المحتوى الرئيسى

محمد محيى الدين محمد يكتب: عقدة الخواجة

06/28 22:51

انتبهت إلى زميلى فى العمل حينما كان يحدق بوجهى وعلامات الدهشة والاستنكار تجتاح ملامحه، فكسرت حاجز الصمت المريب، سائلا عما به، رد على متسائلا، وبسخرية؛ هل جننت؟!

حينها شعرت بحاجباى وقد التقيا ليشكلا تلك العلامة المشهورة، علامة اللا نهاية موجية الشكل، وتسربت ملامح الدهشة من وجهه إلى قسمات وجهى وتلعثمت وأنا أسأله، ماذا حدث؟

ولأنه ليس عربيا، هندى الجنسية، شرح لى كيف كان حالى منذ دقيقتين، شارد الذهن مكتئب الوجه متمتماً بكلمات غير مفهومة أشعرته وكأننى أتحدث إلى جنى؟!!

علت قهقهتى المكان وتحول مشهد الدهشة ذلك إلى مشهد كرتونى ظريف، وتذكرت ما جال بخاطرى وقتها وعلمت أنه من الضرورى أن يتقصى المرء الحال التى عليها دائما درءاً للشبهات.

ماذا لو كنت رئيسا؟

هذه الكلمات التى أرقت زميلى هذا وأثارت دهشته، أعترف بأنى كنت منهمكا فى التفكير، تجتاح مخيلتى صورا ومشاهد عنى حينما كنت رئيسا.

ماذا لو كنت رئيسا؟! ماذا أفعل؟! هل سأكون كغيرى من الزعماء، محاطا بمئات من أفراد الأمن، يدعو على القاصى والدانى، أم يكرهنى أكثر من 80 مليونا؟

هربت بعيدا عن أنى هذا المكروه، هذا المشبوه!، لكنى فكرت مليا من يمكن أن يصبح رئيسا لمصر؟

هل سيكون مصرى الجنسية والهوية والصناعة الغيورة الوطنية، أم سيكون صناعة غربية صهيونية أمريكية؟!!

جعلت أناقش نفسى، فأنا مصرى من هؤلاء المصريين الذين اعتادوا على مشورة أنفسهم واستفتاء قلوبهم فى كل كبيرة وصغيرة، وسألت كثيرا عن مستقبل مصر فأجابتنى نفسى بكل ثقة، الأمر بيد المصريين من بعد الله.

فتحت نافذة على الأحداث فى مصر ورأيت الحال المصرى قد يتغير، أقصد سياسيا، لكن ما كان يخيفنى هو الذى مازال يؤرقنى. الغرب ومصر، عقدة الخواجة!

هذه العقدة التى طالما حاولنا التخلص منها إلا أن المصرى أثبت أنه لا يمكنه التخلى عنها، مثل الطفل الصغير، لا يشعر بالأمان إلا إذا أمسك بطرف عباءة أمه.

تجد من المصريين من يطالب بتجربة تركيا الناجحة، فعلا ناجحة للأتراك، وآخرون يريدون كوريا والعديد يطالب بمصر اليابانية، والكثير الكثير تجاهل تجربة مصر المصرية.

تعددت الأسماء الخواجاتية فى مصر، فرأينا خشونة فى التعبير عن كل اتجاه، فالكل يخاف الإسلاميين، ويخشى عودة الوطنيين نسبة إلى الحزب الوطنى الديموقراطى، وتعالت أصوات العلمانية، وأستأسدت الليبرالية، وأفاقت الاشتراكية وأخشى أن أقول تقسمت الهوية المصرية.

من وجهة نظرى المتواضعة إنه سيكون علينا أن نفيق إلى مصر ونخشى عليها من هجمات الغرب الشرسة التى تستخدم فيها الطابور الخامس من بعض المصريين، الطابور الذى ظلوا يعدونه إعدادا خبيثا لاستخدامه فى مثل تلك الأيام السوداء على مستقبل الغرب اللعين.

هذا ما نحن عليه الآن، أصابع تلعب بمستقبل مصر ولكننا نسأل عنها كى تساندنا.

مثلها كمثل اللعبة الكئيبة التى ظلت الأنظمة السابقه تلعبها، ألا وهى لعبة صندوق النقد الدولى المشروطة، اللعبة الحقيرة التى كان يسرق بسببها مستقبل مصر وقوت يوم المصريين أجمعين، كيف تنهض دولة اشترط عليها عدم النهضة بشعبها ولا الاستثمار فيها إلا بإذن من سيدة الكون الأولى ألا وهى أمريكا.

يتطرق إلى ذهنى الآن من عقدة الخواجه ما يغيظ، فرجال الأعمال المصريين ما أجودهم حينما يتم الإنفاق بلا حساب لأجل فريق كرة خاسر، لكن لا يتم تشجيعه على الاستثمار الحقيقى، وتختزل كلمة المستثمرين ومفهوم الاستثمار على المستثمر الخواجة، وكأن مصر للخواجات فقط.

أما عن السياحة، فلن تستغنى مصر عن السائح الأجنبى، طالما أن السياحة الداخلية فى مصر ما هى إلا هراء ودعابات نضحك عليها فقط بين الفينة والأخرى، وكأن المصرى ما عليه إلا أن ينزف عمره كله وتعب وإهانة والاستلقاء على شاطئ جمصة ورأس البر فقط لا غير، أو أن تستمر الفكرة السائدة عن مصر بأن السياحة ما هى إلا ملهى ليلى وشاطئ عراة وجملين وحصان عند الأهرامات، وما على المسؤلين سوى تجاهل التاريخ المكدس بالحضارات.

يا إخوتى حتى النادى الأهلى كاد أن يغرق بدون الخواجة مانويل جوزيه!!

ليس علينا سوى أن نبحر بالذكريات إلى زمن ليس ببعيد، كان المصرى فيه كل شىء، كانت مصر جميعها للمصريين، مصر الإنتاج، أتذكر قطن مصر طويل التيلة، شركة الغزل والنسيج بالمحلة الكبرى التى زارها عبد الناصر لمجدها.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل