المحتوى الرئيسى

> الإمبراطورية العثمانية الجديدة.. المعضلة التالية في الشرق الأوسط

06/25 21:01

بقلم: نيال فيرجسون

قضية واحدة يتفق بشأنها الجمهوريون والرئيس الذي يرغبون في استبداله: إن علي الولايات المتحدة أن تخفض من وجودها العسكري في الشرق الأوسط الكبير، الحجج المفضلة هي أن أمريكا لا يمكنها أن تتحمل تكلفة المشاركة في عمليات قتالية في دول بعيدة وأن تلك العمليات غير مجدية علي أي حال.

السؤال الذي لا يريد أحد الإجابة عنه هو من الذي سيخلف الولايات المتحدة بعد أن تغادر.. السيناريو "السعيد" هو أن تعتنق دولة وراء الأخري الديمقراطية الغربية. السيناريو المرعب هو إما حرب أهلية أو ثورة إسلامية. لكن هناك نتيجة ثالثة ممكنة، وهي امبراطورية عثمانية جديدة.

كان العثمانيون، وهم سلالة أناضولية أقامت دولتها علي أنقاض الإمبراطورية البيزنطية، حاملي المبادئ الإسلامية بعد فتح القسطنطينية (اسطنبول حاليا) عام 1453 وقد امتدت امبراطوريتهم حتي وسط أوروبا، بما في ذلك بلغاريا، وصربيا والمجر.

وبعد توطيد الحكم العثماني من بغداد إلي البصرة، ومن القوقاز إلي جنوب البحر الأحمر، وعلي طول ساحل المتوسط في شمال أفريقيا، كان يمكن لسليمان القانوني أن يقول: "أنا سلطان السلاطين، حاكم الحاكمين.. ظل الله علي الأرض"، وشهد القرن السابع عشر المزيد من التوسع العثماني في كريت وحتي غرب أوكرانيا.

ولكن خلال القرنين التاليين، أصبحت الامبراطورية "رجل أوروبا المريض"، وفقدت معظم أراضيها في البلقان وشمال افريقيا.. وكانت الحرب العالمية الأولي قاتلة بالنسبة إليها: فقد استعيدت الأرض الأناضولية القديمة فقط لتعلن جمهورية تركية، أما البقية فقد اقتسمتها بريطانيا وفرنسا.

وبدا ذلك نهاية الحقبة العثمانية. وحتي فترة قريبة، كان السؤال المطروح هو هل (أو متي) يمكن أن تنضم تركيا للاتحاد الأوروبي؟ وبدا أن الأتراك، الذين اعتبروا مؤيدين بقوة للولايات المتحدة في الحرب الباردة، يثبتون أبصارهم علي الغرب بشكل لا يتزعزع، كما أراد مؤسس الجمهورية كمال أتاتورك تماما.

ولكن منذ عام 2003 حين انتخب رجب طيب أردوغان رئيسا للوزراء، تغير كل ذلك. فمؤسس حزب العدالة والتنمية يعتبر شخصية جذابة. وهو بالنسبة الي الكثيرين، تجسيد للإسلام المعتدل.

وقد ترأس البلاد خلال فترة من النمو الاقتصادي غير المسبوق. وسعي للتقليل من سلطة الجيش.

ولم يكن من قبيل المصادفة أن واحدة من الرحلات الخارجية الأولي التي قام بها الرئيس الأمريكي باراك أوباما كانت إلي إسطنبول. كما لم يكن من المفاجئ أن يفوز حزب العدالة والتنمية بفترة ثالثة علي التوالي في الانتخابات العامة هذا الشهر.

لكن علينا أن ننظر بشكل أقرب إلي أردوغان. لأن هناك سببا وجيها للشك في أنه يحلم بتحويل تركيا بطريقة كان سليمان القانوني سيعجب بها.

وعندما كان أردوغان في بواكير حياته العملية رئيساً لبلدية أنقرة، سجن لاقتباسه علنا أبيات شعر لشاعر من بدايات القرن العشرين كان مؤمناً بوحدة الشعوب الناطقة بالتركية يقول فيها: "المساجد هي ثكناتنا، والقباب خوذاتنا، والمآذن حرابنا، والمؤمنون جنودنا".

ويبدو من الواضح أن طموحه يتمثل في العودة الي ما قبل عهد أتاتورك، عنما كانت تركيا ليست متشددة إسلاميا وحسب، وانما قوة عظمي إقليمية.

ويفسر هذا حملته المستمرة لتغيير الدستور التركي بطرق من المرجح أن تزيد من سلطاته علي حساب السلطة القضائية والصحافة وكذلك المؤسسة العسكرية، وهي كلها حصون للعلمانية.

ويفسر هذا انتقاداته المتشددة بصورة متزايدة لـ"ارهاب الدولة" من جانب اسرائيل في غزة، التي أرسل اليها نشطاء مؤيدون للفلسطينيين مجموعة سفن خطفت العناوين الكبيرة السنة الماضية. كما يفسر هذا قبل كل شيء مناوراته البارعة لاستغلال الفرص التي يتيحها الربيع العربي، بانتقاده سوريا، وسعيه إلي تحجيم إيران وتقديم نفسه كمثال ينبغي أن يحتذي.

وقال أردوغان في خطاب نصره: "لقد فازت سراييفو اليوم بقدر ما فازت اسطنبول. وفازت بيروت بقدر ما فازت أزمير، ودمشق فازت بقدر ما فازت أنقرة، ورام الله ونابلس وجنين والضفة الغربية والقدس فازت بقدر ما فازت ديار بكر".

وقارن الزعيم التركي ذات مرة الديمقراطية بسيارة ركاب وقال: "عندما تصل إلي محطتك تنزل". وسنفاجأ إذا تبين أن الوجهة في ظل قيادته هي إمبراطورية إسلامية جديدة في الشرق الأوسط.

مجلة "نيوزويك" الأمريكية

 ترجمة - داليا طه

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل