المحتوى الرئيسى

يوميات ثائر فى الأرياف..بقلم : حمدى البابلى

06/24 17:55

ذات يوم صيفى حدثنى أبى رحمه الله عن لقاء جماهيرى سيعقد فى مساءاليوم التالى ، كان للتعريف بالحزب البائد الذى أطاحت به ثورة الشعب فى 25يناير،وقال لى أريدك أن تحضر هذا المؤتمر ، كنت وقتها مازلت طالباً بكلية الهندسة ويعلم العميد قبل الطلاب مشاكساتى مع الحرس الجامعى ،وكانت تلك الأخبار تصل إلى مسامع والدى من زملائى بالكلية بنفس القرية التى أقطنها ،ولا أعرف إلى اليوم لماذا دعانى لهذا المؤتمر ، فقد كان لايفصح لى عن مكنون صدره أبداً،كان اللقاء فى باحة فناء الوحدة المحلية التى تحمل إسم قريتنا بصفتها القرية الأم لجيرانها، ذهبت متأخراً بعض الشىء حتى أستمتع بالمناقشات وصمت الحضور ،فلا أحب مطلقاً تلك الجلبة التى دائماً ماتكون فى اللحظات الأولى لتنظيم الحضور حتى يستتب السكون،كان المتحدث هو سيادة اللواء رئيس مجلس المدينة، متأنقاً فى بذة إستنطق جمالها لون الكرافيت الآخاذ ،كان يتوسط المنصة يستند برسغيه عليها بالعاً حضور الميمنة والميسرة،جلست فى مكانى منصتاً للشرح المفصل لاهداف وبرامج الحزب الجديد ،كانت تدور المقارنات سريعاً فى رأسى بيننا وبين دولاً سبقتنا بخطوات واسعة رحبة إلى الديموقراطية ،كيف للفرد هناك بعيداً عن أجوائنا الملبدة بالغيوم والممطرة علينا صيفاً وشتاءاً بالقوانين والقرارات والاجراءات التعسفية،كيف له هذه الحقوق التى تنتصر له فى النهاية مادام يملك الحق بيمينه ، وكيف له قدسية انجاز الواجبات دون دعاية إعلامية أو عصا التغليظ والترهيب ،سرحت قليلاً فى أجواء الجامعات التى أطبقت عليها الأصفاد من كل جانب،وكيف لأولى الأمر هذه الوصاية على جيل مازال فى طور النمو يتشكل وجدانه ويتلمس الطريق لميوله ومعتقداته ،كأن كل هذا الجيل مازال فى مرحلة الرضاعة من ثدى الأم ولم يصل إلى تبعات الفطام بعد، لكنهم أرادوا لهذا الجيل بكامله فصاماً سياسياً بفكر واحد ولون واحد وطريق واحد ،ولايدرون أبداً بغباء منقطع النظير أن هذا هو سن التمرد والتفحص والتأمل ،فكان لابد من الصدام الفكرى بين القوالب الجامدة المنغلقة على ذاتها وبين النظريات والايدولوجيات والعقائد الفكرية بكل ألوان الطيف ، فهذا الجيل يقرأ ويكتب ويدرس ويناقش الأساتذة والرواد ويعقد المقارنات التى تفصح له عن الحقيقة دون سقسطة أو لجاج ممجوج ،إعترمت ثورة الغضب مع زفرات صدرى الملتهبة ، فكل مايقوله سيادة اللواء فى نظرى محض هراء لاينطلى على من تشكل وجدانهم بمجهود ذاتى فقط ليعرفوا الحقيقة ،كان أبى لم ينتبه لوجودى بعد حين طلبت الكلمة فى مكانى ،إلتفت الحضور إلى شخص المتحدث ومن بينهم أبى الذى رمقنى بنظرة إعجاب مازالت آثارها عالقة بنفسى إلى اليوم ،قلت له ياسيدى أنت أسهبت فى الشرح والتوضيح وجزاك الله خيراً على هذا المجهود الوافر ليفهمك من حضروا ،ولكنى رغم كونى طالباً يدرس العلوم الهندسية لم أفهم بعضاً مما قلت ، وإسمح لى أن أسألك هذا السؤال وأن يتسع صدرك له ، فقال : على الرحب والسعة ، فقلت له هل لو لم يكن رئيس الحزب هو رئيس الجمهورية هل كنت ستأتى إلينا لتشرح لنا ماقلته سالفاً؟؟؟؟، ففكر الرجل قبل أن يجيب ...نعم كنت سأفعل لو كنت مقتنعاً بالبرامج والأهداف ،فقلت له وأنا غير مقتنع بالبرامج والأهداف ؟؟فقال لماذا وهى أفضل البرامج التى ستحقق الاهداف دون سائر الأحزاب على الساحة ، فتبسمت ضاحكاً وقلت له ...: ياسيدى أنت تعلم وأنا أعلم أنك أتيت بتكليف رسمى بصفتك موظفاً فى دولة رئيس الحزب ، وما عليك إلا السمع والطاعة مقتنعاً بالأهداف أو غير مقتنع ،ولهذا أنا أرفض تماماً أن يكون رئيس الحزب هو رئيس الجمهورية ، فعقلى يقول لى إنه رئيس لكل المصريين ولايجب عليه أبداً أن ينتقى حزباً يروقه ليكون هو رئيسه ، حتى لاتتحزب الدولة كلها وراء حزب واحد ، وأرجو أن تنقل وجهة نظرى إلى من يهمهم الأمر فربما خرجنا من هذا النقاش بفائدة كبرى، وجدت أبى واقفاً يدير ظهره للمنصة ويصفق لى بحرارة ودمعة قد ترقرقت تنحدر برفق كان نظرى مسلطاً عليها ولم أنتبه لتصفيق كل الحضور بما فيهم سيادة اللواء ، فقد كانت أغلى دمعة شاهدتها فى حياتى .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل