المحتوى الرئيسى

اتفاق ألماني فرنسي علي تأجيل حسم أزمة اليونان

06/25 01:47

امرة أخري تثبت الأحداث أنه بدون اتفاق فرنسي ألماني تبقي كل أزمات الاتحاد الأوروبي بدون حل‏.‏ ولكن هذا لا يعني أن الاتفاق بين المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي نيكولاي ساركوزي حسم أزمة اليونان.

بقدر ما كان محاولة يائسة لامتصاص حالة القلق في الأسواق من حالة التخبط بين السياسيين الأوروبيين والتي دفعت الكثيرين إلي توقع أن تأتي لحظة ليمان براذرز إلي الأسواق الأوروبية في إشارة واضحة إلي بداية الانهيار المالي في عام2008 مع إعلان بنك ليمان براذرز الأمريكي إفلاسه. الاتفاق ربما أنقذ منطقة اليورو من حافة الهاوية لكنه بالتأكيد لا يحل مشكلة اليونان بل يؤجل لحظة حسم بدأت الأسواق تستعد لها حينما تصبح إعادة جدولة الديون هي البديل المقبول سياسيا من كل الأطراف.

الاتفاق وصف بأنه تنازل رئيسي من جانب المستشارة ميركل التي كانت تصر علي أن يشارك الدائنون في أي خطة إنقاذ جديدة لليونان سواء بالمساهمة في تمويل الخطة أو بإعادة جدولة للديون السيادية, أو القبول بخسائر من خلال خفض قيمة المديونية التي تقدر بنحو347 مليار يورو. ولكن إزاء التحذيرات القوية من جانب البنك المركزي الأوروبي من أن أي محاولة لإجبار الدائنين ستترجمه الأسواق إلي حالة إفلاس فعلي لليونان ـ تنتقل مخاوفه تلقائيا إلي الحلقات الضعيفة الأخري مثل أيرلندا والبرتغال وإسبانيا, وستمثل قيدا خطيرا علي امكانية قبول البنك المركزي الأوروبي لسندات الخزانة اليونانية كضمان لضخ سيولة جديدة إلي النظام المصرفي اليونان ـ اضطرت ميركل إلي القبول بحل أقل حسما وهو مشاركة الدائنين الطوعية في تأجيل مطالبة اليونان بسداد قيمة السندات حين يأتي أوانها.

قبول الرئيس الفرنسي ساركوزي لهذا الحل عكس أيضا محاولته درء الخطر عن البنوك الفرنسية التي تعد ثاني أكبر دائن لليونان بعد البنوك اليونانية المحملة بنحو70 مليار يورو. أما البنوك الفرنسية فهي تحمل في دفاترها رقما يتراوح ما بين25 إلي30 مليار يورو تليها البنوك الألمانية ثم البريطانية والأمريكية والايطالية. ومن ثم فأي رائحة تشتم إزاء حالة إفلاس اليونان كان يمكن أن تسبب أزمات متعددة للبنوك في عدة دول أوروبية, وهي الورقة الرابحة التي مازالت اليونان تلعب بها وتراهن عليها لكسب الوقت.

التنازل الألماني أبقي علي الحجة الأساسية قائمة وهو أنه لا يمكن الاستمرار في تحميل دافع الضرائب الأوروبي تكلفة الإنقاذ وحده وأن المستثمرين يجب أن يتحملوا بعض الخسائر عن مخاطرتهم بإقراض اليونان دون اجراء الحسابات الواجبة. ولكن تحديد مدي ما سيتحمله المستثمرون مسألة ستخضع لمساومات ومفاوضات صعبة خاصة أن المستثمرين متنوعون بين مؤسسات مثل البنك المركزي الأوروبي, وبنوك مركزية وتجارية متعددة, وصناديق سيادية صينية وعربية, ولكن الأكثر أهمية هي صناديق المعاشات وهي الأقل تقبلا للمخاطرات في ظل عدم وضوح الرؤية.

الاقتراح الوسط الألماني الفرنسي لم يصل بالحل إلي هذه المرحلة بعد. فكل ما تم التلويح به هو تطبيق مبادرة فيينا لعام2009 التي تدعو الدائنين إلي عدم مطالبة اليونان بسداد قيمة السندات التي يأتي أوان استحقاقها خلال الثلاث السنوات المقبلة, دون خفض لقيمة الدين ذاته. وهو يتعلق بديون حجمها85 مليار يورو فقط, في حين أن اقتراح وولفجانج شوبل وزير المالية الألماني بإعادة جدولة الديون علي مدي سبع أو ثماني سنوات كان سيشمل ديونا حجمها270 مليار يورو.

يضاف إلي ذلك ان الاقتراح يتوقف علي قبول الحكومة اليونانية لخطة تقشف حادة تتضمن خفض الانفاق بنحو28 مليار يورو وتطبيق خطة خصخصة تدر نحو50 مليار يورو من الإيرادات وهي حتي في حالة موافقة البرلمان عليها ستواجه صعوبات كبيرة عند التطبيق.

صراع الأسواق والسياسيين

التساؤل المطروح الآن هو هل تكفي خطة الإنقاذ الثانية لليونان في كسبها ثقة الأسواق وعودتها إلي الاقتراض منها؟ الإجابة المنطقية هي لا. فالمستثمرون في الأسواق يدركون أن الخطة لا تحفز الاقتصاد علي النمو وبالتالي لن تتحقق الإيرادات الضرائبية التي يمكن ان تخفف أعباء الدين التي ستظل نسبتها150% من الناتج المحلي الاجمالي حتي نهاية الخطة في عام.2014 وبالتالي فإنهم يأخذون في اعتبارهم أن اليونان لن تتمكن من سداد ديونها بالكامل وأنه في وقت ما خلال تنفيذ الخطة سيحدث تطور ما يدفع الأطراف كلها إلي قبول حل إعادة جدولة الديون وتحمل الخسائر حتي يمكن خفض أعباء الدين بشكل حقيقي.

هذا التوقع يدفع مؤسسات التقييم الائتماني إلي رفع تكلفة شهادات إعادة تأمين الديون اليونانية, ورفع أسعار الفائدة علي سنداتها السيادية, وإعادة تقييم الجدارة الائتمانية للبنوك المحملة بهذه الديون وبغيرها من ديون الحلقات الضعيفة الأخري في منطقة اليورو. ولهذا فالطريق الأفضل هو التعامل مع الواقع بجدية والبدء في التفاوض مع نحو30 بنكا أوروبيا الأكثر انكشافا علي هذه الديون حول أكثر الطرق أمانا لخفض الدين دون أن تتأثر سلامتها الائتمانية للخطر.

في مقدمة هذه البنوك تقف البنوك اليونانية ذاتها التي اجتاز بعضها الأزمة المالية بأمان واستطاع تعبئة رؤوس أموال جديدة من الأسواق ولكنها منكشفة علي نحو70 مليار يورو من السندات السيادية اليونانية. الحل المتاح الآن لا يقلل من انكشافها. الحل الثاني الذي تقترحه ألمانيا والخاص بإعادة جدولة الدين دون خفضه يمكن أن تستوعبه البنوك اعتمادا علي الدعم الذي يمكن أن تحصل عليه من مخصصات الدعم الأوروبي لها والمقدر بنحو عشرة مليارات يورو. أما الحل الثالث والذي يربط إعادة الجدولة بخفض قيمة الدين ذاته بنسب تتراوح ما بين20 إلي50% فيتطلب دعما أوروبيا أكبر لإعادة رسملة هذه البنوك.

لحظة ليمان براذرز ليست حتمية الوقوع أوروبيا كما يتصور البعض, لأن معظم البنوك بدأت تستوعب الدروس وتتخفف من السندات المشكوك في سدادها أوتخصص من احتياطيها ما يقيها العواقب في حالة العجز عن السداد.

وفي نهاية الأمر فإن الغالبية العظمي من الديون اليونانية هي في قبضة مؤسسات كبيرة مثل البنك المركزي الأوروبي والبنوك المركزية والصناديق السيادية التي يمتزج فيها القرار السياسي بالقرار الاقتصادي. حتي الآن يقف البنك المركزي الأوروبي حائط صد أمام أي محاولة للتفاوض علي إعادة الجدولة خوفا من عامل انتقال العدوي وتمسكا بشروطه. ولكن ما ينبغي التحوط منه هو ان لحظة ليمان براذرز لن تكون بسبب اليونان التي مازال اقتصادها يمثل نسبة ضئيلة من اقتصاد منطقة اليورو ولكن من الإشارات الخاطئة التي يعطيها السياسيون إلي الأسواق ويدفع إلي القلق بشأن اقتصادات أكبر حجما وأكثر خطورة مثل إسبانيا وايطاليا.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل