المحتوى الرئيسى

تصنيفات البنوك.. ضحية اقتصاد منهوووك!

06/26 08:09

أحمد بومرعي

يبدو أن مسلسل «تفاقم الأزمة المالية محليا» الذي ترصده «القبس» دورياً منذ بداية السنة، بدأ يأخذ منحى انحداريا اضافياً مع ظهور مؤشرات سلبية جديدة خلال الاسبوع الماضي، أولها جاء من الهبوط الحاد الاضافي للسيولة المتداولة في البورصة لم تبلغه منذ 2001، تلاها كشف بنك الكويت المركزي عن نمو سلبي للاقراض في مايو، في أسوأ أداء شهري منذ 11 شهرا، وعند %-0.33 على أساس سنوي.

وفي خضم هذا الواقع غير المبشر للاسبوع قبل الاخير من اقفالات الميزانيات نصف السنوية، كشفت تداولات البورصة عن وصول رجال اعمال كويتيين الى مرحلة من الاختناق دفعتهم لتسوية قروضهم باستبدالها بملكيات بنوك وشركات، سبقها تعميم المركزي للبنوك بضرورة حصر قروض اكبر 25 عميلا لديها والاطراف ذات الصلة وتحليل حالتهم المالية في ضوء هذه الصورة الشاملة للعميل وشبكة ارتباطاته ووضع استراتيجية لكيفية تجاوز حالات متعثرة قد تظهر في ظل هذا المشهد المتضعضع.

وتزامنت هذه الاخبار مع تلويح وكالات التصنيف الائتماني العالمية بخفض تصنيفات بنوك وشركات مالية كويتية على نتيجة التشغيلية الضعيفة، وعلى خلفية الاحداث السياسية غير المستقرة في الكويت والمنطقة، وربما ما اصاب بعض البنوك والشركات سينسحب على أخرى، اذا استمرت الاوضاع السياسية والمالية على حالها.

تشاؤم مودي و«اس اند بي»

وفي تحليلها للسوق الكويتي، تقول وكالة التصنيف الائتماني العالمية موديز ان تراجع الوضع الاقتصادي والائتماني في البلاد يعود في الاساس الى أزمة قطاع شركات الاستثمار والى «التعافي البطيء وغير المقنع» لقطاعي العقار والمقاولات منذ 2010، وعلى الاخص قطاع العقار التجاري. وأبدت الوكالة تخوفها من عدم تحقيق الحكومة لاهداف خطة التنمية، حيث أن الانفاق الحكومي، ورغم توقعات نموه، سيظل ضمن مستويات بعيدة عن اعادة النشاط للتمويل، كما ان الاداء الضعيف للبورصة سيؤثر سلبا ايضا وأيضا في اسعار الاصول.

ويتفق تحليل «موديز» مع نظيره لوكالة «ستاندرد أند بورز» العالمية للتصنيف الائتماني التي وصفت البيئة الاقتصادية المحلية بـ«المتدهورة» وقالت ان سقوف التصنيفات الائتمانية للبنوك والشركات يحدها تراجع هذه البيئة ومخاطر الاوضاع الاقليمية.

صورة الكويت عالميا

وتعكس تحليلات وكالات التصنيف الصورة التي يراها العالم للسوق الكويتي وشركاته، وربما لا يؤثر تخفيض التصنيفات في القطاع المالي على الشركات المتوسطة والصغيرة بشكل مباشر، لكنها تصيب مباشرة الشركات والبنوك الكبيرة لا سيما المنتشرة خارج البلاد.

ووفق مسؤول في قسم الابحاث في بنك محلي، تبدأ الوكالات في مراجعة تصنيف بنك أو شركة ما بتحليل «الماكرو ايكونومي»، أي الاقتصاد الكلي، ثم تتجه نزولا (ميكرو) الى قطاع الشركة أو البنك محل المراجعة، ثم تقرأ الملاءة المالية لأي منهما، وفي كل مرحلة هناك قائمة من المؤشرات. فعلى سبيل المثال، تتركز ابرز مؤشرات الملاءة على جودة الاصول والربحية واستمراريتها والحصة السوقية للبنوك من القروض والودائع والانتشار في السوق والشهرة.

ووفق هذه المراحل الثلاث من القراءة التحليلية تعتمد الوكالة تصنيفا للبنك أو الشركة ويأتي على أشكال «أ» أو «ب» أو «س»، وذلك بعد أن تضع تقييما وفق وزن كل مؤشر، وتختلف الاوزان بين وكالة وأخرى، لكن في المتوسط تنال أوزان البيئة التشغيلية العامة نسبة تتراوح بين 15 الى %20 من اجمالي الاوزان. ويؤشر ذلك الى أن البيئة التشغيلية غير الصحية في الكويت ستجر بنوكا وشركات الى احتمالات تخفيض التصنيفات.

مؤشرات القياس

وفي ظل الاوضاع غير المستقرة سياسيا في المنطقة، فرضت المؤشرات السياسية نفسها على الاوزان، وهي سبب آخر لخفض التصنيفات لبنوك وشركات مرتبطة اقليميا.

وربما تسعف الملاءة المالية بعض المؤسسات في القطاع المالي التي تتمتع اصولها بجودة عالية. وفي البنوك، تنظر وكالات التصنيف الى مؤشر حجم التعثر في محفظة القروض ونسبته من الاجمالي، فكلما كان التعثر قليلا كان وضع البنك أقوى، اضف الى ذلك نسبة تغطية البنك لهذا التعثر بالمخصصات التي يفترض أن تكون %100 على الاقل لكي يتمتع البنك بتصنيف جيد.

ماذا يعني التخفيض؟

ويعتبر تخفيض التصنيف الائتماني أزمة على الشركات والبنوك التي تعتمد في تمويلها على مصادر وأسواق خارجية، اذ مجرد التلويح بالتخفيض يرفع تكلفة الاقتراض للمؤسسات، إذ يُفسر التخفيض في الاسواق العالمية على أن هناك ارتفاعا في المخاطر، مما يستوجب رفع فائدة التمويل. وهناك انعكاسات سلبية اخرى على اسعار الاسهم في البورصة.

والعكس صحيح، فرفع التصنيفات يزيد ثقة المستثمرين بالبنك أو شركة، وعندما تصدر سندات ينكبّ المستثمرون لشرائها، مما يؤمن الحصول على المال بتكلفة منخفضة. كما تستفيد البنوك من رفع التصنيفات، حيث يتجه المستثمرون لوضع ودائعهم لديها، وهو ما يوفر لها سيولة للاقراض.. وتستفيد من هوامش لمصلحتها.

وفي الغالب يؤثر انخفاض التصنيفات السيادية على تخفيض تصنيف المؤسسات المالية والشركات، اذ لا يفترض أن تكون تصنيفات الاخيرة اعلى أو بمستوى تصنيف دولتها. وقبل عام تقريبا، تسربت معلومات من احدى وكالات التصنيف الائتماني أنها قد تخفض تصنيف الكويت على خلفية ارتفاع المواجهة بين الحكومة والبرلمان، وهي أزمة سياسية مستمرة، وآخر فصل فيها استجواب رئيس الحكومة نهاية الاسبوع الماضي الذي لم يكد ينجو منه حتى قدم نواب استجوابا آخر يستحق بعد عودة البرلمان من اجازته الصيفية، مما دفع بعض البنوك الى الاعتقاد أن الوكالات قد تُقدم على تخفيض التصنيف السيادي.

التصنيف السيادي

ويلاحظ ان لهجة الوكالات العالمية تغيرت بعد الأزمة المالية. فقد تم توجيه الاتهام لها بأنها ساهمت في تفاقم الازمة برفع التصنيفات على دول معينة ومؤسسات مالية سرعان ما تعثرت اذ ظهر، وقصور قياسها للمخاطر، والتغاضي عن بعض المؤشرات لدواعي المصالح المشتركة. فهذه الوكالات تجري دراسات على الدول او الشركات والبنوك بطلب من الاخيرة التي تمول ابحاث الدراسة. وبعد الازمة، أعادت هذه الوكالات سياساتها، وابتعدت عن مجاملات الانظمة والدول والمؤسسات المالية، وباتت تقول الاشياء كما هي تقريبا حفظا لماء وجهها.

وفي المنطقة الخليجية، مازالت الوكالات تتحفظ ببعض المعايير، رغم انها زادت الجرعة الانتقادية قليلا، على الاقل على الصعيد الكويتي، وفي ظل هذه الاوضاع المضطربة، قد لا تتساهل في التصنيفات.

لكن محللا ماليا استبعد ذلك، على اعتبار أن هناك فوائض مليارية سنوية في الدولة، والديون السيادية صفرية، غير أنه لم يستبعد أن يتم التخفيض على شركات وبنوك عدة على خلفية البيئة التشغيلية المتدهورة وبطء الاعمال وتراجع التدفقات النقدية من المشاريع، خصوصا أن البنوك عوّلت على مشاريع تنموية بالمليارات، يبدو بعضها شبه معطل، وأخرى معرضة للتباطؤ في التنفيذ بعد ترك الحقيبة المسؤولة عن التنمية بلا وزير اصيل، وانشغال الوزير بالوكالة بوزارته الاصلية التي تحتاج الى تركيز عال.

ويقول المحلل أن هناك شبه انفصام في الاقتصاد الكويتي، فمن ناحية يُصنف البلد كأكثر البلدان ملاءة مالية في العالم، بينما بيئته التشغيلية متدهورة، مما يدل على أن سيولته غير مستثمرة في قنوات انتاجية أو تنموية.

وصفة التنمية جاهزة

ويقول نائب في اللجنة المالية البرلمانية مطلعا على الحالة المالية للدولة المفترض اقرارها في قانون الثلاثاء المقبل أنه صدم بالارقام التي تعاكس اهداف التنمية في رفع الانفاق الاستثماري والرأسمالي مقابل الانفاق الجاري. ويضيف أن الانفاق الاستثماري في ميزانية الدولة للعام الماضي لم يزد عن %12 بينما وصل %88 للجاري، في ظاهرة مخيفة لاقتصاد لا يوجه فوائضه نحو استثمارات منتجة أو تنموية بل يستهلكها في رواتب وزيادات وكوادر تذهب معظمها للاستهلاك اليومي والكمالي.

ومن المفارقات أن هناك وصفة جاهزة لانتشال اقتصاد القطاع الخاص من أزمته الحالية، فالدولة وضعت استراتيجية تنموية واقرتها في قانون، لكن السلطات التنفيذية تخالف على ما يبدو القانون الذي يفرض عليها اطلاق المشاريع في موعدها وزيادة الانفاق الاستثماري وتصحيح التشوهات في الاقتصاد المعتمد بنسبة 94% على دخل النفط. وفي سياسات النمو الاقتصادي في خطة التنمية في الجزء الثالث من القانون، هناك اهداف واضحة بأن تقل هيمنة القطاع العام على النشاط الاقتصادي لمصلحة المواطنين، والشركات ويعني ذلك انشاء شركات تنموية ليتملك فيها المواطنون اضافة الى تخصيص قطاعات حكومية، وهو امر لم ينفذ منه شيئا حتى الآن. وحسب سياسات القانون يفترض أن ينمو الناتج الاجمالي للقطاع الخاص بمعدل 8.8 %سنويا مقابل %2.7 للقطاع العام، على أمل أن يرتفع الناتج من %37 من اجمالي الناتج الاجمالي مع بداية الخطة (فبراير 2010) الى %44 في سنتها الاخيرة في 2014.

خفض مستحق

لابد من الاشارة الى مصارف تستحق خفض التصنيف ليس بسبب سوء البيئة التشغيلية فقط، بل بسبب سوء ادارتها وسوء درس المخاطر فيها.

المشهد المؤثر في التصنيف

- صراع سياسي متفاقم

- إنفاق تنموي بطيء

- أزمة مالية مستمرة بلا حلول جذرية

- شركات استثمار فاقدة الملاءة.. والأهلية

- بورصة متراجعة الأداء

- أزمة قائمة في العقار التجاري

- خصخصة متوقفة

- شركات التنمية.. وعود بلا تنفيذ

- حركة التمويل مشلولة

- اقتصاد غير متنوع

- خطط ورق بورق

- تشريعات غير محفزة على الاستثمار

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل