المحتوى الرئيسى

الشعوب العربية الى اين : الديمقراطية ام المجهول بقلم:فارس تركي محمود

06/27 00:34

الشعوب العربية إلى أين : الديمقراطية أم المجهول

فارس تركي محمود / مركز الدراسات الإقليمية / جامعة الموصل

اختلفت الآراء والتوصيفات والتسميات للأحداث والمتغيرات التي تشهدها الكثير من البلدان العربية ، حيث نظر البعض إليها على أنها هياجات شعبية ، في حين اعتبرها آخرون ( خيار شمشون ) ، بينما رأى بها فريق ثالث صحوة الموت ، لكن الغالبية العظمى من المفكرين والمثقفين وحتى الناس البسطاء تعاملوا معها على إنها ثورات شعبية تحررية ستؤدي في النهاية إلى إنتاج مجتمعات ديمقراطية ليبرالية تتمتع بالحرية وتنعم بجنة حقوق الإنسان . وقد يقف المرء حائرا أمام تعدد هذه الآراء والرؤى لا يعرف بأيها يؤمن وبأيها يكفر . ولكي يخرج من هذه الحيرة عليه أولا أن يتجاوز السؤال عن ماهية هذه الثورات أو التحركات لأنه سؤال سابق لأوانه ، حيث أن هذه الماهية ستحددها النتائج التي ستتمخض عنها تلك الثورات ، إذا متى ما عرفنا أو استشرفنا نتائجها تمكنا من الحكم عليها حكما صحيحا . وابتداءً نقول أن نتائج هذه الثورات سوف لن تخرج بأي حال من الأحوال عن خيارين أو فرضيتين لا ثالث لهما : مجتمعات ديمقراطية قوية عادلة ومتحررة وهذا هو الخيار الأول ، أما الخيار الثاني فهو المجهول ( حروب أهلية ، صراعات دينية طائفية عرقية ، مجتمعات قمعية دكتاتورية ، تقسيم الأوطان ، العودة إلى مرحلة ما قبل الدولة . . . .الخ ) .

إذا فان أمام الشعوب العربية الغاضبة والمهتاجة خياران فإما الديمقراطية وإما المجهول ، ولنترك الآن المجهول جانبا ولنتكلم عن الديمقراطية وننظر في مواصفاتها واشتراطاتها وما تتطلبه ، وهل تتوفر في المجتمعات العربية هذه المواصفات والاشتراطات ؟ ولكي لا نذهب بعيدا في التحليل والتنظير ولا نزيد الموضوع غموضا وارتباكا سنطرح على القارئ بعض الأسئلة التي سيجيب عليها بنعم أو لا وفي ضوء إجابته سيكتشف إلى أين نحن ماضون أإلى جنة الديمقراطية أم إلى جحيم المجهول ؟

فمن البديهي أن إقامة المجتمع الديمقراطي يتطلب وجود أناس ومواطنون ديمقراطيون حقيقةً وليس تكلفاً . فهل أنت أيها المواطن العربي ديمقراطيا ؟ وقبل أن تتسرع بالإجابة وجه لنفسك هذه الأسئلة واجب بصراحة : أيها الرجل العربي هل أنت ديمقراطيا مع زوجتك وأختك وابنتك بحيث ترضى لهن ما ترضاه لنفسك وعلى كافة الأصعدة !؟ .أم تسيطر عليك نظرية أنا الذكر وافعل ما أشاء ؟ . أيها الأب العربي والأم العربية هل انتم ديمقراطيون في تربية ابنائكم ، أم تستخدمون معهم طريقة التخويف والترهيب والضرب ؟ وهل تساوون في المعاملة مساواة تامة بين الولد والبنت ؟ أيها المدير ، والوزير ، والمسئول العربي بشكل عام صغيرا كنت أم كبيرا هل أنت ديمقراطي مع موظفيك ومرؤوسيك ومن هم في معيتك أم أنت دكتاتور صغير تتمنى أن تكبر ؟ أيها العرب بشكل عام هل انتم ديمقراطيون في تعاملكم مع بعضكم البعض : في الشارع ، في الأسواق ، في محل العمل ، في أماكن اللهو البريء وغير البريء ، في أماكن العبادة . . . .الخ

ومن البديهي أيضا أن المجتمع الديمقراطي لا بد أن يكون بالضرورة مجتمعا حرا لان الحرية أساس الديمقراطية وضمانتها الكبرى وبدونها تصبح الديمقراطية حديث خرافة . فهل أنت أيها الإنسان العربي حر فيما تفكر وتكتب وتنشر وتقرأ وتلبس ، وتأكل وتعيش حياتك بالشكل الذي يعجبك ، بدون أية محددات أو خطوط حمر سواء كانت سياسية أو اجتماعية أو دينية ؟ وهل تتقبل عن طيب خاطر أن يمارس غيرك هذه الحريات ولأقصى مدياتها ؟ . وهل أنت حر عندما تقترع – إذا قدر لك أن تقترع – بدون أن تتأثر بضغوط ومؤثرات دينية أو عرقية أو عائلية؟. ومن متطلبات الديمقراطية أيضا القبول بالآخر – الديني أو القومي أو المذهبي أو السياسي – قبولا حقيقيا يرى في الآخر مواطن من الدرجة الأولى ، وشريك في الوطن يتمتع بكافة الحقوق وبدون أي استثناءات . فهل ترى أيها المواطن العربي في الآخر شريكا حقيقيا في الوطن ومواطن من الدرجة الأولى ؟ أم تتعامل معه على انه واقع ثقيل على النفس وتتمنى لو انه لم يكن له وجود ، وان على هذا الآخر أن يتكيف ليظهر بالصورة والكيفية التي تعتقد أنت بصحتها؟ . والديمقراطية يا سادتي الكرام تتطلب وجود دولة ومجتمع المؤسسات وليس دولة الأسر والعوائل والقبائل والانتماءات العرقية والطائفية . فهل ترى أيها المواطن أن مجتمعاتنا ودولنا مُمأسسة ، أو على الأقل هل تمتلك إمكانيات ومتطلبات التمأسس ؟ . والمجتمعات الديمقراطية مجتمعات منتجة وقوية اقتصاديا ، وتتمتع بالاكتفاء الذاتي ، ولا تعتمد على الآخرين في غذائها وشرابها ، وفي جميع احتياجاتها الأساسية والكمالية . فهل مجتمعاتنا قوية ومنتجة ومكتفية أم إنها ضعيفة ومستهلِكة وتعتمد على الأمم الأخرى في كل شيء تقريبا حتى الشماغ والعقال !؟ .

ومن اجل تحقيق ديمقراطية حقيقية ومرتكزة على أسس قوية – وليست ديمقراطية الصراخ وتبادل الشتائم والضحك على الذقون - لا بد من وجود مجتمع مبني على نظام الخصخصة الاقتصادي ، لان الديمقراطية هي الوجه السياسي للنظام الرأسمالي ، وهي إحدى تجليات ومنتجات الرأسمالية الاقتصادية . ولا يمكن أن ينتجها مجتمع كل أبنائه إما موظفين حكوميين أو يحلمون بالوظيفة الحكومية . لان من لا يستطيع أن يحقق الاستقلال الاقتصادي لا يمكن أن يكون مستقل سياسيا وحر في رأيه ، والحرية والاستقلال السياسي من أهم متطلبات الديمقراطية . فهل تمتلك مجتمعاتنا قطاعا خاصا قويا ومؤثرا ، وهل أنت أيها المواطن العربي مستقل اقتصاديا وسياسيا وحر في رأيك ؟ أم تنتخب من يعدك بوظيفة أو منصب ويقدم لك إغراءات مختلفة ؟ . والديمقراطية منتج عقلي أنتجها وطورها ونظمها العقل البشري ، وتحتاج إلى مجتمع عقلاني يستطيع هضمها والاستفادة من ثمراتها . ترى ما هي مساحة العقل والعقلانية في حياتنا ومجتمعاتنا اجتماعيا واقتصاديا وسياسيا . . . . الخ ؟ .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل