المحتوى الرئيسى

الثقافة في برنامج حزب الحرية والعدالة

06/28 22:59

بقلم: د. خالد فهمي

 

(1)

مدخل: الثقافة والفن في برنامج الإخوان

بين الوسائل والغايات

من المهم جدًّا أن ننبه أن برنامج حزب الحرية والعدالة يمكن النظر إليه بما هو الوريث الحقيقي لمبادرة الإخوان المسلمين التي أعلنها المرشد السابق محمد مهدي عاكف في الرابع من مارس سنة 2004م.

 

وهذه الحقيقة تفرض عند التحليل الكيفي للباب السابع من برنامج هذا الحزب، وهو الباب الذي تضمن رؤية الحزب للثقافة والفن– التنبه إلى السياقات الاجتماعية والسياسية المحيطة به، والتنبه إلى وضع الجماعة في إطار هذه السياقات أيضًا.

 

ومن هنا فإن الباب السابع من برنامج الحزب الذي استقل لعرض رؤية الجماعة في الثقافة والفن جاء وقد اختلط لديه اختلاطًا إيجابيًّا أمر الوسائل بأمر الغايات؛ بمعنى أن الثقافة بدت وسيلة لتحقيق عدد من الأسس والمنطلقات التي افتتح الحزب برنامجه ببيانها.

 

لقد انشغلت الأسس والمنطلقات- وهذا حقها- ببيان المبادئ الحاكمة لفلسفة الحزب ورؤيته وتوجهاته؛ بحيث بدت مبادئ الشريعة الإسلامية هي المصدر الرئيسي لبناء الوطن المصري، بما في ذلك عماد هذا الوطن، وهو الإنسان.

 

ولعلنا نذكر حينًا أن مبادرة الإخوان سنة 2004م كانت انطلقت محكومة بغرض مركزي هو الإصلاح.

 

ومطالب الإصلاح التي حكمت المبادرة بتحكيم تاريخ إعلانها أولاً، وبتحكيم الظروف الضاغطة والمقيدة والمقصية للإخوان، ثانيًا، وبتحكيم الظروف والأجواء المهمشة لبنود الفكرة الإسلامية، ثالثًا، وبتحكيم تئول نظام سياسي أكثر من مستبد رابعًا، وهي مجموع ما يشكل السياق التاريخي والسياسي والاجتماعي الذي أحاط بصدور المبادرة ابتداء، ثم أحاط بصدور برنامج حزب الإخوان على الأقل في مسودته الأولى انتهاءً.

 

ومن كلِّ هذا نستطيع أن نقرر أن روح هيمنة التعامل في الباب السابع من برنامج الحزب مع الثقافة والفنون بما هي وسائل وآلات لتحقيق الأسس والمنطلقات، بما في هذه الأسس والمنطلقات من الركائز التالية:

 

أولاً: الإصلاح الشامل مطلب مصري.

ثانيًا: الإصلاح الأخلاقي نقطة انطلاق مركزية

ثالثًا: الإنسان المصري هو هدف كل عمليات التنمية– كانت هي الصوت الأعلى فيما يبدو ويظهر.

 

ولكن الحق قاضٍ أن نقرر أيضًا أن برنامج الحزب ومن قبله نص المبادرة يضعان في حسابهما أن الهوية غاية مركزية لأعمالهما عمومًا، ولأعمالهما الثقافية والفنية خصوصًا، وهو ما يجعل من رؤية حزب الحرية والعدالة للشأن الثقافي الفني تدور على محورين متلازمين هما:

 

 أ- محور الوسائل والآلات المحققة للإصلاح عبر أنابيب ثقافية متعددة ومتنوعة، ترعى جميع الأوعية الثقافية والمعلوماتية، وهو ما يمكن تلخيصه في عبارة الثقافة مؤسسة للذات.

 

ب- محور الغايات التي ترى في الثقافة حاشية شارحة ومفسرة للهوية، وهو ما يمكن تلخيصه في عبارة الثقافة كاشفة عن الذات.

 

ومن هنا فإن الباب السابع الخاص بالثقافة والفن من برنامج حزب الحرية والعدالة يحمل في بنتيه الكامنة عوامل تطوره التي سوف تأخذ خطوتين ظاهرتين هما:

 

أولاً: مرحلة الإصلاح، والقضاء على الفساد الذي حكم ظهور نص البرنامج في ظل ما قبل ثورة 25 يناير.

 

ثانيًا- مرحلة البناء، والكشف عن هوية المواطن المصري.

 

(2)

تحليل نص البرنامج: طريق واضحة للكشف

عن رؤية الإخوان للثقافة والفنون

يتفق علماء مناهج البحث في العلوم الاجتماعية على أن التحليل الكيفي طريق واضحة للكشف عن رؤى أصحاب النصوص المختلفة، وبيان توجهاتهم، وما يؤكده الدكتور إبراهيم البيومي غانم عندما يقرر في كتابه (مناهج البحث وأصول التحليل في العلوم الاجتماعية، مكتبة الشروق الدولية سنة 1429هـ، 2008م ص 153) فيقول: "يهدف التحليل الكيفي إلى الكشف عن الدلالات والمعاني التي تحملها البيانات والمعلومات"، ومن هنا فإن تحليل نص الباب السابع الخاص بالثقافة والفن في برنامج حزب الحرية والعدالة كيفيًّا يقودنا إلى الكشف عن معاني ودلالات رؤيته الثقافية والفنية.

 

والتحليل الكيفي لنص البرنامج في هذه الزاوية يتطلب بيان ما يلي تقديرًا لما جاء فيه، وتحقيقًا لمواضع النقد التي يمكن أن توجه إليه: 

أولاً: السياق المحيط بظهور البرنامج:

ظهرت المبادرة سنة 2004م، ثم ظهر برنامج الحزب في مسودته الأولى في ظل نظام ما يسمى الآن بالمرحلة المباركية، بما توافر فيها من سمات: 

أ- الاستبداد المطلق

ب- هيمنة نظام الحزب الواحد عمليًّا وواقعيًّا.

ج- إقصاء الإخوان، وتهميشهم، وملاحقتهم أمنيًّا.

د- تراجع أجواء التعاطف مع العلامات الإسلامية في المجتمع ثقافيًّا وفنيًّا واجتماعيًّا وإعلاميًّا في الأوساط والأوعية الثقافية المتنوعة.

 

وهذا السياق التاريخي السياسي بعلاماته المركزية المشار إليها هنا فرض نفسه على نص الباب السابع من برنامج الحزب الذي صدرت نسخته الأولى في ظل السياق الاستبدادي الضاغط في صورة الإلحاح الظاهر على المفاهيم التالية:  

أ- الهوية الحضارية الإسلامية هي الأساس والعامل الرئيسي في تشكيل العقل المصري ووجدانه.

 

ولا سيما بعد تعالي الأصوات المنادية بالاقتراب بالحذف من المادة الثانية من الدستور الذي كان معمولاً به، وهو دستور سنة 1971م.

 

وفي ظل استثمار مغلوط ومضلل لمفهوم المواطنة بما يجعلها مهادًا للسطو على الدين، واغتياله من المجتمع المصري؛ بسبب من الخصومة السافرة التي كانت بين الإخوان والنظام الذي كان واقعًا مطيفًا بظروف صدور نسخة البرنامج الأولى.

 

وهو ما جعل نص الباب السابع من البرنامج أشبه شيء في صياغته المليئة بالقيود اللغوية (من الصفات و أشباه الجمل) بالأسوار والتحصينات التي تسعى إلى حماية كنز يتهدده اللصوص!.

 

ثانيًا– تحليل بنية النص: موضوعاته وقضاياه:

واستمرارًا لتطبيق عناصر التحليل الكيفي كما بينها الدكتور إبراهيم البيومي غانم في كتابه السابق الإشارة إليه (ص 154) تأتي الخطوة الثانية متمثلة في تحليل بنية النص.

 

ونص الباب السابع من برنامج حزب "الحرية والعدالة" يضم ثلاثة أقسام هي:

1- المقدمة: استثمرها البرنامج لبيان ما يلي:

أ- الهوية الحضارية أساسها حضارة الإسلام.

ب- الثقافة تعني طريقة الحياة.

ج- الثقافة حائط صد ضد أساليب الغزو الفكري المدمر.

د- رعاية مطالب الإصلاح الجاد للوسائط الثقافية.

 

2- من ملامح الحياة الثقافية: ركز فيها البرنامج على ما يلي:

أ- عدم الفصل بين القيم الأخلاقية والإبداع.

ب- ضرورة توافر الرقابة الذاتية وصناعة ثقافة المناعة.

ج- تفعيل المؤسسات الثقافية.

د- الحفاظ على التراث الإنساني المصري بأطيافه كافة.

هـ- تأكيد التعددية الثقافية والتنوع في إطار من القيم الإنسانية.

 

3- التنمية الثقافية: الرؤى والآخر، وضمت ما يلي:

- الترجمة والنشر.

- الكتاب وصناعته.

- السينما والإنتاج الدرامي

- المسرح والفنون الشعبية.

- الموسيقى والغناء.

- العمارة والآثار.

 

ومن خلال هذه الأقسام الثلاثة بما انضوى تحتها من أصول وقواعد حاكمة للرؤية الثقافية في تصور ورؤية حزب الإخوان المسلمين- يتضح حرص الجماعة على توصيل عدد من الرسائل، وتحقيق عدد ضخم من الأهداف، يمكن الإشارة إلى بعضها فيما يلي: 

أولاً- سعى نص الباب السابع من خلال صياغته، ومما زرعه في هذه الصياغة من قيود لغوية إلى إيصال عدد من رسائل الاطمئنان لأطياف المجتمع المصري عمومًا عن طريق تعابير من مثل:

 

أ- التأكيد على التعددية والتنوع (وهو ما يضمن الحفاظ على الثقافة المصرية الموصولة بالحضارة المصرية القديمة، ثم الثقافة المصرية الموصولة بالمرحلة اليهودية والنصرانية والإسلامية والحديثة المتصلة بالغرب).

 

ب- تقييد بند (الحفاظ على التراث الإنساني في مصر) بقيد: (بكافة أطيافه) والمعلوم أن لفظ (كافة) من ألفاظ العموم والاستغراق في اللسان العربي.

 

ثانيًا- بدا النص في أقسامه الثلاثة وبما تضمنه من بنود فرعية حريصًا على محاصرة القلق الذي يمكن أن يتسرب إلى شرائح كبيرة جدًّا من المواطنين المتلقين والمبدعين والمنتجين للمواد الثقافية والفنية وفي الميادين المختلفة، وهو الأمر الذي بدا واضحًا على النص والأفراد بعيدًا عن أجواء العموم، وبعيدًا عن استعمال صيغ الجمع اللغوية، وهو ما تجلى فيما يلي: 

أ- عدم الاكتفاء بالإشارة إلى الإنتاج الدرامي على الرغم مما تضمنه دلاليًّا من عموم ظاهر وكاف، الأمر الذي قاد النص إلى إفراد الفنون المختلفة بالذكر، فذكر البرنامج في قسم التنمية الثقافية (السينما / والمسرح / والفنون الشعبية / والموسيقى والغناء) ولم يفعل ذلك بطريق العطف اللغوي في سياق فقرة واحدة، وإنما أفردها بالذكر في الفقرات مستقلة بأرقام مستقلة.

 

ثالثًا- جاء نص البرنامج في بابه السابع منتصرًا لعدد من الاجتهادات الفقهية الموصوفة بالاستنارة والعصرية، وبعيدًا عن الآراء الفقهية للتيارات التقليدية، بحيث بدا الانتصار للسينما والإنتاج الدرامي، والمسرح، والفنون الشعبية، والموسيقى، والغناء، والعمارة، والآثار- انتصارًا في النهاية للاجتهاد الفقهي المتعاطي معها والمتعامل معها؛ مما يقطع الطريق على الجدل الذي ثار ولم يزل يثور حول الموقف من الفنون المختلفة.

 

رابعًا- بدا نص البرنامج واعيًا جدًّا بالحركة ضمن دوائر الانتماء المصرية / والعربية / والإسلامية في كثير من صياغات الفقرات.

 

خامسًا- بدا نص البرنامج في زاويته الثقافية مستشعرًا خصوصية الوعي المصري، وما يتهدده اليوم فيه غافل عن المستقبل.

 

(3)

علامات مقلقة

وليس يصح – ولا سيما بعد بيان السياق التاريخي والاجتماعي والسياق الذي أحاط بصدور برنامج الحزب على الأقل في نسخته الأولى – أن يتصور أحد أن البرنامج في بابه السابع الخاص بالثقافة والفنون لا يثير عددًا من علامات القلق لا فإن ثمة علامات تفجرها الصياغة اللغوية ، والبناء الهيكلي للباب.

 

فعلى الرغم من افتتاح برنامج الحزب عمومًا بتمهيد استقل ببيان الأسس والمنطلقات فإن ثمة تكرارًا باعثًا على القلق تمثل في إعادة عدد مما جاء في الأسس والمنطلقات مرةً أخرى في مقدمة الباب السابع الذي خصصه البرنامج للثقافة والفنون، ولا سيما فيما يخص الإلحاح على الهوية الحضارية الإسلامية الحاكمة والموجهة للشأن الثقافي.

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل