المحتوى الرئيسى

> «وجوه السيدة».. دراويش وبائعات عصافير ويوناني

06/28 21:08

«الشيخ محمود»

لا تسألوني من يكون، فليس لدي معلومات عنه أكثر من كونه مثل البرق في سماء ليلة القدر يظهر فجأة ليحقق الأمنيات ويختفي فجأة وبدون مقدمات.. كنا نجلس ثلاثتنا علي مقهي يجاور مسجد "السيدة زينب" نحتسي شايا نستعد به للسهر طوال الليلة السابقة علي "ليلتها الكبيرة"، وإذا بالشارع المكتظ بالناس ينشق عن رجل أسمر اللون، ضيق العينين، طيب الملامح، بجلباب زيتي اللون وعمة بيضاء يتقدم إلي واحد منا ليسلم عليه لسابق معرفة وصداقة بينهما، ثم مد يده ليسلم علي الباقي، مرفقا سلامه بسيجارة ألح في تقديمها إلي كل منا وأشعلها له، بدون حتي أن يسأل إن كنا ندخن أم لا..

فقط هو الشيخ "محمود" ولم يكن يتوجب أن تسأله عن شيء آخر، يجلس غير مستقر النظرات، حينا يتمايل مع أصوات الابتهالات الدينية المنبثقة من كل مكان، وحينا يقوم ليرقص ويدور بجلبابه زيتي اللون مع نغمات الأغاني الدينية و"مدد يا طاهرة"، وحينا يستدير ليداعب طفلا هنا أو هناك.. وفجأة تجده يحدق فيك لبرهة ثم يخبرك عن أحلامك الدفينة وطبيعة شخصيتك، قبل حتي أن يعرف اسمك.. وقد تجده يدفن يده في صدره ويخرج جنيها معدنيا لكل واحد منكم، وهنا لا يجب أن ترفض، فلا أحد يرفض شيئا يقدمه له "الشيخ محمود".. وبعدها يقوم ويغادر بدون سابق إنذار.

بائعة العصافير

في مولد "السيدة" كما في أي مولد آخر، تنتشر البهجة في كل مكان تنتظر من يحصل عليها بطريقته الخاصة..ففي الموالد دائما ستجد كل ما يسرك، ستجد مثلا فتاة مستقيمة الظهر في جلستها تماما مثل جداتها الملكات الفرعونيات، ترتدي عباءة سوداء، وتغشي وجهها ابتسامة ساحرة، تجلس تبيع العصافير المحمرة لأحباب "السيدة" و"العصفورة بجنيه"، تقف أمامها مترددا ربما لأنك لم يسبق لك أكل العصافير، فتلحظ هي ترددك وتدعوك لأن تستغني عن جنيه من أجل أن "تدوق" عصفورة مذبوحة بالحلال ومن صنع يدها، بشرط أن تفعل ذلك بجانبها، وتفعل أنت، وتكتشف أن للعصفورة "المسكينة" التي التهمتها للتو مذاقًا لذيذًا، بل وإن الناس تقبل علي شرائها بنهم، تسألها عن مصدر العصافير فتخبرك عن شباك يلقيها صيادون علي الأشجار بعد أن تأوي إليها الطيور الوديعة مساء، تهم بالمغادرة فتبتسم الفتاة وتؤكد لك أنك أبدا "مش هتدوق عصافير طعمة زي عصافير سماح".

الفلاحون والبهوات

وفي مولد "السيدة"، يمكنك أن تقابل "عم حسين" وقد جاء خصيصا من الشرقية لحضور ليالي "الطاهرة"، يجلس وبجانبه عجلاً صغيرًا ربما لم تفطمه أمه بعد، ستذبحه فرقته علي أقدامها صباح الليلة الكبيرة، فيطعمون الرائح والغادي، "ها أشلّك منابك "هكذا وعدني "عم حسين" الذي يملك من العيال أحد عشر، والذي اعتاد أن يحضر "المولد" منذ أن كان طفلا، يخبرني أن كبير جماعته القادمة من الشرقية اسمه "محمد أبوسويلم" فأخبره أن بطل فيلم "الأرض" يحمل نفس الاسم، فيبتسم ويقول: "ماليش" في التليفزيون، قدّم لي الرجل كوبا من الشاي وسألني عن "أصحاب البدل" الذين وقفوا علي مقربة منا، فأخبرته أنهم أساتذة في الجامعة وكتّاب وصحفيون جاءوا ليحضروا ندوة في "بيت السناري" القريب، وقلت بدون وعي :ممكن تحضر، فرد "عم منصور" الذي انضم لجلستنا: هما الفلاحون اللي زينا ممكن يحضروا مع البهوات دول!

كوستا اليوناني

في مولد "السيدة"، تسترجع كل ذكرياتك وخبراتك مع الموالد، تسترجع طعم "الحلاوة الحمرا" و"الحلاوة الشعر"، حينما كان يأتي بها أبيك إليك من المولد الذي يحضره بينما كنت صغيرا، تسترجع شكل الألعاب، شكل المراجيح، شكل "الغوايش والسلاسل الدهبي"، شكل أكياس الحمص، وقد تتحمس وترغب في استعادة طفولتك بركوب مراجيح من كل شكل ولون، وفي المرجيحة لن تكون وحدك، فرجال بجلاليب وأساتذة ببنطلونات ونساء بعباءات سوداء يحملن رضّع، يجاورونك ويطلقون نفس الضحكات معك، ومن الأفلام العربي تسترجع شكل السيرك وأنت تتابع شابًا ينادي لدخول ألعاب "كوستا اليوناني" و"التذكرة باتنين جنيه"، تتشجع وتدخل، وإذا بالرجل اليوناني يستقل "موتوسيكلا" يدور به علي حيطان حلقة كبيرة من الخشب تحلّق الناس حول حوافها، النساء يصرخن ويضعن أكفهن علي عيونهن حتي لا يرين جنون الرجل، والرجال يصفقون ويصفرون ويصرخون مشجعين للرجل البطل الهمام، ويخرج الناس منبهرين، فتتشجع أنت وتشير لبطل العرض، فيقبل عليك وتسأله: هل أنت فعلا يوناني؟، فيجيبك بالإيجاب ويتطوع ليخبرك ب"عربي مكسر" أنه يعيش في مصر منذ 23 عاما..

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل