البلطجية احتلوا التحرير والثورة راحت عليها
حال ميدان التحرير بعد الثورة يضع احتمالين لا ثالث لهما، الأول أنها مخطط من الثورة المضادة لتشويه سمعة الميدان الذي تحول إلي رمز لإسقاط نظام مبارك، والاحتمال الثاني أنها آفة الإهمال واللامبالاة التي يبدو أنها انتقلت من وزراء نظيف إلي حكومة شرف التي كنا نعتقد أنها ستحج للميدان صباحاً ومساء باعتباره اليد التي وضعتهم علي كراسيهم.
الاحتمالان يجب التوقف أمامهما، بتعزيز من المشاهد التي تدمي قلوب الثوار الغيورين علي رمز حاضن ثورتهم، فجولة «الوفد الأسبوعي» في ميدان الثورة كشفت عن الحالة المزرية التي وصل إليها التحرير، وتستدعي محاسبة المسئول عن هذا العار لو كنا حقاً نرغب في دخول عصر جديد قائم علي المكاشفة والمحاسبة.
هنا البلطجة تحكم كل شيء، والقبح يكسو كل ركن، فأمام مجمع التحرير يرتع عدد من أطفال الشوارع ويتحرشون بالمارة بكل حرية بل ويطاردون السياح القليلين المارين بالميدان لمطالبتهم بالأموال، حيث إن غالبية السياح القادمين إلي مصر باتوا يحرصون علي زيارة ميدان التحرير الذي حظي بشهرة عالمية لمشاهدة الموطن الأصلي للثورة المصرية، حتي إن شركات السياحة باتت تضم إلي جولات السياح بالمناطق الأثرية والتجارية، جولة بميدان التحرير، لكن بالتأكيد بعدما يرون هذه المشاهد لن يعودوا إليه مجدداً.
علي مقربة من ذلك يفرش الباعة الجائلون بضائعهم علي الأرصفة بصورة أقرب ما تكون إلي ميدان العتبة والموسكي، كل السلع متوفرة من الأجهزة المنزلية مروراً بعدد العمال والبرفانات ولعب الأطفال ووصولاً إلي الملابس والأجهزة الكهربائية، سوق مفتوح بكل ما تحمل الكلمة من معني، والباعة ينادون علي بضاعتهم بكل أريحية وكأن هذا المشهد طبيعي وكأن الأمن لم يوجه لهم ولو لوماً لما يقترفونه في حق ميدان الثورة.
وبالقرب من نزلة المترو القريبة من الجامعة الأمريكية يقف رجل علي عربة خشبية، بجواره جوال فحم ضخم وأمامه «قصعة» يشوي فيها الذرة وحوله يلتف الزبائن في انتظار نضج طلبهم، وفي الخلفية بائع يستغل السور الفاصل بين الرصيف والشارع في نشر الملابس الجاهزة التي يقوم ببيعها وهي عبارة عن تيشيرتات وبنطلونات وشرابات وغيرها.
وأمام مجمع التحرير أصبح بيع المخدرات عيني عينك في ظل الفراغ الأمني وضياع هيبة الشرطة، وتمثلت البلطجة في أوضح صورها بسرقة السلاح الميري للملازم الذي دافع عن الصحفية ماريانا عبده، وتكرر السيناريو نفسه من خلال سرقة سلاح ميري آخر لأمين شرطة من قبل البلطجية الذين يعيثون فساداً في ميدان الثورة.
«يلا هنرجع تاني» بهذه الكلمات تحدث أحمد رمضان منفعلاً مع زوجته وأبنائه بعد وصولهم إلي ميدان التحرير في أول زيارة له بعد الثورة، مؤكداً أن المكان تحول إلي تجمع للشباب المنحرف وضاعت كل علامات وذكريات الثورة، وأصبح من المعتاد أن تشاهد المعاكسات والتحرش دون اعتراض من أحد.
وقال رمضان ونبرة حزن واضحة تسيطر علي صوته: كان الهدف من زيارتي هو مشاهدة المكان الذي قامت فيه الثورة العظيمة وآثارها التي توقعت أن يعبر عنها كل جزء في الميدان، لكن المفاجأة كانت في انهيار رمز الثورة.
أما رامي صلاح ويعمل في إحدي شركات السياحة بميدان التحرير، فقال: تحملنا ما حدث لنا من خسائر منذ بداية الثورة، وبعد انتهاء الاعتصامات توقعنا أن تعود الأمور إلي طبيعتها وتبدأ حركة السياحة في العودة، لكن ما حدث هو الفوضي التي لا نعرف لها نهاية حتي الآن، متسائلاً: لماذا نحاول تشويه كل شيء جميل يحدث في البلد.
فيما أوضح رضا عواد، موظف في محافظة القاهرة، أن ما يحدث في ميدان التحرير أسوأ استغلال لهذا المكان، مضيفاً أن ميدان التحرير كانت له مكانة كبيرة حتي قبل الثورة، فكان المكان الذي يقصده الجميع للتنزه والسهر خاصة بالنسبة للأسر الفقيرة، لكنه الآن أصبح نسخة ثانية من ميدان العتبة، موضحاً أن تواجد الباعة الجائلين أصبح أمراً معتاداً وغالباً ما تحدث بينهم مشاجرات، قد تصل إلي تعطيل حركة المرور في الشارع، خاصة في ظل الغياب الأمني.
ويقول صلاح الشيمي، موظف أمن في مجمع التحرير: الكارثة ما يحدث في منتصف الليل، حيث يتحول الميدان إلي تجمعات لأطفال الشوارع والبلطجية ومروجي المخدرات الذين ينتشرون علي نواصي الشوارع المتفرعة من ميدان التحرير، خاصة أن وجود الشرطة ليلاً شبه معدوم وإن وجدت فإنها لا تحاول الاحتكاك بهذه العناصر، محذراً من تحول الميدان إلي بؤرة موبوءة.
ويقول اللواء عماد أبوالفتوح، مساعد وزير الداخلية للعلاقات العامة والإعلام: إن تواجد الشرطة بدأ تدريجياً في ضبط العديد من المخالفات التي تحدث وبدأت الشرطة تفرض الأمن في الشارع بصورة ملحوظة، فما قام به مأمور قسم مصر القديمة خير دليل علي ذلك، موضحاً أن ميدان التحرير أصبح رمزاً للثورة وتتوالي فيه الاحتجاجات المشروعة، لكن المظاهر السلبية التي أصبحت منتشرة في ميدان التحرير تحتاج إلي تعاون المواطنين مع رجال الشرطة في ظل التوجه الجديد لوزارة الداخلية للقضاء عليها، وتطبيق القانون علي كل من يحاول تجاوز الشرعية في الميدان سواء من الشرطة أو المواطنين.
ويشدد أبوالفتوح علي دور الإعلام، وضرورة تقديمه معالجات إعلامية ترفع من درجة التعاون بين المواطنين ورجال الشرطة لتحقيق الصالح العام الذي يعود علي الجميع بالخير، وإبراز المواقف الإيجابية التي تحدث من رجال الشرطة كما تذكر السلبيات التي تحدث.
Comments