المحتوى الرئيسى

حكام يريدون أن يصبحوا آلهة بالقوة بقلم:قيس مراد قدري

06/24 18:05

يستحيل على أي زائر الى الدول المتحضرة والراقية معرفة اسم الحاكم أو حتى شكله الا اذا كان متبحرا أوقاصدا المعرفة من خلال وسائط الاتصال التكنولوجية الحديثة؛ اذ لامجال للاستدلال عن ذلك لا في المطارات ولا في الشوارع العامة ولا حتى في المؤسسات الحكومية.

صورة الحاكم عند المتحضرين تحفظ لدى الشعوب وفقا لما يسهم به في نهضة بلده؛ فلا صور ولا تماثيل له في كل الأماكن العامة على عكس أنظمتنا العربية الشمولية الذين لديهم عقدة نقص وعليهم أن يغرسوا حب الجماهير بالقوة عبر نشر عشرات اللآف من صور وتماثيل تمجد القائد الملهم في كل المياديين.

المكان الوحيد الذي يخلوا من طلعة الحاكم البهية هي المراحيض العامة التي يستطيع المواطن تفريغ ما بداخله عندها دونما منغصات.

حكامنا الذين جثموا لعقود على رقاب شعوبهم يدركون بلا شك أن وصولهم الى السلطة لم يأت بارادة شعبية حرة حتى وان قاموا بالتحايل عبر اجراء انتخابات صورية مغلفة بثوب ديموقراطي واهن؛ كأن يؤتى بشخصية منافسة للحاكم في انتخابات معدة سلفا يمنحونه 2 أو 3% ليبدوا الحاكم مرضيا عنه شعبيا وأنه وحده حبيب الملايين.

نموذج آخر هو ما يسمى بالبيعة حيث لا منافس لرأس الهرم السياسي؛ أي شرعنة وجوده؛ وطبعا هنا يساق الموظفين والعمال وكل فئات الشعب بقوة الأجهزة الأمنية للتصويت، وويل لمن لايفعل لأن نتيجة ذلك زيادة في طابور العاطلين عن العمل؛ أو بمعنى آخر محاربة من لا يحب الزعيم في لقمة عيشه في أضعف الحالات ان لم يكن الصاق تهمة خيانة الوطن بحق كل من تسول له نفسه أن لا يكون محبا لرمز الأمة ومصدر فخارها وعزتها؛ وبذا يحصل الزعيم القائد على بيعة شعبية تصل في عالمنا العربي الى حدود 100% وان تواضع فأقل من ذلك بقليل.

هذا ما شهدناه في كل الجمهوريات العربية الشمولية والتي يكاد يستنسخ كل منها الآخر من حيث استعمال القبضة الحديدية (والبلطجية أو البلاطجة) في وجه أية معارضة سياسية وغالبا ما تناط شؤون الأمن والحرس الجمهوري ووحدات النخبة العسكرية لأبناء الزعيم وأشقائه وأبناء أشقائه وأبناء عمومته وأخواله لتكون الأسرة هي العين الساهرة على بقاء الحكم والحفاظ على مكاسبها الأسرية الشخصية.

أداة أخرى يستعين بها الحاكم العربي؛ ألا وهي بدعة حزب سياسي يضم في عضويته المستفيدين والمتسلقين ليساعدوه في احكام قبضته على الشارع؛ وقد رأينا ذلك في كل من تونس ومصر قبل الثورة وفي سورية واليمن حتى اللحظة؛ في حين تميز القذافي كعادته بخلق مليشيات موالية له ولابنائه مقابل منح أفرادها امتيازات تجعلهم يستميتون في الدفاع عنه وعن عائلته على حساب الجيش الوطني الذي قام بتهميشه وتفتيته بطريقة ممنهجة منذ فشله في الحرب الليبية- التشادية.

ما لايدركه ما تبقى من اؤلئك الحكام أن زمن الزعيم الأوحد والحزب الأوحد أصبح شيئا من الماضي والشعوب أدركت الآن أن أحد أبرز معوقات التنمية هي تلك العقلية المتخلفة التي يساسون بها ولكي يخرجوا من واقعهم المرير والانعتاق من تلك الأنظمة يتطلب تقديم التضحيات وهو ما تشهده الساحات العربية بدرجات متفاوتة وان كان أبرزها ما يجري في كل من سوريا واليمن وليبيا وهذه الأنظمة الثلاث لا شك أنها قد انتهت منذ اللحظة الأولى التي وجهوا فيها بنادقهم نحو شعوبهم .

الثورة التونسية والمصرية كشفتا مدى الفساد المستشري في النظام الرسمي العربي؛ سواء أكان الحاكم رئيسا أم ملكا أم أي مسمى آخر ففي نهاية الطاف هناك شلة صغيرة تستحوذ على مقدرات البلاد تساندها فئات صغيرة لمجرد حصولها على بعض الفتات في حين يلهث المواطن بحثا عن رغيف العيش.

ليبيا بلد قليل السكان ويدخل للبلاد صباح كل يوم ما يعادل 150 مليون دولار يوميا من عائدات النفط...فلماذا الشعب فقير وبدون بنية تحتية تذكر في حين يجري الحديث عن مليارات مكدسة في حسابات بنكية للعقيد وأبنائه؟

والأمر نفسه ينسحب على اليمن؛ أما سوريا فلا بد من التوقف عندها بعض الشيء دون انكار أن أياد خفية ومن بينها الموساد الاسرائيلي تريد العبث بأمنها الوطني لكن هذا لا يعني أن الأصوات المطالبة بالتغيير غير حقيقية؛ وعائلة الرئيس متهمة بالفساد ومنذ عقود طويلة والا كيف تفسر المليارات التي اشترى بها رفعت (عم الرئيس) الأسد مدنا بأكملها في اسبانيا وممتلكات أخرى في دول أوربية أخرى؟ ثم كيف لشاب في عمر رامي مخلوف (41 سنة) ابن خال الرئيس وابن أحد كبار المسؤولين الأمنيين الحصول على كل تلك المليارات في زمن قياسي؟

ان أعلان مخلف عن اعادة الأموال ووضعها في تصرف الفقراء لا يلغي عنه صفة الفساد (هذا ان صح قوله)؟ ألم يحصل على كل تلك الأموال من خلال صفقات مربحة لمجرد صلة قرابته بالرئيس في حين حرم القطاع الخاص منها؟. ألم يكن كل هذا من قوت الشعب السوري؟.

في عالمنا العربي يمكنك سب الذات اللآهية؛ فلا ضرر ولا ضرار اذا ما استغفرت ؛أما سب الحاكم فيودي بصاحبه وراء الشمس.

الزمن تغير؛ لكن عند حكامنا مازال الحال كما هو؛ الشعب وكل مقدراته في خدمة الحاكم وليس العكس؛ويكفي لو نظر الحكام الى ما حل بالصور والتماثيل والشوارع التي كانت تحمل أسماء من سبقهم من أمثال السادات وزين العابدين ومبارك الذين ظنوا أنهم سيخلدون بها كلها أصبحت أثرا بعد عين.

التغيير آت لا محالة، وكل من دلس وأفسد مصيره مزبلة التاريخ: فالشعوب أيضا تمهل ولا تهمل.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل