المحتوى الرئيسى

القومية العربية من المنظور الإسلامي ـ 1/3 بقلم:رفيق أحمد علي

06/28 19:44

القومية العربية من المنظور الإسلامي ـ 1/3

لا نريد أن ننطلق في حديثنا عن القومية العربية من نقطة التهجم على الفكرة أو الإدانة لها بأسباب من ظروف نشأتها أو التركيبة الفكرية والدينية لمنشئيها أو دعاتها ومنظّريها ، أو غير ذلك مما درج على الأخذ به بعض إخواننا في الإسلام ، سامحهم الله وغفر لهم وعلى الله أجرهم فيما اجتهدوا: أصابوا أم أخطأوا ؛ فللمجتهد ـ وفي قصده الخير والإصلاح ـ أجران إن أصاب وأجرٌ واجد إن أخطأ ، كما ورد في الخبر الصحيح .إلا أننا نريد أن نعطي الموضوع حقه من المعالجة اللغوية والتناول الموضوعي ( البعيد عن التعصب ) والعلمي ( المرتكز على المعطيات العلمية والحقائق التاريخية ) ثم الشرعي وهو الغرض الأول من المقال ، حيث نبين للمسلمين ـ عرباً وسواهم ـ موقف الإسلام من القومية والقوميات ونبين للعرب ـ مسلمين وسواهم ـ موقف الإسلام من العروبة والقومية العربية ؛ وذلك حتى يكون الجميع على بيّنةٍ من أمرهم ومعرفة تامة بمكانهم ودورهم وطبيعة تكوينهم كأمّة ومكانهم كقومٍ وأقوام .

فالقوم في اللغة معناه الإقامة في المكان ، والقوم من الناس يعني الجماعة ، وقوم الرجل أقرباؤه الذين يجتمعون معه في جدٍّ واحد ، وعليه يكون المعنى اللغوي للقومية أو القوميّ هو النسبة أو الانتماء إلى قوم يجمعهم مكانٌ واحد ولغةٌ وعاداتٌ واحدة . وفي المصطلح السياسي فإنّ القومية تعني مبدأً سياسياً اجتماعياً يفضّل معه صاحبه كل ما يتعلق بقومه على سواه مما يتعلق بغيرهم ، وبهذا المصطلح فإنّ كلمة " قوم" تأخذ معنىً أوسع من معناها الذي تقدّم ، فهي قد تعني شعباً أو مجموعة متحدة من الشعوب تجمعهم لغة واحدة وعادات متشابهة و يضمهم مكانٌ واحد وإن كانوا على غير دين واحد وشِرعة واحدة ، أما الأمة فهي في اللغة : الطريقة والجماعة والجيل من الناس ، كما تعني الإمام القدوة ؛ إذ يقول الله تعالى:" إنّ إبراهيم كان أمةً قانتاً لله حنيفاً وما كان من المشركين " (النحل 120) وهكذا فهي تعني جماعةً أو جيلاً من الناس أو شعباً أو مجموعة من الشعوب طالما كانوا على دين أي " شرعة ومنهاج " واحد ، وإن تباعدوا في المكان ، وذلك هو المعنى المستوحى من كلمة أمّة ؛ يقول الله تعالى :" كنتم خير أمةٍ أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهَون عن المنكر وتؤمنون بالله ... " ( آل عمران 110) وواضح أنّ الخطاب هو لأمة الإسلام أو " الأمة الإسلامية " لا فرق بين عرب وعجم متى دخلوا في الإسلام وأينما كانوا من الأرض ؛ إذ يقول الله تعالى :" يا أيها الذين آمنوا ادخلوا في السِّلمِ كافّةً ..." (البقرة 208 ) ويقول سبحانه مميزاً بين الأمم ومعدداً لها بالتمييز بين مناهجها وشرائعها :" فكيف إذا جئنا من كلّ أمةٍ بشهيدٍ وجئنا بك على هؤلاءِ شهيداً " ( النساء 41) وهؤلاء هنا هم كل الأمة التي دخلت في الإسلام وليسوا قوماً بذاتهم من الأقوام . ويقول سبحانه :" ولكلّ أمةٍ رسولٌ فإذا جاء رسولهم قُضِي بينهم .." (يونس 47) أي قُضي بينهم بشرعتهم التي عُرفوا بها كأمة . ويقول سبحانه:" فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتّبعْ أهواءهم عمّا جاءك من الحقّ لكلٍّ جعلنا منكم شِرعةً ومنهاجاً ولو شاء الله لجعلكم أمةً واحدةً.." (المائدة 48 ) ومعناه أنّ الأمم تفترق بشرائعها ومناهجها وليس بقرابتها وأعراقها ، مما يؤكد العلاقة الوثيقة بين المنهاج والشريعة وبين الأمة .

وخلاصة القول في "قوم" أنّهم جماعة من الناس تربط بينهم رابطة من لغة أو قرابة أو جوار ويجمعهم مكانٌ واحد ، وليس الدين الواحد شرطاً في قوميتهم ، وهذا ما يتعارف عليه القوميون وتقوم عليه دعوى القومية ! أما الأمة فتطلق على جماعة أو شعب أو عدد من الجماعات والشعوب أو جيل من الناس عاشوا مجتمعين في زمن من الأزمان على دين ومنهاج واحد ، بغضّ النظر عن وحدة لغثهم أو تقارب أوطانهم ! ومن هذا التعريف نأخذ أنّ كلمة "أمة" أكثر شمولاً وأوفر سعةً من كلمة "قوم" بينما الأخيرة أكثر خصوصية وأقلّ سعة . وعليه فإنّ المسيحي أو اليهودي ذا اللسان العربي المعايش للعرب في بلادهم إنما يدخل في القوم العرب مستثنى من الأمة الإسلامية إلا أن يدخل في الإسلام ، لكنما له قبل ذلك حقوق المواطنة وعليه واجب المشاركة في الدفاع عن الوطن ضد الدخيل والمعتدي . وسنجد أنّ هؤلاء ؛ ولمصلحتهم الخاصة ـ هم الأحرص على دعوى القومية العربية والعلمانية التي تنادي بفصل الدين عن الدولة ولا تجعل من الدين أحد روابط الوحدة ، ومنهم خرج أكبر قادتها ومنظّريها : كمال أتاتورك سابقاً ـ وهو يهودي الأصل ـ و مشيل عفلق لاحقاً وهو مسيحي الديانة ، ثم تبعهم التابعون من علمانيي المسلمين أمثال ساطع الحصري أوغيره من حكام أو رؤساء ابتليت بهم أمتنا الإسلامية ! وعليه أيضاً فلا وجود لمسمّى " أمة العرب " أو " الأمة العربية " بعد دخولهم في الإسلام ؛ لأنّ العروبة ليست منهاجاً كما الإسلام ، وإن كان للعرب من منهج قبل الإسلام وهو " الوثنية" ، فقد هدمه الإسلام بمجيئه! هذا ولم نجد العرب قبل الإسلام قد توحدت في يومٍ من الأيام كأمة، فضلاً عما كان يعتريها من صراعاتٍ قبلية وهجرات متوالية لا تدل على وحدة أمة أو أمة واحدة؛ فلا كيان حقيقي يستطيع أن يوحّد العرب ويقوّيهم في وجه أعدائهم الأقوياء المتحدين ضدهم ، إلا كيان الأمة الإسلامية ، وبالأخصّ إذا التفّت الشعوب الإسلامية الأخرى حولهم.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل