المحتوى الرئيسى

تضليل الناس

06/27 08:16

عندما أنشأ الرئيس السادات مجلس الشورى، فى عام 1980، جعله مالكاً لصحافة الدولة، وأطلق على الصحافة عموماً مسمى جديداً، هو «السلطة الرابعة».. ومن يومها أصبح عندنا أربع سلطات: التنفيذية، والتشريعية، والقضائية.. ثم سلطة الصحافة!

ولا أحد يعرف، إلى الآن، ما الذى بالضبط كان يدور فى ذهن السادات، حين خطا هذه الخطوة، بالنسبة للصحافة، ولكن الظاهر لنا، منذ ذلك التاريخ إلى اليوم، أنه كان يريد أن يكرمها، وأن يضيف إليها، وأن يعظم من دورها، وأن يعطيها مساحة أكبر فى مجتمعها!.. فهل حدث هذا؟!

الحقيقة أن أى متابع لما تنشره الصحافة إجمالاً، هذه الأيام، سوف يكتشف أن السادات لو كان حياً بيننا، فإنه كان عليه أن يراجع نفسه، فيما فكر فيه وقرره، لأن الصحافة ليست «سلطة» رابعة، أو خامسة، أو حتى عاشرة، وإنما هى «مسؤولية» فى الأساس!

لماذا؟!.. لأن الدولة أساساً لا سلطة مطلقة لها، وإنما تستمد الدولة، أى دولة، سلطاتها من شعبها الذى يتنازل لها عن سلطاته، فى مقابل أن تقوم بوظائفها فى خدمته، فإذا أخلت الدولة بالقيام بهذه الوظائف، كان من حق الشعب أن يسحب سلطاتها، التى هى سلطاته أصلاً، منها، وأن يعهد بها إلى آخرين يستطيعون القيام بها.. وبالتالى.. فالأفضل أن يقال دائماً «وظائف الدولة».. وليس «سلطات الدولة»!

وبما أن الأمر قد التبس على الدولة، وخلطت بين الوظائف، والسلطات، وراحت تتصرف على أنها فوق الناس، بحكم أن فى يديها سلطات، فإن الأمر نفسه تكرر مع الصحافة، التى تصرفت، منذ قيل عنها إنها سلطة، على أساس أنها فوق الناس، وفوق الحساب، وفوق المساءلة، وصارت كل صحيفة تكتب ما تشاء، عمن تشاء، وهى مطمئنة إلى أنها «سلطة» ولن يسائلها أحد عما تكتبه!

أى متابع لمضمون الصحافة، فى أيامنا هذه، سوف يلاحظ بسهولة، أنه فى أغلبه، مضمون بلا أدنى مسؤولية، وبلا إحساس بالمسؤولية، وإذا كان هناك إحساس لدى هذا المضمون، فهو إحساس بأنه فوق القانون نفسه، بما يكاد يجعل مأساة هذا البلد فى إعلامه، وليس فى أى شىء آخر!

الإحساس بالمسؤولية يجب أن يجعلنا نتكلم عن الإيجابىّ فى حياتنا، حتى ولو كان محدوداً، بمثل ما نتكلم عن السلبىّ فى كل اتجاه، ولكن لا شىء من هذا يحدث أبداً، ولك أن تتحرى ما تكتبه الصحافة عن مسألة الانفلات الأمنى - مثلاً - لترى من خلال ما هو مكتوب أن الحكاية تحولت من الكتابة، بهدف إصلاح الجهاز الأمنى، والحد من الانفلات قدر الإمكان، إلى الكتابة بهدف هدم الجهاز كله، ربما دون أن يدرى الذين يكتبون. ولا فرق هنا طبعاً بين أن يكون الذى يكتب، يدرى، أو لا يدرى بعواقب ما يكتبه لأن النتيجة واحدة!

يجب أن يعاد النظر فى كون الصحافة سلطة، لأن التجربة أثبتت أنها ليست كذلك، ولا يجوز أن تكون سلطة، وإنما هى «مسؤولية» فى المقام الأول والأخير، بما يقتضى منها ألا تتاجر بمتاعب الناس، أو تدغدغ مشاعرهم، أو تضللهم، وهى تزعم أنها تضىء الطريق أمامهم!

عودوا بوظيفة الصحافة إلى أصلها، لأن الحاصل الآن لا هو صحافة، ولا هو وظيفة مفترضة لها، ولا هو دور حقيقى، ولا حاجة أبداً.. بل هو عكس ما هو مفترض على طول الخط!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل