المحتوى الرئيسى

القاعود: مبارك ضرب المعارضة بالعلمانيين

06/26 21:44

فاجأ الناقد الدكتور حلمي محمد القاعود الوسط الثقافي بكتاب جديد عنوانه "العمامة والثقافة" يُوجه فيه سهام نقد لاذعة إلى العلمانيين ويصفهم بـ"الإنجليز السمر" لتبعيتهم للغرب،

ويقول: "إن بعض أبنائنا، ويشير إليهم بـ "الإنجليز السمر" قاموا بدور "الإنجليز الحمر" فى الهجوم على الإسلام والتشكيك فيه وتشويهه, وساعدتهم ظروف شتى, أتاحت لهم الهيمنة على التعليم والإعلام والثقافة والصحافة والاقتصاد, وجعلتهم يشيعون أفكارهم التخريبية تحت مسمى "العلمانية".

الدكتور القاعود من جيل الستينيات، عاش في قريته ولم يغادرها، يؤمن بالتصور الإسلامي عقيدة ومنهجا، كتب الرواية والقصة القصيرة، واشتهر بالنقد الأدبي، والكتابة من منظور إسلامي، له قرابة السبعين كتابا منشورا، حصل على جوائز مجمع اللغة العربية 1968، والمجلس الأعلى للآداب والفنون 1974، ونادي جازان الأدبي 1991، ودرع وزارة الثقافة في مؤتمر أدباء مصر 1998، ودرع الاثنينية في المملكة العربية السعودية 2006، ويعمل الآن أستاذا متفرغا في كلية الآداب- جامعة طنطا.

كتاب "العمامة والثقافة" للدكتور القاعود يثير الجدل ويرمي حجرا كبيرا في بحيرة الثقافة المصرية، ولخطورة القضايا المطروحة فيه واجهنا المؤلف بأسئلتنا في هذا الحوار، والحكم للقارئ وللمثقفين بشتى انتماءاتهم على ما ورد في إجابات الدكتور حلمي القاعود، فإلى نص الحوار:

اقتداء العلمانيين بأتاتورك

* في كتابك الجديد "العمامة والثقافة" وصفت العلمانيين بالإنجليز السمر.. لماذا اخترت هذا الوصف؟

- الإنجليز السمر، وصف سبقني إليه كاتب كبير هو الشهيد سيد قطب رحمه الله، وصف به أولئك الذين تعاملوا مع شعبهم المصري بقسوة وفظاظة وغلظة لا تقل عن قسوة وفظاظة وغلظة الإنجليز، خجلوا من تاريخهم العربي الإسلامي، وصادروا حرية المصريين، وعذبوا وشوّهوا وقتلوا من عارضهم ماديا أو معنويا.. الإنجليز السمر حالة شاذة في تاريخ مصر وحاضرها، ونرجو أن تنتهي في المستقبل، خاصة بعد ثورة يناير العظيمة!

هؤلاء حين يصفون أنفسهم بالعلمانية يخادعون الناس، لأن العلمانية التي يعلنونها استبداد فاشي، وجراءة على الإسلام وحده، لأنهم أعجز أن ينالوا من أي عقيدة أخرى، إنهم يقتدون بالطاغية التركي كمال أتاتورك الذي علق علماء الإسلام على المشانق في ميادين المدن والقرى، وحارب الإسلام وألغي اللغة العربية، وتماهى مع الغرب الاستعماري لدرجة أن استدعى وهو يحتضر سفير بريطانيا الاستعمارية ليخلفه حاكما على دولة الخلافة!، هذه هي العلمانية التي يبشرنا بها أفراد النخب العلمانية ممن أذلوا الوطن وقهروه وهزموه على مدى ستين عاما عجافا!

* الكتاب يتضمن هجوما شديدا على العلمانيين ويرميهم بتهمة معاداة الإسلام في سياق تغريب المجتمع.. ألا ترى أنك غاليت في هذا الاتهام، وأن الكثيرين بريئون من هذه التهمة؟

- من هم البريئون؟ هم الذين لا يعرفون ما هي العلمانية ولا يطبقونها، ولكن الذين ينظّرون لها في بلادنا ويطبقونها هم الذين يحاربون الإسلام بكل جراءة، ولا يجدون فرصة أو مناسبة لتناول الإسلام إلا وانتهزوها لهجاء الإسلام والمسلمين.

يكفي أن بعضهم يسمي الإسلام بالإظلام والظلامية والرجعية والردة والتخلف.. والأرشيف مكتظ بمقولاتهم أو هجائياتهم الظالمة . إذا كان هناك نفر ممن يستحون، فهم أقلية الأقلية الاستثناء التي تثبت العموم والقاعدة.

*ما الأسس التي بنيت عليها اتهاماتك؟

- تستطيع أن تجد كثيرا من أدبياتهم ترفض الإسلام جملة وتفصيلا، إنهم لم يعودوا يتناقشون حول الفروع الإسلامية، ولكنهم تقدموا نحو الثوابت لهدمها كما يتصورون.

هل سمعت عمن قال إن القرآن منتج تاريخي؟ هل قرأت كتابة من زعم أن محمدا –صلى الله عليه وسلم– أنشا الإسلام ليحقق السيادة القرشية؟ هل قرأت لمن يروجون للتنوير بوصفه الوسيلة الناجحة للقضاء على الغيبيات (يقصد الوحي) والخرافة؟ إنهم الآن يحاربون الإسلام علنا وبأسلوب فاجر، ويكفي أنهم يقرنونه دائما بالإرهاب والتطرف، وصار على المسلم أن يعتذر عن إسلامه حتى لو تلفظ بلفظ يشير إلى التعاطف مع الإسلام، وذلك كي يرضى عنه العلمانيون وشركاؤهم!

العلمانيون حاربوا الإسلام بالاستعمار

* ألا ترى أن في كتابك دعوة إلى التفرقة وتقسيم مجتمع المثقفين إلى فئتين، إحداهما تدافع عن الإسلام والأخرى تحاربه؟ أليس ما تدعو إليه يحمل خطورة شديدة؟

- هذا اتهام خطير، ولكني أقر واقعا يعلمه المحايدون والمنصفون. النظام الديكتاتوري المستبد الذي خرّب البلاد وأهان العباد، استعان بالعلمانيين ليكونوا بوقه الناطق، وليكونوا سوط عذابه يضرب به كل من يخالفه أو يرفض جرائمه ضد الحرية والوطن، وهم المستفيدون من الاستبداد في سرقة الوطن والاغتراف بغير حق من خزائنه التي لا تنفد، وقد عاني منهم الإسلاميون والوطنيون على مدى ستين عاما، والتاريخ يُسجل أنهم انحازوا للاستبداد انحيازا مطلقا، ورأوا في الاستعمار حليفا أو داعما لمحاربة عدوهم الأول وهو الإسلام.

افتح اليوم الصحف وشاهد القنوات التي يهيمن عليها العلمانيون في بلادنا، وتأمل الكم الرهيب من المقالات والموضوعات والحوارات المخصصة لهجاء الإسلام والإسلاميين، لدرجة أن بعضهم يطالب الجيش بأن يحكم البلاد، وبعضهم الآخر يطالب بترحيل الديمقراطية إلى أجل غير مسمى؛ لأنه يعلم أن وجوده على الأرض معدوم، وأنه لا علاقة له بالشارع أو المواطنين.

* المرحلة الجديدة بعد الثورة تحتاج إلى تكاتف الجميع، وأنت هنا تشق الصف الواحد.. أشعر أن طرح فكرتك في هذا التوقيت يضر أكثر مما ينفع؟.

- ما زلت تردد الاتهام الخطير، وليتك تقول للقوم توقفوا عن هجاء الإسلام والمسلمين، إن الامبرطوريات الإعلامية والصحفية التي تقصف على مدار الساعة تشويها للإسلام والمسلمين هي التي تقسم المجتمع وتشق الصف باسم العلمانية، ألم تقرأ عن الزعيم الشيوعي المصري الذي هدد بحمل السلاح وإراقة الدماء إذا وصل الإسلاميون إلى الحكم؟ ألم تسمع عن الذين قالوا إنهم سيجمعون ملابسهم ويغادرون البلاد إلى الخارج إذا نجح الإسلاميون في الانتخابات التشريعية؟ هل مطلوب أن يتخلى المسلمون عن الإسلام ليرضى العلمانيون ولكي لا ينقسم المجتمع؟ كيف تتحكم قلة في أغلبية ساحقة ترى الإسلام عقيدة وشريعة، وشعب يراه حضارة وثقافة؟ لماذا لا يتسامحون مع الإسلام؟

القرآن أقرّ حقيقة الاختلاف

* لماذا لم تطرح مشروعا يعمل على التقارب بين صفوف المثقفين بدلا من تعميق الفجوة بينهم؟

- لقد طرحت عليهم المشروع الإسلامي الذي يُكرم الإنسان بغض النظر عن جنسه ولونه ومعتقده، ويحقق العدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر، ويجعل الكفاءة والجهد قبل أي اعتبار، ويقيم بناءه السياسي على الحرية والشورى والمناصحة، ويجعل الحاكم أجيرا عند الشعب، ويطلب من الناس أن يعينوه إذا كان محسنا، وأن يقوموه إذا كان معوجا.. ولكن العلمانيين -يا سيدي- يؤمنون بمبدأ أنا أولا وأنا آخر، وليس لديهم استعداد للتنازل عن امتيازاتهم الحرام التي ورثوها من زمن الاستبداد، مع أن الأمر يقتضي منهم أن يتنازلوا ويتوافقوا ويتوحدوا مع المجتمع.

لا أحد يطلب منهم أن يغيروا معتقداتهم أو سلوكياتهم، ولكن عليهم أن يحترموا معتقدات الأغلبية، ويقبلوا باللعبة الديمقراطية التي يُحتكم فيها الفرقاء إلى الشعب. يجب ألا يحتقروا إرادة الشعب!

* أليس من الأجدى للأمة أن تتنوع فيها الأفكار والتصورات كما كان يحدث في فترات الازدهار الثقافي خلال التاريخ الإسلامي؟

- إن الاختلاف في المفهوم الإسلامي مبدأ أساس، وفطرة إنسانية، والقرآن الكريم يُقرر حقيقة الاختلاف الإنساني إلى ما شاء الله (ولا يزالون مختلفين) ويشير إلى الحكمة الإلهية في خلق الناس مختلفين (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)؛ والإسلام يؤمن بالتنوع الخلاق الذي يُفيد الإنسانية، ولا يوجد معتقد ديني أو بشري يؤمن بالتنوع والاختلاف البشري مثل الإسلام، ولكن المشكلة أن القوم يتسامحون مع كل الملل والنحل إلا الإسلام.

إنهم يقصون الإسلام من كل المجالات، ولا يكفون عن تشويهه وهجائه، ولكنهم لا يجرأون على التعرض لأي عقيدة أرضية أو سماوية أخرى. هل يمكنهم أن يعترضوا على عبادة البقرة في الهند مثلا؟ لا أظن.

دعني أضرب لك مثالا بسيطا، القوم عندنا يهيمنون على معظم الصحف والمجلات القومية أو الحكومية في بلادنا، وقد ذهبت فتاة محجبة بقصيدة لتنشرها في مجلة يشرف عليها شاعر يدَّعي أنه يدافع عن حرية الفكر والإبداع، وكانت المفاجأة أنه لم ينظر لمستوى القصيدة من ناحية الفن والجودة، ولكنه أخبر الفتاة أنه لن يستطيع نشر القصيدة قبل أن تخلع الحجاب!

قس على ذلك أمثلة أخرى أكبر وأعمق؛ تتعلق بحجب تيار الأغلبية عن النشر والتواصل مع المجتمع من جانب العلمانيين الذين يمارسون حالة إقصائية بشعة للأغلبية الإسلامية.

مُحاربة الإسلاميين وعزلهم

* هل تشترط أن يكون المثقف منطلقا من خلفية إسلامية حتى يكون خادما لأمته؟

- دعنا نُؤمن بأن لكل شخص الحق في الاعتقاد الذي يراه صحيحا وسليما. القرآن الكريم يقول (لكم دينكم ولي دين) إني أفترض حُسن النية في الناس جميعا، وطالما كان المثقف مخلصا لفكرته أيا كانت فسوف يخدم أمته، ولكن أن يكون رافضا لهوية الأمة وثقافتها، فلا أعرف كيف يتناغم مع احتياجاتها وغاياتها؟.

*إذا كنت تهاجم المثقفين العلمانيين فإن الكثيرين منهم قدموا أفكارا عميقة واضحة ووصلوا المجتمع بالأفكار المطروحة في العالم، في حين أن كثيرا من المثقفين المحسوبين على التيار الديني تخندقوا في التراث ولم يضيفوا جديدا.. ما تعليقك؟

- الإسلاميون لم يتخندقوا، والصواب أن نقول إنهم عُزلوا وحوربوا، وبعضهم قضى على حبل المشنقة بسبب فكره، وكثير منهم قضى زهرة شبابه وراء الأسوار، ولكني أؤكد لك أن كثيرا منهم يعمل وينتج، وإن كانت الآلة الإعلامية العلمانية لا تعبأ به، ولا تهتم، لأنها مشغولة بالعلمانيين وأحوالهم حتى الأحوال الشخصية، من أصيب بنزلة برد، ومن يفكر في تأليف رواية، ومن يتردد في حضور مؤتمر خارج البلاد، وهكذا.. في الوقت الذي يتجاهلون فيه إنتاج الإسلاميين وأعمالهم وآرائهم. ولا داعي لأن نتكلم عن المنهج الانتقائي في الحديث عنهم إذا دعت الضرورة!

* إذا كان وزير الثقافة الأسبق فاروق حسني قد نجح في إدخال الكثير من المثقفين الحظيرة الثقافية فإن آخرين أعلنوا استقلالهم وعدم خضوعهم لهيمنة الدولة ونفاق أصحاب السلطة، فهل تضع الجميع في سلة واحدة؟

- الذين أعلنوا استقلالهم عن الحظيرة تم التعتيم عليهم، وحصارهم وحرمانهم من الجوائز وحضور المؤتمرات والندوات، وإبعادهم عن تكية التفرغ، وهؤلاء اتسقوا مع أنفسهم، ولكن الذين دخلوا الحظيرة هم من يتصايحون بالعلمانية وحرية الفكر، والتعددية والرأي الآخر، ولكن الصياح شيء والواقع شيء آخر!

إقصاء المثقفين المنتمين للتيار الإسلامي

* هل ترى أن وزارة الثقافة مارست الإقصاء على المثقفين المنتمين إلى التيار الإسلامي؟ وما الدور الذي ينبغي أن تقوم به الوزارة؟

- يكفي أن تعلم أن ربع قرن مضي لم يحصل فيه أزهري على جائزة من جوائز الدولة، باستثناء شخص واحد كان محسوبا على الحكومة.

الأزهر كما تعلم بعيد عن السياسة والحركة الإسلامية؛ أما الإسلاميون فلم يحضروا مؤتمر الخطاب الديني الذي نظمته الوزارة، وكان مؤتمرا ضخما دعوا إليه العلمانيين من كل أنحاء العالم العربي، ولم يدع إليه عالم إسلامي واحد من الأزهر أو خارجه، اللهم إلا وزير الأوقاف الحكومي السابق الذي وافق على ما تريده الحكومة ولو كان ضد الإسلام، وكان من طرائف هذا المؤتمر الدعوة إلى إلغاء آيات من القرآن الكريم تتعلق بالجهاد وبعض الشرائع غير الإسلامية ليكون الإسلام غير إرهابي، وغير دموي!

أما ما تشير إليه من دور ينبغي أن تقوم به الوزارة ، فاسمح أن أخبرك أنني أريد وأتمنى إلغاء هذه الوزارة تماما لأنها لم تُنتج أديبا أو مثقفا في قامة العقاد أو الزيات أو الرافعي أو محمود شاكر أو سيد قطب.

فقد ظهر هؤلاء في عصر ما قبل وزارات الثقافة؛ وإلغاء الوزارة يقتضي إنشاء وزارة للآثار والتراث والترجمة، تتخلص من الجيش غير المنتج الذي يعشش في أركان هذه الوزارة الفاسدة.

هناك مجالات أخرى يمكن أن ينتجوا من خلالها. الوزارة المقترحة تعمل على صيانة الآثار والحفاظ عليها، ونشر التراث العربي المطوي في أضابير المكتبات العربية والعالمية، وترجمة العلوم التجريبية والآداب العالمية من خلال وعي جيد بالمادة المترجمة والتعليق عليها وفقا لتصورات الأمة.

أما الأدب والثقافة فعلى وزارة التضامن الاجتماعي أن تدعم الجمعيات الأهلية التي تهتم بهما، مع السماح بإصدار المجلات الثقافية والكتب المختلفة، ودعمها عن طريق اشتراك الوزارات والمؤسسات المختلفة في أي إصدار جاد ومفيد.

* وما المثقف الحقيقي في وجهة نظرك؟

- المثقف الحقيقي هو الذي يملك المعرفة الوطنية والقومية والإنسانية، ويُوجهها لخدمة وطنه وأمته والإنسانية جميعا، والإسلام ركيزة هذه الثقافة بشهادة المنصفين من أعلام الغرب.

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل