المحتوى الرئيسى

مصالحة للمقاومة لا للمفاوضة

06/25 03:15

عصام نعمان

المصالحة الفلسطينية تتعثر لجملة أسباب، لعل أبرزها اخفاق حركة “فتح” وحركة “حماس” في التوافق على الشخصية المناسبة لترؤس حكومة الوحدة الوطنية . فقد رشحت “فتح” سلام فياض فيما عارضته “حماس” .

الخلاف بين الحركتين ليس على الشخصية أو الشخصيات المناسبة لهذا المركز أو ذاك . إنه خلاف يعود إلى زمن ما قبل المصالحة، ويبدو أن المصالحة والظروف التي سبقتها وأعقبتها لم تضع له حداً . فالحركتان المتنافستان على قيادة الكفاح الفلسطيني ضد الكيان الصهيوني لا تتفقان على الغاية من المصالحة .

في الظاهر، تقول الحركتان إن الغاية من المصالحة تحقيق الوحدة الوطنية التي تصدعت منذ الانتخابات التشريعية قبل نحو أربع سنوات، وتوحيد السلطتين القائمتين في رام الله وغزة . في العمق، تختلف الحركتان على مسألة المفاوضات . “فتح” لا ترى غضاضة في مفاوضة “إسرائيل” وفق شروط معينة . “حماس” ترفض مفاوضة العدو لجملة أسباب أبرزها أن ميزان القوى الحالي مائل لمصلحته الأمر الذي يحمله على رفض خيار المفاوضات جهاراً نهاراً . ثم هل ينسى الفلسطينيون أن المفاوضات الماراثونية منذ اتفاقات أوسلو للعام 1993 أفضت إلى لا شيء، وأنها انتهت إلى التوقف في العام الماضي رغم “مناشدات” الرئيس الأمريكي لرئيس الوزراء “الإسرائيلي” وقف الاستيطان لأشهر معدودة؟

باختصار، السلطة الفلسطينية، ومن ورائها “فتح”، ما زالت ترى جدوى في مفاوضة “إسرائيل”، وهي لن تتأخر عن الاستجابة إذا ما تمكّن الرئيس أوباما أو الاتحاد الأوروبي أو اللجنة الرباعية الدولية من إيجاد أساس مقبول لاستئنافها قبل بدء الدورة السنوية لاجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة مطلعَ شهر سبتمبر/ايلول المقبل . وبما أن “إسرائيل” عارضت المصالحة الفلسطينية، وترفض مفاوضة الفلسطينيين بوساطة حكومة تشارك فيها “حماس”، فإن “فتح” تحاول المجيء بحكومة من التكنوقراط والمستقلين برئاسة سلام فياض لقطع الطريق على أي تحفظات “إسرائيلية” في هذا المجال .

“حماس” ترفض هذا “المنطق” برمته . فإلى معارضتها مبدأ التفاوض غير المجدي في ظل ميزان القوى الحالي المائل بقوة لمصلحة العدو، يشير قادتها إلى بؤس تجارب المفاوضات في الماضي وإلى سلبية تصريحات نتنياهو في الحاضر لتستنتج بأن العدو ليس في صدد التفاوض بل هو ماضٍ في مشروعه الاستيطاني التوسعي مستغلاً حال الانقسام والتشرذم التي تلف العالم العربي .

نتنياهو لم “يبخل” على أحد في توفير الأدلة على رفضه المفاوضات . فقد نقل الكاتب اتغار كيرت الذي طلبت منه صحيفة “هآرتس” (17/6/2011) مرافقة نتنياهو خلال زيارته الأخيرة إلى إيطاليا، وجهة نظر رئيس حكومة “إسرائيل” في النزاع الفلسطيني “الإسرائيلي” بقوله عنه “إنه نزاع غير قابل للحل لأنه ليس صراعاً على الأرض ( . . .) إن سبب النزاع وسبب استمراره هو رفض (الفلسطينيين) الاعتراف بالدولة القومية للشعب اليهودي ضمن أية حدود كانت” .

في تعليقها على تصريحات نتنياهو، قالت “هآرتس”: “ما يطلبه نتنياهو من الفلسطينيين هو التخلي عن هويتهم الوطنية والاعتراف ب”إسرائيل” “دولة للشعب اليهودي”، والتعهد بأن ليهود بروكلين أو يهود لندن حقوقاً في هذه الأرض أكثر مما للمواطن العربي في تل أبيب أو القدس أو حيفا .

وفي الحقيقة، إنه يطلب منه الاعتراف بأن الفلسطينيين هم غزاة أجانب لهذه الأرض”، عندما يعتبر نتنياهو الصراع بين “إسرائيل” والفلسطينيين بأنه “نزاع غير قابل للحل”، فأي جدوى تبقى للمفاوضات، هذا إذا وافق أصلاً على إجرائها؟ وإذا وافق على إجرائها شريطة اعتراف الفلسطينيين ب”يهودية” “إسرائيل” وحل قضية اللاجئين داخل الدولة الفلسطينية، فهل ينهي المفاوضات قبل أول سبتمبر/ايلول المقبل، موعد عرض مشروع الاعتراف بدولة فلسطينية على خطوط العام 1967 أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، أم يماطل بها لتعطيلها؟

ثم، ألا يدرك قادة السلطة الفلسطينية أن الجمهور “الإسرائيلي” ليس أقل تطرفاً من نتنياهو وليبرمان ومن لف لفهما في رفض المفاوضات ورفض تفكيك المستوطنات “غير القانونية” (كأنما سائر المستوطنات شرعية وقانونية!)؟ فقد كشف استطلاع جديد للرأي العام أجراه المركز الجامعي في مستوطنة اريئيل في الضفة الغربية أن عدد “الإسرائيليين” الذين يؤيدون تفكيك مستوطنات في المناطق المحتلة انخفض خلال العام الماضي بنحو 50 في المئة، وذلك من نسبة 27 في المئة إلى نسبة 14 في المئة (صحيفة “معاريف” 17/6/2011) .

عندما يصبح “خيار” التفاوض معدوماً أو شبه معدوم أو، في الأقل، غير مجدٍ البتة قياساً على التجارب البائسة الماضية، هل يبقى من معنى لحرص “فتح” على ترئيس سلام فياض حكومة الوحدة الوطنية بدعوى أنه سيكون مقبولاً من “إسرائيل” إذا ما وافقت هذه الاخيرة على إجراء مفاوضات؟

الحقيقة ان للمصالحة الفلسطينية في هذه المرحلة ثلاثة مسوّغات بل موجبات أساسية:

* أولها، تحقيق الوحدة الوطنية بين الفلسطينيين وبالتالي توحيد السلطتين القائمتين في الضفة الغربية وغزة ليكون للشعب الفلسطيني في الوطن المحتل كيان واحد وقيادة واحدة في هذه المرحلة العصيبة .

* ثانيها، تأليف حكومة وطنية جامعة للإشراف على إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية حرة ونزيهة ما يؤدي الى تجديد القيادات الفلسطينية بعد طول ركود وجمود .

* ثالثها، توحيد الجهود الفلسطينية وتنسيقها مع الدول الصديقة من أجل عرض مشروع قرار على الجمعية العامة للامم المتحدة يقضي بالاعتراف بدولة فلسطينية مستقلة على خطوط العام 1967 الأمر الذي يجعل الوجود الصهيوني في الضفة الغربية، ولاسيما في القدس الشريف، احتلالاً منافياً للقانون الدولي ولميثاق الأمم المتحدة . وفي هذه الحال، يكون من حق الشعب الفلسطيني وحكومته المنتخبة مقاومة الاحتلال بكل الوسائل المتاحة وعقد التحالفات مع الدول المستعدة لدعمه سياسياً واقتصادياً وعسكرياً .

الغاية المتوخاة من المصالحة، إذاً، توفير أساس صلب لتفعيل المقاومة، المدنية والميدانية، للاحتلال الصهيوني بغية تحرير كامل التراب الفلسطيني وإقامة الدولة الديمقراطية السيدة المستقلة .

لتكن هذه الغاية المعيار الأساس في اختيار الشخصية المستقلة المطلوبة لترؤس الحكومة الوطنية الموحدة في هذه المرحلة العصيبة .

* نقلا عن "الخليج" الإماراتية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل