبيا" من الإخوان أسلوب لا ينسجم مع روح الثورة ومقاصدها ولم يعد ينطلي على أحد، وبات هذا النهج مسرحية هزلية مكشوفة.

 

الثالثة: أن توجيه حديثه للخارج وإرسال رسالة بهذا المعنى محاولة يائسة لإعادة إنتاج نهج رئيسه المخلوع، وهذا مؤشر سلبي، وكان على السيد موسى أن يعلي من شأن الإرادة الشعبية في خطابه، وأن يؤكد أن مصر لم تعد تعرف الإملاءات والتدخلات في شئونها.

 

الرابعة: أن السيد موسى وقع في تناقض كبير فحينما يتحدث للإعلام المصري يقول كلامًا، ويعترف أن الإخوان قوة منظمة ولها حضور في الشارع ومن حقها المشاركة في صناعة مستقبل البلاد، لكنه عندما يتحدث للإعلام الخارجي يقول كلامًا آخر، ويستخدم مثل هذا الأسلوب التحريضي، وهكذا كان رئيسه المتنحي في بعض الفترات.

 

الخامسة: أن اتهام الإخوان بأنهم إذا وصلوا للحكم لن يضعوا دستورًا جديدًا ادعاء تنقصه الدقة، وتعوزه القراءة الموضوعية لمواقف الإخوان الذين أكدوا في غير مناسبة أنه سواء كان الدستور أولاً أو الانتخابات أولاً لا فرق، لكن أما وقد قال الشعب كلمته في استفتاء تاريخي على التعديلات الدستورية في 19 مارس الماضي، فلا بد من احترام إرادته، كأول اختبار ديمقراطي حقيقي.

 

لا نعرف ماهية "فوضى" عمرو موسى المتوقعة وسيناريوهاتها، وعلى أي أساس بنى هذا الاستنتاج؟  لكن الذي يجب أن يعرفه السيد موسى أن الإخوان يمارسون الواقعية السياسية ويقرءون الواقع قراءةً جيدةً،  ويدركون معطياته، ويحرصون على مشاركة جميع التيارات والأحزاب السياسية على اختلاف مكوناتها في بناء مصر، وقد قدموا في هذا الشأن مبادراتٍ عديدةً، ونظموا مجموعةً من جولات الحوار مع المعارضة في ظلِّ ملاحقة النظام المخلوع، بل ما زالوا يسعون إلى التوافق مع الأحزاب والقوى السياسية والبحث عن القواسم المشتركة بشأن الملفات الخلافية للعبور بمصر إلى مرحلة الاستقرار، فأي هيمنة وأي فوضى يا سيد موسى؟ أضف إلى ذلك أنه وعلى التوازي من ذلك  لا يدخر الإخوان وسعًا في العمل الجاد لخدمة الشعب ونهضة مصر صحيًّا وتعليميًّا وأخلاقيًّا حتى في ظل إصرار النظام السابق على إجهاض أي مشروع تنموي ناجح، هذا في الوقت الذي وقف فيه كثيرون يندبون حظهم ويشغلون أنفسهم بمعارك وهمية دون أي ملامسة حقيقية لاحتياجات الشعب ومتطلباته.

 

يا سيد موسى نحن نعيش في زمن مختلف، ونحتاج إلى خطاب مختلف، فقد ولى عصر مباركة الرئيس من الخارج أو الاستقواء به أو التحريض على فصيل وطني كالإخوان المسلمين، وسقط مشروع التوريث الذي دفعت مصر ثمنه باهظًا، وها هي عروش الديكتاتوريات تتهاوى، وتسقط يومًا بعد يوم، والشعوب بلغت درجةً كبيرةً من النظر والوعي والنضج، والشعب المصري بالذات أصبح قادرًا على التمييز بين مَن يقوم على خدمته صباحَ مساءَ ومن لا بضاعة له إلا الكلام، وسيظل ثائرًا لتحقيق كل مطالبه لضمان كرامته وحريته.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل