المحتوى الرئيسى

مجد خلف تكتب: وقفوهم إنهم مسئولون!!

06/27 15:30

اعتدنا قبل ثورة مصر المبروكة أينما ذهبنا وتجولنا فى شوارع مصر؛ راجلين أو راكبين؛ على مرأى الظاهرة العجيبة التى لا تٌرى إلا فى مصر وما شابهها من الدول العربية التى تشترك معها فى صفاتها المستفزة، هذه الظاهرة هى مواكب المسئولين، وبخاصة على محور 26 يوليو وطريق الإسكندرية الصحراوى فكل مسئول اتخذ لنفسه طاقما للحراسة، يركبون السيارات السوداء، ويحمل كل منهم مسدسا أو مدفعا وجهاز لاسلكى، وعندما يمر الموكب فى المحور؛ سبحان الله؛ نجد الطريق سالكا له، طبعا بمجهود الضباط وأفراد الحراسة وقدرتهم على إبعاد السائقين بحركاتهم المفاجئة عبر نوافذ السيارات، وصوت سارينة الموتوسيكل الذى يقود الركب، وتـُوقـّف السيارات النازلة من الدائرى إلى المحور حتى لا تتسبب فى تعطيل موكب المسئول، وبعد أن يمر الموكب المهول يعود زحام الطريق كما كان، وهذا لا يحدث بالطبع مع عربات الإسعاف التى يعانى سائقوها الأمرّين فى محاولة إقناع السائقين لإفساح الطريق رأفة بالمريض المحمول داخلها! والذى قد يموت قبل وصوله إلى المستشفى!.

وإذا استجيبت دعوات الأهل والأحباب، وكتب الله لك زيارة الساحل الشمالى أو العين السخنة أو شواطئ فايد وأبى سلطان أو الغردقة؛ ستصدمك العِـبارة المعهودة: هذه فيلات المسئولين، وفى القطامية والتجمع الخامس والقاهرة الجديدة والشيخ زايد والمنتجعات الرائعة على طريق الإسكندرية؛ هذه قصور المسئولين وأراضى المسئولين، وفى المطار يدخل الناس ويخرجون من البوابات العادية، أما صالة كبار الزوار فهى مخصصة لمرور المسئولين، وفى إدارات المرور هناك طريقة للتعامل مع المواطنين، وطريقة أخرى للتعامل مع سيارات ومخالفات المسئولين، حتى فى المرض؛ كان هناك علاج للناس العاديين، وعلاج على نفقة الدولة للمسئولين، غالبا ما يكون فى الخارج بالدولار واليورو، وفى المدارس والجامعات والمعاهد، الفرق واضح بين تعليم العامة وتعليم الخاصة من أبناء المسؤولين..

(مسئول) هو اسم مفعول من (سأل)، سأل سائل مسئول، وواضح أن المسئول هو من يسأله الآخرون؛ لا أن يسائلوه أى يحاسبوه، فمن الذى يسأل المسئولين؟ وفيم يسألهم؟ وهل هو سؤال الاستفسار والاستيضاح أم سؤال الحاجة والمتاع؟

لقد ورد (السؤال) فى القرآن الكريم أكثر من مائة مرة، منها مرات بمعنى سؤال المحاسبة يوم القيامة، كقوله تعالى: (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ) – الحجر 92، وأخرى بمعنى طلب المساعدة أو الأجر، كقوله تعالى: (وَمَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِنْ أَجْرِى إِلَّا عَلَى رَبِّ الْعَالَمِينَ)– الشعراء 109، ومرات للدلالة على طلب المعونة فى أحوال الحاجة والحرمان، كقوله تعالى: (وَفِى أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ) – الذاريات 19، أو السؤال عما غمض على الناس واستيضاح أمرٍ ما، كسؤال الناس عن الخالق أو موعد الساعة أو الرُوح أو الأقدمين، كقوله تعالى: (يَسْأَلُونَكَ عَنِ السَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَاهَا) – الأعراف 187، وآيات أخرى عديدة ورد فيها سأل ويَسأل ويُسأل ومسئولا ومسئولون ويَسألون ويُسألون.

فلأى هذه المعانى للمسئول ينتمى مسئولونا؟ حاليين وسابقين؟ هل نعتبرهم مسئولون بمعنى أن الناس يسألونهم حاجاتهم؟ أم هم يسألون من قِبَل البرلمان؟ أم إنهم المسئولون يوم القيامة عما عملوا؟ أو إنهم الذين ينطبق عليهم قول عمر بن الخطاب: (كلكم راع، وكلكم مسئول عن رعيته، أظن أن مسئولينا يعتقدون أنهم ينتمون إلى المعنى الأول، أنهم فوق الناس يستمتعون بسؤالهم ورجائهم، فالعديد منهم لا يفكرون أساسا فى يوم القيامة ، فضلا عن أن يتذكروا أنهم سيُسألون عما قدّموا فى حياتهم، وإلا.. فخبرونى عن مسئولٍ لا يمشى فى موكب تنخلع له قلوب السائقين على المحور، مما يترتب عليه تعطيل مصالح من يرعاهم، وليذهب الرعايا مع أوقاتهم إلى الجحيم، وينال المسئول قسطا وافيا من الدعاء عليه، برغم أن معظم الناس لا يميزون وجهه ولا يتعرفون عليه إن سار وحيداً فى الزحام، ولا يعرفون إلا أنه (مسئولٌ سَـئيل) فى الموكب المسلح!

وأعتقد موقنة أن الظـالمين من مسئولينا السابقين فى مصر والحاليين فى بقية الدول العربية الذين خـُصصت لهم القصور والمنتجعات، والأراضى والمواكب، والمداخل والمخارج والمعاملات؛ هم من قال فيهم الله تبارك وتعالى: (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ )– الصافات 24، سيقفون الموقف العظيم أمام الله تبارك وتعالى يوم القيامة، ليجدوا ما عملوا حاضرا أمامهم فى كتاب لا يغادر أيا من أعمالهم أو أقوالهم؛ صغيرة كانت أم كبيرة، ( أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُم مَّبْعُوثُونَ)– المطففين 4.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل