المحتوى الرئيسى

أزمة الديمقراطية في تركيا

06/26 03:03

محمد نورالدين

من الغريب فعلاً أن يتظلل الانتصار الانتخابي لحزب العدالة والتنمية في 12 يونيو/حزيران الجاري بغيوم رمادية لا تليق أبداً بخطاب النصر الذي أطلقه رئيس الحزب والحكومة رجب طيب أردوغان مساء يوم الانتخابات .

أهدى أردوغان العرس الديمقراطي وانتصار “العدالة والتنمية” إلى بيروت ودمشق وسراييفو ورام الله والقاهرة، في رسالة إلى أن الديمقراطية في تركيا قد بلغت من النضج عتياً، بحيث يمكن لها أن تكون نموذجاً قابلاً للتصدير .

ربما تسرّع أردوغان في ذلك . ذلك أن التجربة الساعية لترسيخ الديمقراطية لم يتجاوز عمرها الثماني سنوات، وهي بالكاد عرفت تحولاً ملموساً في سبتمبر/أيلول الماضي في الاستفتاء الذي قلّص الكثير من النفوذ العسكري ومن نفوذ المؤسسات القضائية في السياسة .

وجاء قرار اللجنة العليا للانتخابات،بناء على قرار قضائي، بإسقاط نجاح النائب الكردي والشخصية المعروفة والمسجونة خطيب دجلة، ليلقي ظلالاً ليس فقط على جوهر العملية الديمقراطية بل على آلية عمل هذه الديمقراطية .

فاللجنة العليا للانتخابات كانت سمحت لدجلة ولغيره بالترشح للانتخابات، بعدما رأت أنه يستوفي الشروط . وهذا حصل ليس فقط معه بل مع مرشحَين آخرين نجحا وهما متهمان بالانتماء إلى منظمة “ارغينيكون” ويقبعان في السجن .

وبعد صدور النتائج وإدراج أسماء هؤلاء المرشحين الناجحين ضمن النواب الجدد، جاء القرار القضائي بعدم إطلاق سراح نائبي “ارغينيكون”، وبالتالي ألا يكونا نائبين ما داما لا يستطيعان الذهاب إلى البرلمان لأداء قسم اليمين، وقرار اللجنة العليا للانتخابات بإسقاط عضوية خطيب دجلة لتطلق جملة من الرسائل المهمة .

ذلك أن معركة رجب طيب أردوغان لم تكن فقط للفوز، فهو ضامن لهذا الفوز، بل من أجل النجاح في معركة إعداد الدستور الجديد .

ومع أن المهتمين بإعداد الدستور يشمل كل قطاعات المجتمع والتيارات السياسية، فإن عين أردوغان كانت على المناطق الكردية وتمرير دستور جديد يتجاوز المطالب الكردية .

فزعيم العدالة والتنمية أخفق في الانتخابات البلدية لعام 2009 في التفوق على ممثلي الحركة القومية الكردية في المناطق ذات الغالبية الكردية . وهو إذ يئس من تحقيق انتصار على ممثلي الأكراد لجأ إلى تسعير الخطاب القومي المتشدد ضد الأكراد، ليحصد فشلاً ذريعاً في المناطق الكردية ويرفع النواب الأكراد عددهم من 20 إلى 36 نائباً .

وأمام هذه اللوحة أدرك أردوغان أنه يواجه تحدياً خطيراً متصلاً بمواجهة الاستحقاق الحتمي:الغالبية الكردية مع مرشحي حزب السلام والديمقراطية ولزاماً يجب الإصغاء لمطالبهم، وهي التعليم باللغة الأم في المدارس والجامعات، وإطلاق المعتقلين السياسيين المتهمين بالإرهاب مثل خطيب دجلة ومنح المناطق الكردية حكماً ذاتيا، وإطلاق سراح عبدالله أوغلان زعيم حزب العمال الكردستاني وجعله المحاور للدولة، وتضمين الدستور الجديد ضمانات الاعتراف بالهوية الكردية .

لذا جاء قرار اللجنة العليا للانتخابات بإسقاط عضوية خطيب دجلة ليوجه ضربة قاصمة ل “العرس” الديمقراطي، وليدخل المرحلة الجديدة من عمل البرلمان في فوضى تحول دون تركيز الضوء على المطالب الكردية .

وسرعان ما رّد النواب الأكراد بالتضامن مع دجلة بقرار عدم الذهاب إلى جلسة افتتاح البرلمان وقسم اليمين وعدم حضور جلسات البرلمان .

هذا التطور ليس ظرفيا، بل هو نتيجة طبيعية للذهنية التي لا تريد تركيا إلا ديمقراطية تناسب البعض، ولا تريد لها أن تكون مستقرة من خلال عدم منح الأقليات حقوقها المشروعة .

أيضًا لم تتسع الديمقراطية التركية لنائبين اثنين نجحا بقوة الإرادة الشعبية وينتميان إلى حزب المعارضة الرئيسي حزب الشعب الجمهوري .

لقد قدّمت تركيا نفسها نموذجاً للديمقراطية في محيطها الإقليمي من البلقان إلى العالم العربي . لكن يتبين أن الجميع بيوتهم من زجاج . وإذا كانت هذه الديمقراطية لا تستطيع تحمل نائب كردي إضافي أو نائبين إضافيين للمعارضة العلمانية، فكيف لها أن تواجه التحدي الجدي في حل مشكلة هوية 12 مليون كردي من مواطنيها؟ .

التجربة الديمقراطية التركية لا تزال تحت التجربة وأمامها الكثير لتثبت نجاحها من فشلها .

* نقلا عن "الخليج" الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل