المحتوى الرئيسى

د. أشرف الصباغ يكتب :المعارضة السورية في الخارج والمصير الليبي

06/27 19:25

   لا شك أن شباب ليبيا بدأ ثورة طبيعية جدا مثلما بدأها الشباب في كل من مصر وتونس . في الأخيرتين انضم الشعب فورا إلى الشباب ، وبقيت المعارضة خارج الحلقة لكل الأسباب التي نعرفها ، وتعرفها تلك المعارضة أيضا . لم تكن هناك شبهات في نشاطات ما لمعارضة خارجية بالنسبة لمصر . وتحدث البعض عن معارضة خارجية بالنسبة لتونس . ولكن اتضح أن لا معارضة خارجية في الحالة التونسية ، سوى السيد راشد الغنوشي الذي عاد من بريطانيا في نهاية يناير 2011 .

   الحالة اليمنية تثبت يوميا مدى عظمتها وأهميتها وقيمتها التاريخية . نظام على صالح يحاول ضرب الثورة في سلميتها ، ويسعى لتشويه الثورة طائفيا وقبليا . ولكن لسوء حظه فالشعب اليمني يتجاوز على صالح ونظامه يوميا .

  الحالة الليبية أكثر تعقيدا . فقد بدأت كما قلنا بشكل طبيعي للغاية . ولكن بمجرد أن تشكل المجلس الوطني الانتقالي وبدأت معارضة الخارج (من واشنطن ولندن) نشاطاتها  "الخلاقة!" حتى توارى شباب الثورة إلى الصفوف ما بعد الأخيرة . في البداية قالت المعارضة الليبية الخارجية ومن ورائها المجلس الانتقالي أن القذافي مجرم ولن يتورع عن إبادة الشعب الليبي عن بكرة أبيه في سبيل الاحتفاظ بالسلطة لنفسه ولأبنائه . وكان ذلك عبارة عن مقدمة لطلب "الدعم الدولي".  لم يستمع أحد من المعارضة الخارجية أو المجلس الانتقالي للتحذيرات التي تم إطلاقها بشأن "الدعم الخارجي" أو "المساندة الدولية" .  ولم يرد أحد منهم على وجود ضمانات محددة بعدم التدخل العسكري .  لن أتحدث هنا عما رأيته في بنغازي طوال أكثر من شهر .  ولن أتحدث الآن عن حالات التزوير الإعلامي وإبعاد الوفود الطبية (من راس لانوف مثلا) من أجل البكاء فيما بعد لعدم كفاية الكوادر والمواد الطبية. رأيت أيضا كيف يطلب بعض الإعلاميين من الشباب تمثيل مشاهد معينة أمام الكاميرات سواء بشكل مباشر أو للتسجيل من أجل البث فيما بعد. ورأيت انفجارات مستودعات الذخيرة على أطراف بنغازي بسبب سقوط قذيفة من يد أحد الشباب، بينما أصرت بعض وسائل الإعلام على أن مقاتلتين من السلاح الجوي التابع للقذافي قامتا بقصف مستودعات الذخيرة .

   أمثلة كثيرة لا تعد ولا تحصى . ومع ذلك لا ينكر أحد أن نظام معمر القذافي الديكتاتوري المستبد والمتخلف أيضا بكل ما تعنيه الكلمة من معاني ارتكب مجازر بحق الشباب الليبي وبالتحديد قبل الإعلان عن تشكيل المجلس الانتقالي ودخول المعارضة الخارجية على الخط . المعارضة الليبية في الخارج بذلت جهودا مضنية لتبرير إلحاحها على طلب المساعدة، ثم الدعم ،  ثم فرض غطاء جوي ، ثم مساعدتها جويا للإطاحة بالقذافي ، ثم الإطاحة بالقذافي . بعض أقطاب هذه المعارضة كان يزور بنغازي سرا في الفترة من 5 إلى 25 مارس .  ووصلت أنباء عن خلافات شديدة الوطأة بين المعارضة الخارجية والمجلس الانتقالي .  فالأولى ترى أن المجلس غير جاهز ولا قادر على حكم ليبيا في القرن الحادي والعشرين . والمجلس يرى أنه الأحق بحكم ليبيا لأنه عاش أهوال نظام القذافي .

   ليبيا الآن بين مطرقة حلف الناتو وسندان الاستبداد والإجرام القذافي .  ولا يظهر في الأفق أي موعد لخروج قوات الناتو من ليبيا التي قد يطلق عليها فيما بعد قوات التحالف لتطوير ليبيا ما بعد رحيل الطاغية . إن انتقاد تآمر المعارضة الليبية الخارجية والمجلس الانتقالي على الثورة الليبية وتحويل الصراع بين القذافي والتحالف الغربي لا يعني إطلاقا أننا نبرئ القذافي وأبنائه من دماء الشباب الليبي الذي بدأ الثورة واختطفتها منه المعارضة الخارجية والمجلس الانتقالي ليسلموها فاقدة الروح إلى التحالف "الناتوي" . إن ما يحدث في ليبيا لا يختلف كثيرا عما حدث في العراق سواء أثناء وجود الطاغية صدام حسين أو بعد إعدامه . وإذا كان البعض يصور أن هناك خلافات بين العصابة (المعارضة العراقية الخارجية) الحالية في العراق وبين من أتوا بها للحكم، فهذه الخلافات طبيعية وشكلية لا تفسد للود قضية . ألم تصل الخلافات بين بن لادن والولايات المتحدة إلى ذروتها بين كانت واشنطن تستخدم كل عملية من عملياته لضرب واحتلال وقمع من تشاء وما تشاء؟

  الحالة السورية تكاد تنعطف نحو الحالة الليبية . لقد نجح الشعب السوري إلى الآن في المحافظة على سلمية الثورة وعلى الوحدة الوطنية في سوريا . وفي المقابل فشل النظام الفاشي في سوريا في كل مساعية لبث الفتنة الطائفية والعرقية أو إجبار الشعب السوري على حمل السلاح . وعن طريق دماء الأطفال وتعذيبهم وقطع أعضائهم التناسلية وتشويه وجوههم يسطر النظام السوري الحروف الأخيرة في نهايته الأليمة .

   البعض يطالب المعارضة السورية في الخارج بدور من أجل إظهار معاناة الشعب السوري المحاصر إعلاميا وأمنيا ومعيشيا . ومن أجل إنقاذ زعماء وأعضاء المعارضة في الداخل الذين يعانون الأمرين . ولكن ألا يدري هذا البعض أن المعارضة السورية في الخارج بدأت بالفعل تتحرك في دول عديدة لطلب "المساعدة" ثم "الدعم"؟! لقد التقيت بعض أفراد المعارضة السورية الخارجية (من واشنطن) . قالوا إنهم لا يملكون أي ضمانات في ألا يتحول الدعم الدولي إلى تدخل عسكري في سوريا . قالوا أيضا إن الثورة السورية بلا قيادات وليس لدى الشباب الخبرة الكافية لصياغة مطالبهم وبلورة أفكارهم ونظالهم . المعارضة الخارجية السورية (واشنطن وباريس) ترى أنها القادرة على خوض المعركة مع النظام السوري تحت غطاء وبدعم دولي !! ألا يذكرنا ذلك بنفس بدايات ضرب الثورة في ليبيا؟ ألا يذكرنا ذلك بنفس المقدمات التي جاءت بالعصابة الديمقراطية الحالية في العراق؟

   لا أحد يشكك في نضال بعض فصائل المعارضة السورية إبان حكم حافظ الأسد . ولكن الرجل نجح قبل رحيله في استئناس المعارضة بدرجات مختلفة وسلم ابنه بلدا مستئنثا شعبا ومعارضة . هكذا تصور الأسد الراحل والشبل الحالي .  ولكن الشعوب ،  ومع الأسف ، لا تستأنس . هكذا أثبت التونسيون والمصريون واليمنيون ،  وهكذا يؤكد السوريون يوميا . فشلت المعارضة الداخلية في تونس ومصر في القفز على الثورة . بل وكشفت آخر ورقة توت عن عوراتها الكثيرة عندما حاولت اللعب مع بقايا الأنظمة . المعارضة الليبية في الخارج كانت تنتظر اللحظة، فقفزت لتحقق معادلة في غاية الصعوبة والتعقيد .  المعارضة السورية في الخارج بدأت تسير على نفس الطريق لإفساد الثورة السورية وتحويلها إلى صراع بين نظام الأسد الفاشي والدول الغربية ومن ثم إجهاض الثورة تماما وتسليمها جاهزة إلى الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا وبقية "الجوقة" . المعارضة السورية في الخارج تطرح نفس الحجج التي طرحتها من قبل المعارضة الليبية في الخارج من أجل تسويق المشروع . وبعد ذلك سيغسل كل فرد يده محملا نظام بشار الأسد المسؤولية عن قصف سوريا أو تشريد نصف شعبها وتحويل النصف الثاني إلى معاقين . سيغسلون أيديهم جميعا قبل أن يجلسوا ليقتسموا الكعكة المخضبة بدماء شهداء الثورة السورية التي لم تكتمل بسبب تهافت المعارضة الخارجية ورغبة بعض أطراف المعارضة الداخلية في الحصول على أي شيء بأثر رجعي .

  دعوا الشعب السوري يكمل ثورته ويتحمل مسؤولية اختياره ويحدد مستقبله المشرق بعد التخلص من نظام البعث الفاشي . لا تفرضوا وصايتكم عليه باسم عدم النضوج وقلة الخبرة وغياب القيادة. بالمناسبة، أين كنتم عندما هب الشعب السوري ضد الطاغية؟!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل