المحتوى الرئيسى

مدير «هيومان رايتس ووتش»: بعض ممارسات السلطة الانتقالية تهدد الديمقراطية في مصر

06/26 20:18

أجرت «المصري اليوم» حوارا مع توم مالينوسكي، مدير منظمة «هيومان رايتس ووتش» في واشنطن، أثناء زيارته القصيرة لمصر بعد قضاء بضعة أيام في ليبيا. ومن خلال خبرته في الشؤون الخارجية وجهود منظمته الحقوقية في الحكومة الأمريكية، تحدث مالينوسكي عن مجموعة من القضايا تتعلق بالفترة الانتقالية في مصر والصراع الدائر في ليبيا.

* دعنا نعود إلى عام 2005، وهي الفترة التي كانت فيها الإدارة الأمريكية في عهد الرئيس السابق جورج بوش داعمة نسبيا للمجتمع المدني في مصر. هل ترى أن التوجه القائم على تمويل المجتمع المدني بشكل سخي كان مؤثرا في عملية الإصلاح الديمقراطي؟

-عندما أوجه هذا السؤال للمصريين، يقولون إن الضغط الدولي على الحكومة كان يؤتي ثماره في السابق، وخلال فترة ضغط إدارة بوش على حكومة مبارك كان هناك بعض التقدم، رغم أنه لم يكن تقدما ملحوظا. لكن ما يقلقني قليلا هو حماس الثورة الآن، إذ أن هناك حدودا لما يمكن للمنظمات غير الحكومية استيعابه، ويجب أن نكون حذرين لكي لا نعطي الفرصة للقوى الرجعية في البلاد أن تقول إن كل هؤلاء الناس مجرد أدوات في يد الولايات المتحدة الأمريكية.

هذه واحدة من الرسائل التي نبلغها لوزارة الخارجية الأمريكية، لأننا نريدهم أن يقدموا التمويل بشكل مستقل عن الحكومة، لكن ينبغي أن يكونوا حذرين من تقديم تمويل أكثر من اللازم، فهذا يمكن أن يضر بهؤلاء الذين أردنا دعمهم من البداية.

* إذن بماذا تنصح الإدارة الأمريكية أثناء الفترة الانتقالية في مصر؟

-أعتقد أنه ينبغي وضع سياسة دعم حاسمة، فمن الواضح أن هناك أشياء إيجابية حدثت في مصر والصواب الآن هو أن تدعم الولايات المتحدة الحكومة المصرية والجيش للاستمرار في هذه التغييرات، لكن في الوقت نفسه، هناك مصالح قوية في مصر تقاوم الإصلاح الحقيقي، خاصة في الجيش و الحزب الوطني الديمقراطي الذي كان مبارك يرأسه.

ستكون هناك لحظات حاسمة في الشهور القليلة المقبلة، بعدها سيصبح الضغط الأمريكي والدولي على مصر مهم. على سبيل المثال لدينا اعتقالات ومحاكمات عسكرية، وبموجب القانون الأمريكي ينبغي منع المساعدات الأمريكية عن الوحدة المتورطة في تعذيب المحتجين، ما يعرف في القانون الأمريكي بـ«تعديل ليهي». فائدة هذه البنود القانونية أنها يمكن أن تمنع المساعدات عن وحدات فردية، دون أن يتم قطعها عن الجيش كله. إن العلاقة بين الولايات المتحدة الأمريكية ومصر أكثر أهمية من منع المعونة الأمريكية عن الجيش المصري في الفترة الراهنة، لكن ينبغي إقصاء الوحدات التي ثبت تورطها في تعذيب المدنيين.

هناك بالطبع خطر قيام الجيش الآن بدور وزارة الداخلية وجهاز أمن الدولة، محميين بشعبيتهم التي جنوها من إنقاذ الثورة، لكنني أعرف أن الحكومة الأمريكية طلبت من الجيش المصري الإفصاح عن الوحدات المتورطة في تعذيب المدنيين، كما أعرف أن مسألة «تعديل ليهي» أثيرت في الاجتماعات المغلقة، لكنني لست متأكدا مما وصل إليه الأمر. إننا نضغط بشدة على الحكومة الأمريكية في واشنطن لتطبيق هذه البنود القانونية، ومواجهة الاعتقالات العسكرية، فقد عرف أعضاء في الكونجرس عما حدث في 9 مارس، وعن اختبارات العذرية الإجبارية وكان هذا صادما لكثير من الناس.

* ما مدى صعوبة الإفصاح عن هذه الوحدات المتورطة في تعذيب المدنيين؟

-هذا صعب جدا. من خبرتنا نعرف أن الذين يتعرضون للتعذيب لا يستطيعون التركيز فيما كان الضباط يرتدونه على سبيل المثال، لكننا نعرف أنهم كانوا من الشرطة العسكرية، ونعتقد أن الولايات المتحدة يجب أن تطلب من الجيش المصري الإفصاح عن هذه الوحدات.

* كيف تقيم التعامل عموما مع الجيش باعتباره الحاكم المؤقت للبلاد؟

-إنها عملية صعبة جدا، لم تسنح لنا فرصة جيدة للقاء القائد الأعلى، بينما في معظم دول العالم نستطيع لقائه. نتمنى أن يتغير هذا عندما تأتي حكومة جديدة منتخبة ويعود الجيش إلى ثكناته. في الوقت نفسه، يمكن التعاطي مع المشكلات الراهنة عن طريق كشفها والضغط لحلها، لحين وصول حكومة منتخبة يمكنها التعامل مع هذه القضايا بمنهجية.

* هل لديك أية مخاوف بشأن جهاز «الأمن الوطني» الجديد، الذي جاء بديلا عن جهاز «أمن الدولة» سيء السمعة؟

-نتمنى بالتأكيد أن يكون جهاز «الأمن الوطني» مختلفا تماما، وأن يديره مدنيون، ويشرف عليه البرلمان وألا تكون له صلاحيات استثنائية. كل دول العالم لديها جهاز أمن داخلي، وليست مفاجأة أن مصر مازال لديها جهازا مماثلا، لكن أهم شيء هو ألا يتغول هذا الجهاز لينتهك حقوق الشعب المصري، وأن يظل خاضعا للسلطات المدنية.

* هل تدعم عرض المصارحة والمصالحة بين الشعب المصري ورموز النظام السابق؟

-نريد بالتأكيد أن نرى مساءلة في القضايا الخطيرة، يمكن تطبيق المساءلة الجنائية على العقول المدبرة لجرائم الحرب، والقادة الذين أعطوا الأوامر، أما هؤلاء الذين كانوا يتلقون منهم الأوامر فربما يمكن التفكير في المصالحة معهم.

هناك أكثر من نموذج للمصارحة والمصالحة، مثلا نموذج جنوب إفريقيا، حيث يمكن ألا تحاكم إذا اعترفت بجرائمك. لدينا مشاكل مع هذا النموذج، وأنا متأكد أن المصريين كذلك لا يقتنعون به. بعيدا عن ذلك، يمكن للمصالحة أن تكون مفيدة باعتبارها إثباتا لما حدث. إن فتح الملفات مهم بالنسبة لأي ديمقراطية ناشئة.

* ما هي أكثر الأشياء التي تقلقك سياسيا في مصر أثناء الفترة الانتقالية؟

-الطريقة التي يتصرف بها الجيش، كل هذه الاعتقالات والمحاكمات العسكرية واستمرار التعذيب في الأقسام والسجون ومحاولة السيطرة على الإعلام.

* هل لديك مخاوف تتعلق بالحريات الدينية، في ضوء الاحتكاكات الطائفية الراهنة؟

-هناك جدل دائر بيننا بعد اقتراح «لجنة الحريات الدينية» لوزارة الخارجية الأمريكية بإدراج مصر على قائمة الدول «ذات القلق الخاص»، ولا أتفق مع هذا الاقتراح، رغم أنني أعرف أن هناك مشاكل تتعلق بالحريات الدينية في مصر، لكننا لا يجب أن نعمق من هذه المشاكل الآن في ظل الحكومة الانتقالية أكثر مما كنا نفعل أثناء حكم مبارك. ومن المعروف أن مسألة حماية مبارك للمجتمع القبطي كانت مجرد كذبة.

إن الديمقراطية تلعب دورا هاما في توسيع رقعة الحوار في مصر وخلق بيئة متسامحة، بدلا من الاعتماد على يد الأمن الثقيلة لتفريق الناس. ولا أعتقد أنه الوقت المناسب لعزل مصر في القائمة التي اقترحتها «لجنة الحريات الدينية» الآن، ولا أعتقد أن الخارجية الأمريكية ستفعل هذا أيضا، إن لجنة الحريات مؤسسة مستقلة، أنشأتها الحكومة الأمريكية لكنها لا تتحدث باسمها، كما إنها لا تمثل إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما.

* ننتقل إلى ليبيا، كيف أفاد الحظر الجوي الثوار، بالنسبة لاحتياجهم للتدخل الأجنبي؟

-لم يكن هناك أبدا حظر جوي، ولم يكن من المفترض أن تستخدم هذه الكلمة، ولو كان الحظر الجوي قد تم تطبيقه، لكانت بنغازي عبارة عن ركام الآن. والتدخل الوحيد الذي كان هدفه حماية بنغازي هو ما قام به «الناتو»؛ أي الغارات التي تسعى لمنع الدبابات والمدفعية الثقيلة من التوغل في المدن الليبية. إذا كنت تسعى لاستخدام وسائل عسكرية لحماية المدنيين كما يحدث في مصراتة، فيجب أن تضرب القوات الموجودة على الأرض. إن المهمة تتعلق دائما بقصف الأهداف الموجودة على الأرض، وبالتأكيد تريد السلطات الثورية الحصول على السلاح على الأقل، لكنني مازلت أعتقد أن هناك اتجاهات قوية بين قادة المجلس الوطني والشباب الثوار ترفض تواجد القوات الأجنبية. أعتقد أن هناك نفورا قويا من «الناتو» تجاه إرسال قوات برية، وطبقا لمشاعر الليبيين وإصرار «الناتو»، لا أعتقد أن ذلك يمكن أن يحدث.

* هل تعتقد أن قرار «الناتو» بحظر الطيران كان ناجحا من الناحية الإنسانية؟

-بالكاد يمكن اعتباره ناجحا لأننا نركز تلقائيا على المناطق التي لا تزال تشهد عنفا مستمرا، لكن إذا كان الهدف الرئيسي من التدخل منع هجوم القذافي على المدنيين في الشرق، فإنه سيكون نجاحا كبيرا بالطبع. إن شرق ليبيا يشهد الآن ميلاد مجتمع مدني لدولة جديدة، وهو ما أعتبره مثيرا للإلهام. كان يمكن ألا يحدث كل هذا لو كانت قوات القذافي متقدمة. الآن مازال لدينا مصراتة والجبال الغربية التي لا نملك كثير من المعلومات عنها، هناك قتال شديد يدور هناك، وهناك طرابلس والمنطقة التي تقع تحت سيطرة القذافي، والليبيون هناك خائفون وربما يستمر هذا لفترة من الوقت، لا أرى حلا في القريب العاجل.

* هل تسمع عن أي انتهاكات إنسانية يرتكبها الثوار؟

-أسمع عن بعضها نعم، لكنها ليست كبيرة أو منهجية. لدينا مخاوف بشأن معاملة السجناء على الجبهة. يمكننا الدخول إلى السجون، واستطعنا التحدث على انفراد مع سجناء القذافي؛ عندما يتم اعتقال أحدهم، ترد إلينا تقارير عن تعرضه للضرب والصفع في مصراتة، كما أن هناك مشاكل في الرعاية الطبية للمسجونين.

في إحدى المرات، شهد صحفي أجنبي عملية إعدام، وطالبنا السلطات الثورية بالتحقيق فيها، كما شاهد طاقم «بي بي سي» بعض الثوار وهم يزرعون ألغاما، فضغطنا على قادة الثوار حتى التزموا بسياسة تقضي بعدم زرع الألغام وتدمير ما في حوزتهم منها. إن الثوار يبذلون مجهودا صادقا ويعترفون بأخطائهم لأنهم يعرفون أنهم بحاجة إلى دعم اللجنة الدولية. ولا ينبغي إغفال أن معظم قادة الثوار كانوا نشطاء حقوق إنسان سابقين ومعتقلين سياسيين عانوا من وطأة نظام القذافي وسجونه، ومن ثم لديهم رغبة قوية في أن يكونوا نقيض القذافي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل