المحتوى الرئيسى

النزاع الامارتي الإيراني حول الجزر الثلاث بقلم:أ.سمرأبوركبة

06/25 17:52

دراسة بعنوان

النزاع الامارتي الإيراني حول الجزر الثلاث

أ:-سمرأبوركبة

مقدمة:

إن النزاع على الجزر الثلاث، طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى ما بين جمهورية إيران الإسلامية ودولة ‏الإمارات العربية المتحدة، ليس حديث عهد وإنما تمتّد جذوره إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وكان دائماً بين مدّ ‏وجذّر طبقاً للظروف التي كانت تحكم المنطقة في ذلك الحين، وتبعاً للمتغيرات الدولية والإقليمية التي تؤثر عليها. ‏

تعاقبت عدة أحداث سياسية وتاريخية على قضية الجزر بين الحربين العالميتين الأولى والثانية، جعلت بريطانيا ‏تعمد إلى إغلاق ملف هذه القضية تحديداً بين أعوام 1924 ـ 1932 بعد فشل المباحثات البريطانية ـ الإيرانية، ‏بشأن بيع أو تأجير هذه الجزر من قبل شيخ رأس الخيمة. ‏(1)

وظلّ الصمّت مخيّماً على هذه الحقوق المغتصبة سنوات طويلة حتى عادت الأحداث تتجدد مرة أخرى في ‏مطلع عام 1968، عندما أعلنت بريطانيا رغبتها في الانسحاب من المنطقة بنهاية عام 1971. ‏

وفي عهد الشاه محمد رضا بهلوي هاجمت إيران هذه الجزر، واحتلت قواتها العسكرية قسماً من جزيرة أبو ‏موسى، مع الاستيلاء على شقيقتيها جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، خلال يومي 29، 30 نوفمبر 1971، ‏وهو اليوم المحدد رسمياً لانتهاء الحماية البريطانية على الإمارات المتصالحة، والتي أُعلن عن استقلالها الوطني ‏باسم دولة الإمارات العربية المتحدة اعتباراً من الثاني من ديسمبر 1971. وبدأت الأطماع الإيرانية تتزايد في ظل ‏احتلالها للجزر العربية الثلاث مع ظهور ملامح تهديدها باحتواء عسكري لدول المنطقة، دون احترام لحقوق ‏جيرانها في منطقة الخليج العربي. ‏

بنجاح الثورة الإسلامية في الإطاحة بنظام الشاه واستلام مقاليد الحكم وإعلان قيام الجمهورية الإسلامية ‏الإيرانية عام 1979، توقعت كافة المحافل الدولية والإقليمية من القيادات الإسلامية الجديدة تصحيح الأخطاء، التي ‏ارتكبها نظام الشاه في حق الدول التي تجاوره، وفتح صفحة جديدة من العلاقات بأسلوب منطقي وعقلاني، في ‏إطار مبادئ الشرعية الإسلامية، بدءاً بإعادة الجزر العربية الثلاث إلى أصحابها الشرعيين. ‏

وعلى الرغم من تصريحات القيادة الإيرانية الجديدة التي تدعو إلى إسقاط سياسة التوسّع، وأنها ستجري ‏مراجعة شاملة لكافة المعاهدات والاتفاقيات التي أُبرمّت في العهد السابق، إلا أن النتائج لم تتعد مجال التصريحات ‏والوعُود. ‏

ثم توالت الأحداث في منطقة الخليج العربي، فنشبت حرب الخليج الأولى بين العراق وإيران (1980 ـ ‏‏1988) وبعد إيقاف القتال بين الدولتين بعد حرب طويلة ومريرة، بدأت مرحلة أخرى من الصراعات المسلحة ‏بالمنطقة بغزو العراق لدولة الكويت في الثاني من أغسطس 1990، لتبدأ حرب الخليج الثانية. وبنهاية هذه ‏الحرب، صعّدت الجمهورية الإسلامية الإيرانية أحداث قضية الجزر العربية الثلاث، اعتباراً من أغسطس 1992. ‏وأعادت فتح ملف الأزمة باستيلائها على القسم الثاني من جزيرة أبو موسى في انتهاك غير مبرّر لمذكرة التفاهم ‏الموقعة مع إمارة الشارقة في نوفمبر 1971. ‏

إن قضية الخلاف حول الجزر الثلاث من القضايا التي ينبغي على قادة العمل السياسي العربي والإيراني معاً ‏أن يبّحثا لها عن حّل، وإذا كانت كل القضايا جديرة بأن تنال كل الدعاية والاهتمام من أجل استقرار الشعوب ‏والبحث عن آفاق أوسع للتعاون والتطور، فإن هذه القضية ـ بصفة خاصة ـ ينبغي أن تأخذ الأولوية في أسبقية ‏الاهتمامات. ‏

إن إيران هي أكثر دول الجوار التصاقاً بالوطن العربي، ويجمع بينهما اعتبارات وقيم استراتيجية وسياسية ‏واقتصادية وثقافية وتاريخية رئيسية، ينبغي لها أن تتجدد، ولقد نهل العالم من الحضارة الإسلامية المزدّهرة ‏بعلومها وفنونها وآدابها، وكانت هذه الحضارة نسيجاً من التعاون المثمر بين العالم العربي وإيران وتركيا، بحكم ‏الجغرافيا التي جعلتهم دولاً متجاورة، لا تملك واحدة منها أن ترحل أو تجبر الأخريات على الرحيل، كما لا تملك ‏واحدة منها أن تعزل الأخريات، أو يعزلونها، فإن ذلك يفتح مجال الصراع، وسوف تدفع الشعوب في النهاية ‏الثمن، وهو إهدار المصالح والطاقات والجهود في دمار يصيب المنطقة بأسرها، ويفتح الأبواب والنوافذ للنفوذ ‏الأجنبي وتداعياته بكل ما يمثله من أخطار واضحة. ‏

في عام 1997، ظهرت مفارقة مفادها تبادل الأدوار بين دولتي الجوار الإقليمي في تفاعلهما مع الأمة العربية، ‏حيث بدأت تركيا في إدارة ظهرها للوطن العربي بالمضّي قدّماً في توطيد تعاونها العسكري مع إسرائيل. في حين ‏بدأت إيران تنفتح على الوطن العربي، بعد أن نُصَّب محمد خاتمي رئيساً للجمهورية الإسلامية الإيرانية. وأصبح ‏واضحاً أن سياسة التقارب بين إيران وبعض الدول الخليجية، قد تكون منعطفاً إيجابياً إلى بدء مرحلة جديدة ‏تستهدف التخلص من كل الشوائب التي كثيراً ما أصابت هذه العلاقات تارة بالفتور، وتارة أخرى بسوء الظن ‏وبالكثير من الشكوك. ومرت العلاقات بعقبات وأزمات بعضها كان صامتاً والبعض الآخر كان واضحاً على ‏مستوى العلنّية وتبادل المؤخذات. ‏

شهدت أعوام 97، 98، 1999 تطوراً ملحوظاً في العلاقات الخليجية الإيرانية، وفي ظل أوضاع خليجية ‏وإقليمية مشجعة، توجهت المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية لمزيد من التفاهم والتعاون ‏المشترك، نتج عن سلسلة من المبادرات الإيجابية الشجاعة من قبل الطرفين نالت الكثير من التشجيع والترحيب. ‏(1)

ينظر معظم الخليجيين بعين الرضا لهذا التقارب، ويرون أنه كفيل بالإسهام في حلّ الغالبية العظمى من ‏مشكلات المنطقة وخفض توتراتها الإقليمية، كما يرّون أن إدماج إيران في المنطقة يفتح آفاقاً واعدة، بينما يرى ‏قسم محدود من أهل الخليج خلاف ذلك وأعلنوا بعضاً من تحذيراتهم عما أطلقوا عليه "بالهرولة في اتجاه إيران". ‏وعلى الجانب الآخر، يوجد لدى القيادة السياسية في إيران ثمّة قناعة بأن التقارب مع المملكة العربية السعودية هو ‏الضمان الحقيقي لعضوية طهران في النادي الخليجي وبالتالي في النادي العربي. ويراهن البعض على أن مشكلة ‏احتلال إيران للجزر الإماراتية الثلاث، ستكون إحدى العقبات الرئيسية في تحسّن وتطور العلاقات الخليجية ‏الإيرانية والعربية الإيرانية. ‏

تؤكد الوثائق والحقائق التاريخية والجغرافية أن السيادة على الجزر الثلاث كانت، منذ أقدم العصور ولا تزال، ‏لدولة الإمارات العربية المتحدة، وثابت في القانون الدولي أن الاحتلال الناجم عن استخدام القوة لن يكسب الدولة ‏المحتلة سيادة على الإقليم المحتّل مهما طال الزمن. ‏

وهكذا يتناقض الاحتلال الإيراني لتلك الجزر وما تلاه من إجراءات وتدابير مع مبادئ الميثاق الدولي ‏وأغراضه، ويتنافى مع مبادئ القانون الدولي، وبصفة خاصة احترام استقلال وسيادة الدول ووحدة أراضيها، ‏وحسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية، ونبذ اللجوء إلى القوة أو التهديد باستخدامها وحل النزاعات ‏بالطرق السلمية. ‏(1)

أن قضية الاحتلال الإيراني بالقوة المسلحة للجزر الإماراتية الثلاث، طوال الثمانية والعشرين عاماً الماضية، ‏طريقها إلى الحل السلمي، بإنهاء احتلال إيران لها وإعادتها إلى السيادة الشرعية الشاملة لدولة الإمارات العربية ‏المتحدة، تحقيقاً للاستقرار والأمن في منطقة الخليج، وبناء السلام العادل والشامل وتحقيق الاستقرار والتوجه نحو ‏التنمية الاقتصادية حتى تتحقق جميع آمال وطموحات شعوب المنطقة. ‏

مشكلة الدراسة :

تتمثل مشكلة الدراسة في التعرف على أصل النزاع الإيراني ودولة الإمارات المتحدة حول الجزر الثلاثة ويتمثل مشكلة الدراسة في السؤال الرئيس الأتي :

ما هي جذور الخلاف بين إيران والإمارات حول الجزر ‏ العربية الثلاث في الخليج؟

تساؤلات الدراسة :

• ما التغييرات التي أدخلها الاحتلال الإيراني ‏ في حالة النزاع الإماراتي ـ الإيراني بشأن الجزر العربية الثلاث في الخليج؟

• ما أثر قيام الجمهورية الإسلامية في إيران وتطور الخلاف حول الجزر ‏ العربية الثلاث في الخليج؟

• ما هي الجهود السلمية لدولة الإمارات تجاه الأزمة؟ ‏

• موقف دولة الإمارات وأسانيدها التاريخية والقانونية اتجاه الجزر العربية الثلاث في الخليج؟

• ما هو موقف مجلس الأمن من النزاع الإماراتي ـ الإيراني بشأن الجزر العربية الثلاث في الخليج؟

فرضيتا الدراسة :

• تسعي إيران إلي فرض سياساتها التوسعية باحتلالها الجزر الثلاثة بهدف الهيمنة على المناطق الإستراتيجية في الخليج العربي.

• تسعي إيران إلي الإستفادة من الخطأ البريطاني في رسم خرائط منطقة الخليج العربي .

أهمية الدراسة:

لا شك أن استمرار احتلال الجزر الثلاث من قبل إيران هو أهم البؤر التي تؤجج التوتر في المنطقة بين الحين والآخر ، وهذا هو بالتحديد ما دفعنا للقيام بدراسة موضوعية موثقة لهذه القضية الحساسة .وإذا كنا قد اخترنا هذا الوقت بالذات للكتابة عن موضوع الجزر الثلاث والتي احتلتها إيران في نوفمبر 1971م فذلك لأربعة اعتبارات هامة :1 - أن إيران وبكل المقاييس هي قوة عظمى في الخليج ولا يمكن الاستغناء عنها في أي إستراتيجية فعالة للمحافظة على الأمن والاستقرار بالمنطقة . ويبدو أن إيران - في الوقت الحاضر - تحاول إعادة النظر في الخريطة الأمنية لمنطقة الخليج .

2 - أن الجغرافيا جعلت من التعاون بين إيران ودول الخليج العربية قدراً لا يمكن الإفلات منه بأي شكل من الأشكال . وقد ساهمت السياسة بنصيبها في هذا الاتجاه حين تمخضت الانتخابات الرئاسية الإيرانية في 23 مايو 1997م عن فوز الرئيس محمد خاتمي الذي اعتبر - في نظر معظم المحللين - بمثابة بداية مرحلة من تطور إيران من الثورة إلى الدولة . لقد أكدت الفترة الوجيزة من حكمه على صحة تصريحاته المبدئية من أن السياسة الخارجية لإيران ستركز على تحقيق الانفراج وإزالة التوتر في العلاقات مع الدول وخاصة دول الجوار العربية ... فإلى أين أدت هذه التوجهات ؟ هذا ما تثيره الدراسة في طرحها لأسلوب تعامل الحكم الجديد مع قضية الجزر الثلاث .

3 - أن واقع الوجود العسكري الأمريكي بالمنطقة على إثر حرب الخليج الأخيرة قد فرض بحساسياته دوراً حتمياً لدول مجلس التعاون لتخفيف حدة التوتر في العلاقات بين إيران والولايات المتحدة الأمريكية وإعادة فتح قنوات الاتصال بينهما ... وتقع قضية الجزر في صلب الموضوعات التي تقف عائقاً في سبيل هذا الانفراج في علاقة إيران بكل من الدول العربية والغربية معاً .

4 - أن الموضوع برمته يحيط به الغموض ويحتاج إلى من يتصدى له بالتوضيح والشرح ... وقد آن الأوان لتقديم هذا التوضيح لقضية هي في الواقع شائكة ولها جذور من الماضي غير القريب

أهدف الدراسة:

إن هدف أي دراسة علمية هو محاولة الكشف عن الحقيقة ، والواقع أن قضية الجزر الثلاث (طنب الكبرى وطنب الصغرى وأبو موسى) هي موضوع - يحيط به الغموض ويحتاج إلى توضيح وشرح كما أن الجدل الدائر بين مؤيدي الطرفان (الإمارات وإيران) قد تسبب في زيادة الغموض أكثر من توضيح أبعاد النزاع . لذا فقد هدفت الدراسة إلى تحقيق ما يلي :

أولا : كشف حقيقة النزاع ، وتتبع أسبابه التاريخية استعانة بالوثائق الداعمة والمؤيدة .

ثانيا : إلقاء الضوء على الدوافع الظاهرة والخفية التي أدت تفاعلاتها إلى خلق هذه المشكلة ، وتداعياتها منذ بدايتها حتى وقتنا الحاضر .

منهج الدراسة

تفرض طبيعة الموضوع السياسية حول السيادة على الجزر منهجاً للدراسة محايداً نستعين فيه بالوثائق والمحررات التي سمح بنشرها سواء من حكومات الدول المتنازعة أو الدولة المستعمرة (بريطانيا) ، ومن ناحية أخرى كان للتاريخ دوره في إضفاء طابع الدارسة المبني على عرض متسلسل للأحداث التي أدت الأزمة ... وكأن الاستقراء يتم في هذه الدارسة بعيون من سجلوا تاريخ المنطقة . أما الاستنباط فهو الركيزة الثانية للمنهج العلمي والذي استخدمته الباحثة للوصول إلى النتائج المنطقية دون تحيز أو انحياز .





الفصل الاول

الاحتلال الإيراني وجذور الخلاف

المبحث الأول : نبذة تاريخية عن جذور الخلاف بين إيران والإمارات حول الجزر ‏

تمتد جذور النزاع إلى القرن الثامن عشر الميلادي، وكان دائماً بين مدّ وجذر طبقاً للظروف التي كانت تحكم ‏المنطقة في ذلك الحين، وتبعاً للمتغيرات الدولية والإقليمية التي تؤثر عليها. وقد رفضت حكومة إيران منذ البداية ‏إعادة الجزر إلى أصحابها وتمسكت بقرار احتلالها. ‏

بعد انهيار دولة اليعاربه في عُمان، بدأ يسطع نجم قوة دولة القواسم وأسطولها البحري، في الساحل الجنوبي ‏للخليج العربي حيث كانت من أبرز مناطقهم رأس الخيمة والشارقة، ثم امتد هذا النفوذ في القرن الثامن عشر إلى ‏الساحل الشمالي حيث استقر بعض "القواسم"، ووضعوا الجزر والساحل المحاذي للخليج تحت سيطرتهم. ثم حدث ‏تقسيم عُرفي عام 1835م بين "القواسم" لملكية جزر الخليج، بحيث أصبحت جزيرتا سرى وهنجعام تابعة لقواسم ‏لنجه، وجزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى وصّير بو نعير تابعه لقواسم ساحل عُمان، أي رأس الخيمة ‏والشارقة، وهذا ما تؤيده وثيقة لدى السلطات البريطانية من عام 1864م عبارة عن رسالة رسمية من حاكم قواسم ‏الساحل تؤكد بموجبها تبعية جزر أبو موسى وطنب الكبرى والصغرى وصّير بو نعير له منذ أجداده الأوائل. ‏(1)

تعد هذه الوثيقة أول مستند رسمي يؤكد السيادة العربية على هذه الجزر، بالإضافة إلى أن حاكم الشارقة رفض ‏عام 1898م منح امتياز لشركة أجنبية للتنقيب عن بعض أنواع المعادن الموجودة في باطن أرض جزيرة أبو ‏موسى. مما أزعج إيران في ذلك الحين، وجعل قواتها تغزو "لنجة" وتطرد حكامها "القواسم" عام 1887م بعد أن ‏حكموا هذه المنطقة زهاء ربع قرن، ثم احتلت جزيرة سرى. ‏

في القرن التاسع عشر كانت هذه الجزر غير مأهولة بالسكان الدائمين، وكان القواسم يستخدمونها للرعي ‏الموسمي، وحينما طالبت إيران عام 1887م بهذه الجزر، كانت السلطات البريطانية تستعد لإعلان ملكيتها عليها، ‏وفي ذلك الوقت أظهر المندوب البريطاني في الشارقة نسخاً من خمسة رسائل، من بينها رسالة من الشيخ خليفة ‏بن سعيد من "لنجة" تؤكد بشكل واضح أن جزر طنب هي من أملاك الشيخ حميد بن عبدالله من رأس الخيمة. ‏

وكما يبدو أن هذه الرسائل كانت حاسّمة في إقناع البريطانيين بأن أيّاً كان المسؤول عن إدارة "لنجه" قبل عام ‏‏1887م، فإن هذه الجزيرة كانت من ممتلكات الفرع الأكبر لأسرة القواسم وليس من ممتلكات الفرع الأصغر في ‏‏"لنجه"، وفي الوقت الذي كان البريطانيون يعدون العدة لمساندة الشارقة في مطالبتها لجزيرة "سير"، علموا أن ‏إيران تطالب بالجزيرة نفسها لكنهم لم يعارضوا الأمر، وأصبحوا على استعداد للقبول باحتلال إيران للجزيرة، ‏وبعد ذلك اكتشف البريطانيون وثائق مؤرّخة بين أعوام 1884، 1908م، تظهر بوضوح أن جزيرة أبو موسى ‏تابعة للشارقة. ‏

ومن ناحية أخرى، ادعى الإيرانيون أن جزر أبو موسى وطنب كانت ـ على غرار جزيرة سير ـ تحت ‏إدارة شيخ "لنجة" في الفترة التي سبقت عام 1887م، وأشاروا إلى خرائط أعدّها البريطانيون في الفترة التي تمتد ‏بين 1886 وبداية عام 1900م، والتي تشير إلى أن البريطانيين يعتقدون أن هذه الجزر فارسية، ومن ثم برز ‏خلاف بين الحكومة الإيرانية في طهران من جهة وبين القواسم والبريطانيين من جهة أخرى حول وضع هذه ‏الجزر. ‏

في عام 1904 احتلت إيران جزيرة أبو موسى واعترف قائد الحملة الإيرانية آنذاك في تقرير له عام 1887م، ‏أن القواسم يستوطنون أبو موسى ويتخذون منها قاعدة لهم. كان الهدف من هذا الاحتلال هو منح امتياز لإحدى ‏الشركات الأجنبية للتنقيب على ثروات وخيرات الجزيرة. ‏

ولإضفاء الشرعية على هذا الاحتلال، رفعت إيران العلم الإيراني على الجزيرة، مما جعل حاكم الشارقة يحتج ‏على هذه التجاوزات، وسانده في ذلك ممثل بريطانيا في المنطقة في ذلك الوقت، الذي طالب طهران بتقديم ما يؤيد ‏سيادتها على الجزيرة. فما كان من إيران إلا أن انسحبت من الجزيرة عندما عجزت عن تقديم أية وثائق تثبت ‏ادعاءاتها. (1) ‏

في عام 1912 قرر البريطانيون إنشاء "مناره" على أرض جزيرة طنب الكبرى، وفي فبراير 1913، أثارت ‏وزارة الخارجية الإيرانية مع البريطانيين مسألة "المناره" وقضية ملكية القواسم للجزيرة. ومع اندلاع الحرب ‏العالمية الأولى، تحولت الأنظار عن المنطقة وتجمّدت العلاقات بين القواسم والإيرانيين حتى عام 1923 عندما ‏تولت أسرة بهلوي مقاليد الحكم في إيران. ‏

في عام 1923، فوجئ المندوب البريطاني في طهران برسالة من وزارة الخارجية الإيرانية تطالب فيها بجزر ‏طنب وأبو موسى، ورد المندوب البريطاني بمذكرة مفادها، أنه في عام 1904 رفضت الحكومة الإيرانية رفع ‏أعلامها على الجزر، وتوصل الطرفان إلى اتفاق شفوي مفاده أن جزيرة "سير" هي ملك للإيرانيين وأن جزيرة أبو ‏موسى وجزر طنب ملك للعرب. ‏

ثم توترت العلاقات فيما بعد بين بريطانيا وإيران، ومع ذلك، حاول الجانبان البحث عن حّل لإشكالية هذه ‏الجزر عامي 1929، 1930، وكادت هذه المباحثات أن تسّفر عن معاهدة بريطانية إيرانية، إلا أن المباحثات ‏توقفت وتقدمت إيران بطلب استئجار جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى من رأس الخيمة لمدة خمسين عاماً، ‏ورفضت بريطانيا، ثم مع بداية عام 1935، احتج الإيرانيون حين منح حاكم الشارقة لشركة بريطانية حق امتياز ‏تصدير الأكسيد من جزيرة أبو موسى. وعلى الرغم من ذلك فقد خفت حدة الخلاف كثيراً، وبدأت بعض العائلات ‏العربية والفارسية تقطن هذه الجزر، قدّر حجمها بخمسّ عائلات إيرانية وخمسّة عشر عائلة عربية، وفي عام ‏‏1941 صرّح الإيرانيون أن شقيق حاكم رأس الخيمة يحصل على ضرائب من العائلات الإيرانية والعربية التي ‏تقيم في هذه الجزر. وخلال الخمس والعشرين عاماً التي تلّت الحرب العالمية الثانية، وقعت عدة أحداث بسيطة، ‏وقدم المندوبان البريطاني والإيراني اقتراحات عديدة لتسوية الخلاف حول الجزر، إلا أن هذه الاقتراحات لم تؤخذ ‏بعين الاعتبار. ‏

المبحث الثاني : احتلال إيران للجزر العربية الثلاث ‏

في 29 نوفمبر 1971، زحفت قوات عسكرية كبيرة من الجيش الإيراني يساندها بعض القطع البحرية إلى ‏جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى، واحتلتهما بعد مقاومة محدودة بين عناصر الشرطة التابعة لإمارة رأس ‏الخيمة والقوات الإيرانية المتفوقة عدداً وعدّة، وقُتل ثلاثة إيرانيين وفرد من قوة الشرطة التابعة لرأس الخيمة، أما ‏باقي عناصر الشرطة فقد أصيبوا واعتقلتهم القوات الإيرانية. ‏(1)

وأُجبر سكان الجزيرة التي يقدر عددهم بـ180 على مغادرة الجزيرة إلى رأس الخيمة، تاركين ورائهم ‏منازلهم وممتلكاتهم. ‏

وكان الموقف في جزيرة أبو موسى مختلفاً تماماً، حيث قصد مندوب شاه إيران إلى الجزيرة مرافقاً للقوات ‏الإيرانية في اليوم التالي مباشرة (30 نوفمبر 1971)، وكان في استقباله في الجزيرة نائب حاكم الشارقة الشيخ ‏صقر بن محمد بن صقر القاسمي، وممثل عن الحكومة البريطانية، وسكان الجزيرة الذي يبلغ تعدادهم نحو 800 ‏نسمة. وانتشرت القوات الإيرانية في الجزء المخصص لها في الجزيرة وفقاً لمذكرة التفاهم. وهكذا قبل 48 ساعة ‏من إعلان قيام دولة الإمارات الجديدة، سقطت جزيرتا طنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتين لإمارة رأس الخيمة ‏فـي أيدي القوات الإيرانيـة يوم 29/11/1971. كمـا تمركزت القوات الإيرانية فـي جزيرة أبو موسى يـوم ‏‏30/11/1971 وفقاً لاتفاق غير عادل بين إيران وإمارة الشارقة، وبذلك حققت إيران ما كانت تخطط له قبلاً ‏باحتلالها للجزر الثلاث دون خسائر تذكر. ‏

قدمت إمارة رأس الخيمة احتجاجاً شديد اللهجة للحكومة البريطانية المسؤولة عن حماية الجزيرتين (طنب ‏الكبرى والصغرى)، تطبيقاً للاتفاقيات المبرمة بينهما والتي كانت سارية المفعول آنذاك، ولم تكن بريطانيا قد ‏استكملت انسحاب قواتها العسكرية بعد. ولكنها لم تكترث لموضوع الاحتلال الإيراني للجزر، واكتفت ببيان ‏أصدرته وزارة الخارجية البريطانية أعربت فيه عن خيبة الأمل لما حدث ولسقوط الضحايا فوق الجزر. ‏

تم الإعداد والتخطيط الجيد لاحتلال إيران للجزر، وكان للشاه رؤية إستراتيجية منسّقة ومتكاملة اعتمدت على ‏عدة ركائز أساسية وهي: ‏

‏• الاختيار الدقيق والمناسب لتوقيت تنفيذ عملية احتلال الجزر، في يومي 29، 30 نوفمبر 1971، وهو اليوم ‏السابق لانتهاء اتفاقية الحماية البريطانية للمحميات والإمارات، حيث تنتهي المعاهدة المبرمة مع بريطانيا ‏يوم الأول من ديسمبر 1971. وكان اختيار هذا التوقيت بعد أن تكون القوات العسكرية البريطانية الرئيسية ‏قد غادرت بالفعل منطقة الخليج، وليس من منطق الأمور أن تقاتل بريطانيا صديقها وحليفها الشاه لاسترداد ‏جزيرتي طنب ثم تنسحب في اليوم التالي من المنطقة. ‏

‏• تنفيذ عملية الاحتلال قبل 48 ساعة فقط من إعلان قيام دولة الإمارات العربية المتحدة كدولة اتحادية مستقلة ‏ذات سيادة تتكون من سبع إمارات (أبو ظبي، دبي، الشارقة، عجمان، أم القوين، الفجيرة، ورأس الخيمة) ‏اعتباراً من 2 ديسمبر 1971. ‏(1)

‏• ادعاء إيران أن احتلالها للجزر قبل ساعات من إعلان قيام الدولة الجديدة (دولة الإمارات العربية المتحدة)، ‏لا ينافي إمكانية التعايش السلمي مع الدولة الجديدة بدعوى أن مشكلة الجزر هي مسألة بين إيران والقواسم ‏منذ فترة زمنية بعيدة ولا علاقة لدولة الإمارات بها، وأن الأمن والاستقرار في الخليج يتحقق من خلال ‏التعاون بين الإيرانيين والعرب. ‏

المبحث الثالث : الجهود السلمية لدولة الإمارات تجاه الأزمة ‏

قام راشد عبدالله وزير خارجية دولة الإمارات العربية المتحدة بزيارة عمل إلى طهران يومي 22، 23 إبريل ‏‏1992، سلم خلالها رسالة من الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة إلى الرئيس ‏الإيراني هاشمي رافسنجاني. ‏

أكد مصدر دبلوماسي في حكومة دولة الإمارات، تمسك بلاده بحقها الكامل على كافة أراضيها، وقال المصدر ‏في تصريحه لصحيفة الأنباء الكويتية في إبريل 1992، أن دولة الإمارات تنتظر النتائج التي ستسفر عنها زيارة ‏مبعوث رئيس الدولة للتفاوض مع المسؤولين الإيرانيين حول استيلاء القوات العسكرية الإيرانية على جزيرة أبو ‏موسى. ‏

وفي أبو ظبي قرّر المجلس الأعلى للاتحاد في دولة الإمارات العربية المتحدة في اجتماعه بتاريخ ‏‏11/5/1992 برئاسة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان رئيس الدولة، اعتبار الاتفاقيات المعقودة بين أي إمارة ـ ‏من الإمارات السبع ـ والدول المجاورة، هي اتفاقيات بين اتحاد دولة الإمارات وهذه الدول، وذلك تأسيساً على أنه ‏في الاتحادات الفيدرالية ـ كاتحاد دولة الإمارات العربية المتحدة ـ تعد الشؤون والأمور المتعلقة بأعمال السيادة ‏من اختصاص الدولة الاتحادية التي تُمارسّ وتُدافعّ عن حقوق كافة الإمارات المكونة في مجموعها لها، طبقاً ‏لقواعد القانون الدستوري الذي يؤكد أن الإدارة المركزية في الدولة الاتحادية هي التي تكفل الدفاع عن سيادة ‏إقليمها من أي اعتداء خارجي. ‏

أوضح المراقبون السياسيون أن هذا القرار الذي أصدرته أعلى سلطة سياسية في اتحاد دولة الإمارات، هو أول ‏مبادرة سياسية وخطوة علنية للتعامل مع مشكلة جزيرة أبو موسى والتي فرّضت إيران سيطرتها الكاملة عليها من ‏جانب واحد مع بداية إبريل عام 1992، ومخّلة ـ بذلك ـ بمذكرة التفاهم التي وقعتها مع إمارة الشارقة عام ‏‏1971 (قبل إعلان قيام دولة الإمارات) والذي يعطي إيران وحكومة الشارقة المسؤولية المشتركة عن شؤون ‏الجزيرة ورعاية سكانها من العرب والإيرانيين. ‏

أشارت مصادر سياسية أن هذا القرار، يعد رداً إيجابياً على منطق إيران، التي تحاول بعد استكمال سيطرتها ‏على جزيرة أبو موسى، اعتبار أن هذه الأزمة من الشؤون الخاصة بينها وبين إمارة الشارقة وحدها، وترفض ‏بطريقة تدعو إلى القلق التعامل مع دولة الإمارات بشأن هذه القضية. ‏

واستمرت وسائل الإعلام الإيرانية تردد أن القضية محصورة فقط بين إيران وإمارة الشارقة. ‏

المبحث الرابع : نتائج المباحثات الإماراتية مع الجانب الإيراني

أثار الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني خلال مباحثاته مع وزير خارجية دولة الإمارات في طهران يومي ‏‏22، 23 إبريل 1992، وجهات نظر جديدة ومطالب ومواقف يمكن أن تؤثر سلباً في العلاقات بين الدولتين، منها ‏ما يلي: ‏(1)

‏• استياء إيران من وجود عمال أجانب في الجزيرة، وتعّتقد بعض المصادر الخليجية أن إيران تسّعى إلى ‏إحّلال عمال نفط إيرانيين بدلاً من العمال الذين أخرجتهم إيران مؤخراً من جزيرة أبو موسى. ‏

‏• ترى إيران أن دولة الإمارات العربية المتحدة ينبّغي أن تدفع لها تعويضات مالية، تعتقد إيران أنها تستحقها ‏بسبب الخسائر الكبيرة التي منيّت بها خلال حربها الطويلة مع العراق. ‏

‏• ترى إيران أنها غير ملزمة قانوناً ببحث وضع الجزيرة مع دولة الإمارات، ويتمسّك المسؤولون في الحكومة ‏الإيرانية بمقّولة ثابتة ومحدّدة، هي أن الاتفاق المتعلق بجزيرة أبو موسى أبرّم أصلاً بين إيران وإمارة ‏الشارقة. ‏


المبحث الخامس : تصاعد الأحداث وإعادة فتح ملف الأزمة ‏

في تصعيد مفاجئ رفضت السلطات الإيرانية في جزيرة أبو موسى السماح لسفينة نقل الركاب الإماراتية ‏‏"خاطر" القادمة من الشارقة بإنزال ركابها في الجزيرة يوم 24/8/1992. وهم أكثر من مائة من المدرسين ‏والمدرسات وأفراد عائلاتهم والعاملين من المواطنين والمقيمين في الجزيرة، وأبقّت السلطات الإيرانية السفينة ‏‏"خاطر" في عرض الخليج ثلاثة أيام، ولم تسمح للركاب بالوصول إلى مراكز عملهم وأماكن سكنهم في الجزيرة، ‏وأرغمت السفينة إلى العودة إلى الشارقة. ‏

صّرح مرتضى سّرمدي الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية في اليوم التالي للأزمة 25/8/1992، أن ‏إيران والشارقة اتفقتا على أن المواطنين والأجانب الذين يرغبون في الذهاب إلى جزيرة أبو موسى يجب عليهم ‏الحصول على تصاريح دخول من إدارة الموانئ الإيرانية، وحين طلبت السلطات الإيرانية من العمال والموظفين ‏على متن السفينة "خاطر" تنفيذ ذلك، سلمت إمارة الشارقة ملف جزيرة أبو موسى إلى وزارة خارجية دولة ‏الإمارات العربية المتحدة، فانتقلت المسألة إلى الإطار الاتحادي لدولة الإمارات. ‏

في الأول من سبتمبر 1992، صّرح مصدر مسؤول في وزارة الخارجية لدولة الإمارات بشأن ما قامت به ‏إيران يوم 24/8/1992 في جزيرة أبو موسى بأنه: "لا يتفق مع العلاقات التي ربطت بين دولة الإمارات العربية ‏المتحدة والجمهورية الإسلامية الإيرانية وينعكس سلباً على التعاون بين البلدين، في الوقت الذي ترغب فيه دولة ‏الإمارات العربية المتحدة إقامة علاقات حسن الجوار والتعاون مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية، ودولة الإمارات ‏العربية المتحدة ليّحدوها الأمل بأن تبقى العلاقات التاريخية والودّية كما عهدناها قائمة بين البلدين". ‏(1)

وفي الثاني من سبتمبر 1992، أعلن كمال خرازي مندوب إيران في الأمم المتحدة، أن منع الشرطة الإيرانية ‏ركاب السفينة الإماراتية من النزول إلى الجزيرة ينبع من مسؤولية إيران عن أمن الجزيرة، وبموجب اتفاق عام ‏‏1971 فإن الجزيرة مملوكة لإيران وإمارة الشارقة، لكن مسؤولية الأمن تقع على عاتق جمهورية إيران ‏الإسلامية. ‏

تبع ذلك إعلان أحد المصادر الرسمية في أبو ظبي يوم 2/9/1992، أن إيران قد عززت قاعدتها العسكرية ‏في جزيرة أبو موسى بزيادة أعداد العناصر العسكرية من 120 إلى ما يقرب من 500 من الضباط والرتب ‏الأخرى، وأقامت قواعد لعناصر من الصواريخ من طراز سلك وورم صينية الصنع، كما بدأ الإيرانيون إقامة ‏إنشاءات عسكرية في الجزيرة وتعزيز وجودهم العسكري عليها، وتسّيير دوريات عسكرية في أرجاءها، وأصّروا ‏على ضرورة حصول كل من يرغب في الدخول إلى الجزيرة الحصول على إذن إيراني مسّبق بذلك. ‏

رفضت السلطات الإيرانية مجرد استلام مذكرة دبلوماسية من وزارة الخارجية لدولة الإمارات حول هذا ‏الموضوع. ‏

زار وفد إماراتي برئاسة وزير الخارجية طهران يومي 22، 23 إبريل 1992. والتقى الوفد بكبار المسؤولين ‏الإيرانيين للتباحث معهم بشأن الإجراءات التي اتخذت ضد مواطني وموظفي دولة الإمارات في جزيرة أبو ‏موسى. بعد هذه الزيارة، صعّدت إيران الأحداث ومنّعت ركاب السفينة "خاطر" من النزول إلى الجزيرة، بعد أن ‏اتبعتهم في عرض الخليج عدة أيام، وأعلنت بعد عدّة أيام مسؤوليتها عن أمن جزيرة أبو موسى. ‏

ولكي تعطي إيران موضوع الأمن -الذي يتسّم بحساسية بالغة في منطقة الخليج- بعداً خاصاً، فقد أعلن ‏الرئيس الإيراني هاشمي رافسنجاني عن اكتشاف إيران شبكة مسلحة داخل الجزيرة. وبتقصّي الحقائق اتضحّ أن ‏هذه الشبكة لم تكن سوى خبير هولندي من العاملين في تطهير مياه الخليج من الألغام البحرية التي زُرعت خلال ‏الحرب العراقية ـ الإيرانية، والذي لم يكن يحمل معه عند إلقاء القبض عليه، سوى سلاح شخصي للدفاع عن ‏النفس. ‏

أثار راشد عبدالله وزير الخارجية لدولة الإمارات العربية المتحدة، هذا الموضوع في خطابه أمام الأمم المتحدة ‏في 30 سبتمبر 1992 جاء فيه: ‏

‏"لقد قامت السلطات الإيرانية باتخاذ مجموعة من الإجراءات والتدابير غير القانونية بشأن جزيرة أبو موسى ‏انتهاكاً لمذكرة التفاهم لعام 1971. ولقد عبرت بلادي عن رفضها لهذه الإجراءات لما تمثله من انتهاك صارخ ‏لسيادة ووحدة أراضي دولة الإمارات ومبدأ حسن الجوار، إلى جانب تعارضها مع نصوص وروح مذكرة التفاهم ‏التي تفتقر إلى العدالة والتكافؤ أصلاً، والتي تم فرضها في ظروف التهديد باستعمال القوة والإكراه. ‏

وتستهدف الإجراءات الإيرانية الأخيرة السيطرة على جزيرة أبو موسى وضمها إليها أسّوه بما فعلته حكومة إيران ‏في 29 نوفمبر 1971 في احتلالها العسكري لجزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى التابعتين لدولة الإمارات. ‏ومن الطبيعي أن هذه الإجراءات ستزيد التوتر وتزعزع الاستقرار والأمن في المنطقة بما يتنافى مع مفهوم ‏التعايش السلمي وحسن الجوار والعلاقات التقليدية القائمة بين البلدين" (1)

الفصل الثاني توجهات الطرفين حيال الأزمة

المبحث الأول : موقف دولة الإمارات وأسانيدها التاريخية والقانونية

المبادئ الأساسية لمنازعات الحدود في القانون الدولي

يتعامل القانون الدولي العام مع ظاهرة الحدود الدولية وما قد ينجم عنها من مشكلات ومنازعات اعتماداً على مجموعة من المبادئ الأساسية أو الحاكمة التي ينبغي أن تكون محل اعتبار عند الشروع في أي محاولة لتسوية نزاع معّين من منازعات الحدود. ولعل المبدأ الرئيسي الحاكم، في هذا الخصوص، هو ذلك المبدأ الذي يطلق عليه فقهاء القانون الدولي والعلاقات الدولية، مبدأ "نهاية الحدود الدولية واستقرارها". ونصه كالتالي:

"تتمتع الحدود السياسية الدولية منذ لحظة إتمام تعيينها وتخطيطها (ترسيمها) ـ أو حتى تعيينها فقط ـ بقدر من الثبات والاستمرارية يفترض فيها أن تنتج آثاراً قانونية ذات طبيعة دائمة وملزمة، ليس فقط في مواجهة الأطراف المعنية مباشرة، وإنما في مواجهة الكافّة، طالما تم تعيينها على أساس سليم".

أ. مبدأ خلافة الدول في معاهدات الحدود

ويفيد بأن معاهدات الحدود تعد من المعاهدات التي تجوز الخلافة فيها، أي أن الدولة الجديدة إعمالاً لمبدأ نهائية الحدود الدولية واستقرارها واستمراريتها، بوصفها الدولة الخّلف، ترث الحدود نفسها التي تم تعينيها من قبل بواسطة الدولة أو الدول السلف. (1)

ب. مبدأ لكل ما في حوزته

ومفاد هذا المبدأ، الإبقاء على الحدود السياسية بين الدول حديثة العهد بالاستقلال ـ بوضعها الراهن ـ لأنه قد يكون أخّف الأضرار التي ينبغي تحملها، وذلك ما لم تتفق الدول المعّنية طواعية وبشكل ودّي على غير ذلك.

ج. مبدأ استثناء معاهدات الحدود من نطاق تطبيق نظرية التغير الجوهري في الظروف

لا يجوز الاستناد إلى التغير الجوهري في الظروف كسبب لإنهاء المعاهدة أو الانسحاب منها في الأحوال التالية:

(1) إذا كانت المعاهدة منشّئة لحدود.

(2) إذا كان التغير الجوهري نتيجة إخلال الطرف بالتزام طبقاً للمعاهدة أو بأي التزام دولي لأي طرف آخر في المعاهدة.

المبحث الثاني : تطبيق المبادئ الحاكمة لمنازعات الحدود على حالة النزاع الإماراتي ـ الإيراني بشأن الجزر العربية الثلاث في الخليج

1. النزاع بشأن الجزر الثلاث ومبدأ نهاية الحدود واستقرارها

يُمثل التصرف الإيراني انتهاكاً صارخاً للمبدأ الأساسي مبدأ نهاية الحدود السياسية الدولية واستقرارها واستمراريتها.

فقد ظلت سيادة الإمارات مستمرة على الجزر حتى إعلان بريطانيا عن انسحابها من منطقة الخليج في أواخر الستينيات من القرن الحالي، والحق أنه إذا كان قد حدث أن سيطرت إيران فترة قصيرة جداً عام 1904 على جزيرة أبو موسى، إلا أن هذه السيطرة ووجّهت بمعارضة شديدة، سواء من جانب الحكام العرب أو من جانب بريطانيا، مما اضطرت إيران معه إلى التراجع وإنزال علمها من على الجزيرة. (1)

2. مبدأ السلوك اللاحق

تمسّك الجانب العربي دوّماً بأحقيته في السيادة على هذه الجزر، على النحو التالي:

أ. الرسائل المتبادلة بين حاكم قواسم الساحل والمسؤولين البريطانيين في الخليج، والتي أكد فيها الحاكم عن تبعية جزر أبو موسى وطنب الكبرى وطنب الصغرى له نقلاً عن أجداده.

ب. إن بريطانيا، وكما يقول السيد ريتشارد سكوفيلد من مركز الدراسات الجغرافية السياسية والحدود الدولية في بريطانيا، اعترفت دوماً بالسيادة للقواسم في رأس الخيمة والشارقة على هذه الجزر.

ج. مباشرة العديد من مظاهر السيادة في تلك الفترة، ومنها خدمات التعليم والصحة، وجباية الضرائب.

د. حرص الحكام العرب على تسجيل احتجاجاتهم على أي تصرف من جانب أي قوة دولية، من شأنه أن ينال من السيادة العربية على الجزر الثلاث.

هـ. منح حاكم الشارقة امتياز للتنقيب عن المعادن عام 1898 لإحدى الشركات الأجنبية في جزيرة أبو موسى.

و. أنشأ حاكم الشارقة منذ السبعينات من القرن الماضي استراحة خاصة له في جزيرة أبو موسى، مما يقطع بتبعيتها له.

وفيما يتعلق بالجانب الإيراني:

يكشف السلوك اللاحق لإيران في هذا الخصوص، بما لا يدع مجالاً للشك، اقتناعها بتبعية الجزر لإمارتي الشارقة ورأس الخيمة، والدليل على ذلك ما يلي:

أ. عندما حاولت إيران اتخاذ خطوات عملية في سبيل تأكيد سيطرتها على جزيرة أبو موسى، ورفعت العلم الإيراني على الجزيرة، لم تصّمد إيران أمام احتجاجات كل من حاكم الشارقة والمسؤولين البريطانيين في الخليج مما دفعها إلى التراجع وإنزال العلم، بل ووصف التصرف الذي حدث بأنه يمثل تصرفاً فردياً لم يكن للحكومة الإيرانية عّلم به من قبل.

ب. كذلك مما يقطع باقتناع إيران بعدم تَبعية الجزر لها، إبداء رغبتها عام 1930، في استئجار جزيرتي طنب الكبرى وطنب الصغرى لمدة خمسّين عاماً من إمارة رأس الخيمة، وطبقاً للروايات التاريخية، فإن حاكم رأس الخيمة لم يمانع في تأجير الجزيرتين لإيران، غير أنه اشترط شروطاً عديدة من شأنها المحافظة على سيادته على الجزيرتين، ومع ذلك فإن تطور العلاقات بين بريطانيا ـ التي كان لها النفوذ الفعلي في إمارات ومشيخات الخليج العربي في ذلك الوقت ـ وإيران، على نحو سلبي، حال بالفعل دون إتمام هذه الخطوة، وبالتالي تراجعت السلطات الإيرانية عن المضي في عرض الاستئجار.

القيمة الاستدلالية للخرائط والنزاع حول الجزر الثلاث

إذا كانت إيران قد دفعت بأن هناك عدداً من الخرائط البريطانية قد أشارت إلى تبعية الجزر للسيادة الإيرانية، ومنها تلك الخريطة العسكرية التي قدمتها وزارة الخارجية البريطانية عام 1886 لشاه إيران وظهرت عليها الجزر الثلاث باللون الفارسي، إلا أن هذا الدفع لا يصمد أمام الحقائق التالية:

أ. إن هذه الخرائط من الخرائط الخاصة التي تستخدم في أغرض الملاحة البحرية، وليس في أغراض الاستعانة بها لترسيم الحدود الدولية.

ب. إن القاعدة بالنسبة للخرائط المتعلقة بأقاليم المنطقة تؤكد على عروبة الجزر الثلاث.

ج. ثمة خريطة إيرانية، صادرة عام 1955، أشارت بوضوح إلى تبعية الجزر لإمارتي الشارقة ورأس الخيمة.

د. الاعتماد على بعض الخرائط البريطانية للقول بتبعية الجزر لإيران لا يسّتقيم وحقيقة أن بريطانيا ذاتها قد اعترفت على الدوام بتبعية هذه الجزر للجانب العربي وليس لإيران.

هـ. تشير المصادر التاريخية بما لا يدع مجالاً لأدنى شك، إلى أن الخريطة البريطانية الوحيدة التي أظهرت تبعية الجزر الثلاث لإيران، قد اعتبرت من جانب وزارة الخارجية البريطانية بأنها تمثل خطأ غير مقصود ولم يتكرر بعد ذلك. (1)

المبحث الثالث : النزاع حول الجزر الثلاث ومبدأ احترام السلامة الإقليمية

إن استخدام القوة المسلحة من جانب إيران لاحتلال هذه الجزر لا يعطي الحكومة الإيرانية ـ ومهما طالت فترة هذا الاحتلال ـ أي حق في التمسّك بالبقاء على أراضي الجزر الثلاث، إضافة إلى أن الاحتلال الإيراني لهذه الجزر يشكل مخالفة صارخة لأحكام القانون الدولي الحديث ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، التي لا تجيز استخدام القوة المسلحة أو التهديد بها ضد سلامة الأراضي أو الاستقلال السياسي لأية دولة، ومن الملاحظ أن الاحتلال الإيراني قد ووجه برفض قاطع من إمارتي رأس الخيمة والشارقة، ثم من دولة الإمارات العربية المتحدة التي انضمّت الإمارتان إلى عضويتها في الثاني من ديسمبر 1971. (1)

والحق، أنه ليس لإيران أن تدفع فيما يتعلق بجزيرة أبو موسى أن سلطتها ووجودها العسكري والمدني في الجزيرة يسّتند إلى ما سّمي بمذكرة التفاهم أو الترتيبات التي وقعتها مع حاكم إمارة الشارقة في نوفمبر 1971، وذلك لأن المذكرة تعد باطّلة قانوناً لغياب شرط التعبير الحرّ والصريح من جانب الطرف العربي الموقع عليها، لاسيما أن حاكم الشارقة ـ الشيخ خالد بن محمد القاسمي ـ قد أكرّه على التوقيع على هذه المذكرة، وذلك ما ذكره الشيخ نفسه بشأن الظروف التي صاحبت توقيعه عليها.

يقول الشيخ، "قضيت نحو عامين في استخراج الوثائق الخاصة بعروبة الجزيرة وتبعيتها للشارقة، وكلفت طائفة من رجال القانون لإعداد المستندات والحجج القانونية، وقدمت هذه الوثائق إلى الحكومة الإيرانية، ولكن منطق القوة والتهديد لم يتّح فرصة عند العقل والحجج والأسانيد الشرعية، هناك عدة عوامل أصبحت فيما بعد كتلّة من الضغوط والملابسات الدقيقة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل