المحتوى الرئيسى

خطة لزعزعة استقرار سوريا.. تييري ميسان.. ترجمة: بشار عبدالله

06/27 19:59

العمليات التي جرت ضد ليبيا وسوريا لها قواسم مشتركة عدة بين أطرافها الفاعلة ونسجت في ضوء الاستراتيجيات نفسها. ومع ذلك، فإن نتائج كل منهما اختلفت عن الأخرى لأن أوضاع هذين البلدين تقفان خارج المقارنة. تييري ميسان يحلل فشل القوى الاستعمارية والمعادية للثورة، ويتوقع ردة عكسية على المخططات التي تستهدف العالم العربي.

إن الجهود الرامية إلى إسقاط الحكومة السورية لها مشتركات كثيرة مع ما جرى حتى الآن في ليبيا. ومع ذلك ، فإن النتائج مختلفة إلى حد كبير بالنظر لخلفية كل بلد اجتماعيا وسياسيا. إن مشروع تفتيت هاتين الدولتين تعود بدايته إلى جون بولتون في 6 أيار 2002 عندما كان يشغل منصب وكيل وزارة الخارجية في ادارة بوش. ويجري تنفيذ هذا المشروع على يد إدارة أوباما بعد تسع سنوات من ذلك التاريخ- في سياق الصحوة العربية – ولكنه تنفيذ لا يخلو من مشاكل.

وكما هي الحال في ليبيا، فقد كانت تهدف الخطة الأصلية إلى إحداث انقلاب عسكري، ولكن سرعان ما ثبت أن ذلك المستحيل نظرا لعدم استعداد ضباط الجيش السوري لذلك الانقلاب. ووفقا لمصادرنا، فإن ثمة خطة أخرى مماثلة متوخاة في لبنان. أما في ليبيا، فقد تسرب خبر المؤامرة وقام العقيد القذافي باعتقال العقيد عبد الله جيهاني [1]. وعلى أية حال، فقد كان لا بد من النظر في الخطة الأولية في ضوء سيناريو "الربيع العربي" غير المتوقع.

العمل العسكري

كانت الفكرة المحورية هي اثارة القلاقل في منطقة محصورة ومن ثم إعلان تأسيس الإمارة الإسلامية التي ستكون بمثابة منصة لتقطيع أوصال البلاد. ويمكن تفسير اختيار منطقة درعا بالنظر إلى قربها من الحدود الاردنية مرتفعات الجولان المحتلة من إسرائيل. هذا من شأنه أن يجعل من السهل التخطيط لتحويل الإمدادات إلى الانفصاليين.

وقد جرى افتعال حادث ثم أشرك فيه طلاب شاركوا في الاستفزازات. وقد نجحت الخطة نجاحا خارج كل التوقعات وكان السبب هو إخفاق محافظ درعا وقائد شرطتها في التعاطي مع الحادث بنباهة. وعندما بدأت المظاهرات، جرى وضع قناصة على أسطح المباني لاطلاق النار بشكل عشوائي على الحشد وعلى قوات الشرطة أيضا. وقد اعتمدت العملية نفسها في بنغازي لإذكاء نار التمرد.

كما جرى التخطيط لاشتباكات أخرى، ثم جرى التركيز على أن تكون الأحداث في منطقة الحدود لتأمين قاعدة دعم، وكانت قاعدة الدعم أولا في شمال لبنان، ثم على الحدود مع تركيا.

و كانت المناوشات التي قادتها مجموعات صغيرة من الكوماندوس، تتألف في معظمها مما لا يزيد عن أربعين رجلا ، يدخل في كل مجموعة أفراد مجندون مع مع مشرفين أجانب من المرتزقة الذين ينتمون إلى شبكة الامير السعودي بندر بن سلطان. وقد سافر بندر الى الاردن حيث كان يشرف على انطلاق العمليات، جنبا إلى جنب مع مسؤولين في وكالة المخابرات المركزية والموساد.

ولكن سوريا ليست ليبيا وكانت النتيجة عكسية. والحقيقة، أنه في الوقت الذي تعد ليبيا دولة أنشأتها القوى الاستعمارية التي وحدت طرابلس، وبرقة وفزان بالقوة، فإن سوريا بلد تاريخي قامت نفس تلك القوى الاستعمارية باختزاله إلى أبسط شكل. لذا، فإنه في الوقت الذي نرى ليبيا تقع تلقائيا تحت رحمة القوى النابذة، فإن سوريا تجذب قوى جاذبة إلى مركزها وهي قوى عازمة على إعادة بناء سوريا الكبرى (التي تضم الأردن وفلسطين المحتلة ولبنان وقبرص وجزء من العراق). كما أن سكان سورية اليوم ليس أمامهم سوى رفض أي خطة تهدف إلى تقسيم البلاد.

كما يمكن أيضا إجراء مقارنة بين سلطة العقيد القذافي وسلطة حافظ الأسد (والد بشار). فكلاهما وصل سلطة الرئاسة في الفترة نفسها وتمكن من السيطرة باعتماد القبضة الحديدية. أما بشار الأسد، فهو على العكس من الاثنين ، لم يستول على السلطة كما أنه لم يكن يتوقع أن أسرته وحده ث السلطة. لكنه قبل بشغل منصب الرئيس عندما توفي والده وكان أخوه الأكبر قد توفي في حادث وكذلك لأن ميراث أسرته وحده الذي كان يمكن أن يضع حدا للصراع على السلطة بين الجنرالات في عهد والده.

على الرغم من أن الجيش كان هو الذي ذهب للبحث عنه في لندن، حيث كان يمارس مهنته في هدوء كطبيب عيون، وإن شعبه هو الذي توسم به الخير لقيادة البلاد. انه بلا شك الزعيم السياسي الأكثر شعبية في الشرق الأوسط. وحتى إلى ما قبل شهرين من الآن، كان الوحيد الذي يتحرك في جميع أرجاء البلاد دون حراس مسلحين، ويشعر بالراحة وهو بين الحشود.

كانت العملية العسكرية تهدف الى زعزعة استقرار سوريا وكانت الحملة الدعائية التي رافقتها قد دبرت من ائتلاف دول في إطار تنسيق الولايات المتحدة، تماما بالطريقة نفسها التي تنسق بها دول الناتو الدول الأعضاء في الحلف أو غير الأعضاء فيه من أجل قصف ليبيا. وكما هو مبين في أعلاه، فإن القوات المرتزقة جرى تأمينها بمباركة من الأمير بندر بن سلطان، الذي اضطر الى طرق أبواب عدة، بما فيها باكستان وماليزيا، سعيا وراء تعزيز جيشه الشخصي المنتشر في المنامة وطرابلس. ويمكننا على سبيل المثال أن نصب وتركيب مركز الاتصالات الإعلانية المخصصة في مقر وزارة الاتصالات في لبنان.

وبعيدا عن موضوعة إثارة السكان ضد "النظام"، فقد تسبب حمام الدم هذا إلى إذكاء الحس الوطني والتعاضد مع الرئيس بشار الأسد. وإذ إدراك السوريون احتمال ان يجروا الى خوض حرب أهلية حسب ما هو مخطط، فقد عزموا على الوقوف كتفا إلى كتف لمنع وقوعها. لقد وصل العدد الإجمالي لمظاهرات الاحتجاج المناهضة للحكومة بين (150-200) ألف شخص من أصل السكان البالغ عددهم 22 مليون نسمة. وعلى النقيض من ذلك، احتشدت الحشود الموالية للحكومة ومحبي بلدهم في تجمعات مؤيدة لم يسبق لها مثيل من قبل.

وكان رد فعل السلطات هادئا في مواجهة مثل هذه الأحداث. وأخيرا سن الرئيس الإصلاحات التي كان على جدول أعماله لمدة طويلة، ولكن ما واجهته غالبية السكان وقاوموه هو أي احتمال لتغريب المجتمع. وحرصا منه على أن لا يقع في المحظور، احتضن حزب البعث نظام التعددية الحزبية. ولم يشن الجيش حملة على المتظاهرين- وهو خلاف ما أوردته ما وسائل الاعلام الغربية والسعودية- ولكنه كبح جماح الجماعات المسلحة. ومما يؤسف له فشلت كبار الضباط العسكريين، ومعظمهم من الذين تدربوا في الاتحاد السوفيتي، في ضبط النفس تجاه أي من المدنيين الذين كانوا وقعوا في وسطهم.

الحرب الاقتصادية

في تلك المرحلة، كانت الاستراتيجية الغربية- السعودية تحتاج إلى تنقيح. وإذ إدراكت واشنطن أن العمل العسكري سيقصر في اغراق البلاد في الفوضى على المدى القريب، قررت تقويض المجتمع السوري في المدى المتوسط. وكان الأساس المنطقي لذلك هو أن سياسات حكومة الأسد كانت على الدوام تدفع باتجاه تشكيل طبقة وسطى (الدعامة الحقيقية للديمقراطية)، وأن من غير الممكن تحويل هذه الطبقة ضده. وفي مثل هذه الحالة، فلا بد من رسم مخطط دقيق لإحداث انهيار اقتصادي في البلاد.

والآن، فإن المورد الرئيس لسوريا هو النفط، حتى لو لم يكن انتاجها قابلا من حيث الحجم للمقارنة مع إنتاج دول جوارها الأغنياء. ولكي تتمكن سوريا من تسويق النفط ، فلا بد لها ان تمتلك أصولا مصرفية مودعة في البنوك الغربية لتكون بمثابة ضمانة خلال فترة المعاملات. وهنا يمكن أن يكون تجميد تلك الأصول المصرفية كافيا لدفع البلاد نحو الهاوية. وبالتالي، جاءت ذريعة نفعية النظام وتشويه صورته أمام الرأي العام الغربي وقولبته لقبول فرض "عقوبات ضد النظام".

من حيث المبدأ، فإن تجميد الأصول يتطلب استصدار قرار من مجلس الامن الدولي، الذي يبدو إشكاليا. فالصين، مثلا، قد لا تكون في وضع يمكنها من الاعتراض على قرار كهذا طالما أنه قد جرى ابتزازها للتخلي عن حق الفيتو في السياق الليبي تحت تهديد تجريدها من القدرة على الوصول إلى النفط السعودي. ولكن روسيا يمكنها نقض القرار، فهي بدون هذا النقض قد تفقد قاعدتها البحرية في البحر الأبيض المتوسط ويبقيها حبيسة البحر الأسود خلف الدردنيل. وقد حاولت وزارة الدفاع الامريكية بالفعل تخويف روسيا بنشر طراد الصواريخ الموجهة، مونتيري يو اس ا ، في البحر الأسود لتأكيد عقم طموحات روسيا البحرية.

ليكن الأمر كما يكون، فإن إدارة أوباما قد تقرر احياء قانون العام 2003 الذي يقضي بمحاسبة سوريا وبالتالي فإن ذلك سيسمح لتلك الادارة تجميد الأصول السورية بمعزل عن قرار من الامم المتحدة أو موافقة الكونغرس. وقد أظهر التاريخ القريب، وخصوصا فيما يتعلق بكوبا وايران، ان واشنطن يمكنها بسهولة إقناع شركائها الأوروبيين لتأييد فرض عقوبات لتقوم بتطبيقها هي من جانب واحد.

وعليه، فقد جرى تحويل حرب الأوراق المالية حاليا من ميدان المعركة إلى وسائل الإعلام. وسوف يسمح للرأي العام بأن يجري سحب الصوف أمام أعينه لتغض النظر عن سوريا وتقوي إيمانه الأعمى بالتقانات الجديدة.

الحرب الإعلامية

في البداية، ركزت الحملة الدعائية انتباه الرأي العام على جرائم زعم أن "النظام" ارتكبها وذلك لتجنب أي أسئلة تتعلق بطبيعة المعارضة الجديدة. والواقع، أن هذه الجماعات المسلحة لا يكاد يربطها قاسم مشترك مع المنشقين فكريا الذين صاغوا إعلان دمشق. فهؤلاء خرجوا من الدوائر الدينية المتطرفة السنية. وهؤلاء المتعصبون يتنصلون عن التعددية الدينية في بلاد الشام ويتوقون إلى اقامة دولة على صورتهم وشكلهم. إنهم لا يتحدون الرئيس بشار الأسد أو يصفونه بالاستبدادي ، ولكنهم يتحدونه لأنه علوي، وهذا في عرفهم كفر.

ومنذ ذلك الحين، استندت الدعاية المناهضة للرئيس بشار الأسد على قلب الحقائق وتزييف الواقع.

وكمثال شيق على ذلك، قضية تدوينة " الفتاة المثلية في دمشق"، التي أنشئت في 21 فبراير 2011. وأصبح الموقع الذي تحرره باللغة الإنجليزية أمينة 25 عاما، مرجعا لوسائل الإعلام الغربية. وتصف الكاتبة فيه محنة فتاة مثلية تحت ديكتاتورية الرئيس بشار الأسد وتكشف يوما بعد يوم عن القمع الرهيب للثورة . وبوصفها امرأة مثلية، فقد نالت تعاطفا وقايا لها من متصفحي الشبكة العنكبوتية الذين سرعان ما جندوا أنفسهم للدفاع عنها عندما اعتقلها "النظام".

ومع ذلك، كانت أمينة على غرار ما حدث قصة أغرب من الخيال. فبعد تتبع مقسم الانترنيت الخاص بالتدوينة، تبين أن مؤلف المدونة ومحررها، "طالب" أمريكي يبلغ من العمر أربعين سنة وأنه هو المؤلف الحقيقي لهذه المهزلة. إن هذا الدعائي، الذي زعم بأن يعد لنيل الدكتوراه في اسكتلندا، قد شارك مؤخرا في مؤتمر المعارضة الموالية للغرب الذي عقد في تركيا، داعيا لتدخل حلف شمال الأطلسي. ومن الواضح تماما هنا أنه انه لم يحضر بصفته طالبا [2].

إن ما يثير الدهشة بحق ليس سذاجة الكم الكبير من متصفحي الإنترنت الذين ابتلعوا الأكاذيب حول "أمينة" الوهمية ، وإنما هو سيل المدافعين عن الحرية في دعم هؤلاء الذين يدوسون هذه الحريات نفسها. العلمانية في سوريا، والحياة الخاصة أمر مقدس والشذوذ الجنسي بالرغم من تحريم النصوص له فهو غير مكبوح. قد يسبب الضيق داخل الأسرة، ولكن ليس في المجتمع. من ناحية أخرى، فإن أولئك الذين أيدناهم عبر وسائل الإعلام بوصفهم ثوريين، واعتبرها من هم دونهم معادين للثوار، هم من الذين يحملون مرض رهاب المثلية. فهم يفكرون حتى في العقاب البدني، أو في بعض الحالات، بعقوبة الإعدام جزاء لتلك "الرذيلة".

إن تزييف الواقع هو مبدأ يجري تطبيقه على نطاق واسع. قد نذكر تقارير الأمم المتحدة بشأن الأزمة الإنسانية في ليبيا الذي يزعم أن عشرات الآلاف من العمال المهاجرين كانوا يفرون من البلاد هربا من العنف. وكان الاستنتاج الذي توصلت له وبثته وسائل الاعلام الغربية ان "النظام" القذافي كان لا بد أن يطاح به لصالح متمردي بنغازي. ومع ذلك، لم تكن الحكومة في طرابلس مسؤولة عن هذه المأساة ، ولكن ما يسمى بالثوار في برقة هم المسؤولون عن مطاردة أفارقة سود. وقد اتهموهم بعد أن تغذوا على ايديولوجية عنصرية بانهم في خدمة العقيد القذافي ثم أعدموا كل من كان يقع من هؤلاء بين أيديهم.

في سوريا، جرى بث صور للجماعات المسلحة التي تطفو على أسطح المنازل وتطلق النار عشوائيا على الحشود أو على قوات الشرطة على شبكات التلفزيون الوطنية. ومع ذلك، فقد نقلت هذه الصور واستخدمتها القنوات التلفزيونية الغربية والسعودية لربط هذه الجرائم بحكومة دمشق.

في نهاية النهار، لم تعد خطة زعزعة الاستقرار في سورية صالحة.قد تكون نجحت في إقناع الرأي العام بأن البلاد في قبضة ديكتاتورية وحشية، ولكنها أيضا رصّت الغالبية العظمى من السكان السوريين بحزم وراء حكومتهم. وفي نهاية المطاف، فإن الخطة جاءت بنتائج عكسية على أولئك الذين خططوا لها، لا سيما في تل أبيب. ففي الفترة من يناير إلى فبراير 2011 شهدنا موجة ثورية في العالم العربي، ثم تلتها في ابريل ومايو موجة معادية للثورة. وما يزال البندول يتأرجح .

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل