المحتوى الرئيسى

يحدث في وطني - حارس المشفى بقلم:علاء الدين تايه

06/24 17:28

كتبه: علاء الدين تايه

قال الشاعر أبو فراس الحمداني:

بلادي وإن جارت علي عزيزة وأهلي وإن ضنوا علي كرام

طالما راودتني الأفكار أن أكتب تحت عنوان "يحدث في وطني"، وذلك بعدما رأيت العجب العجاب وسمعت ما هو أعجب، وهدفي الأوحد والوحيد هنا هو عرض الصورة من وجهة نظر المواطن صاحب المصلحة، والذي تسبب له بعض التصرفات في المؤسسات الحكومية وغيرها الأذى والإزعاج وربما الإذلال، ليس غريبا في ظل هذه الأحداث أن تجد من المواطنين المعانين من يلعنون ويسبون، ويتمنون الرحيل عن وطنهم لعلهم يجدون معاملة أكثر إنسانية في بلاد الغير، وقد يلجأ البعض الآخر مكرها ومحزونا لمقارنة ما يحدث في وطنهم بما يحدث في بلاد الأعداء، وكيف أن الأعداء يعاملون مواطنيهم أفضل آلاف المرات مما نفعل نحن.

بعد هذه المقدمة الطويلة، أبدأ برواية قصة صديقي الذي اضطرته الظروف لأن يلجأ لإحدى المستشفيات الحكومية لإجراء عملية جراحية لزوجته، المشكلة ليست في الأطباء ولا في التمريض ولا في فنيي الأشعة ولا المختبرات، فكلهم قاموا بعملهم على أكمل وجه مشكورين، والمشكلة ليست في نقص الشراشف(الملايات) الملوثة بالدماء التي تبقى تحت المريض لمدة يومين دون تغيير، وليست في عدد الحمامات التي لا يتناسب عددها مع عدد المرضى عندما يكون القسم ممتلئا، ولا في ازدحام الغرف، المشكلة هي في الحارس الذي يقف على الباب ليمنع الناس من الدخول في أوقات غير الأوقات المخصصة لزيارة المرضى، (وهذا حق المرضى أن توفر لهم إدارة المستشفى بعض الوقت ليستريحوا من الداخلين والخارجين)، لكن هذا الحارس أو الموظف يطبق التعليمات بطريقة تجعل منه آلة أقرب منه إلى أن يكون إنسانا لديه مشاعر وأحاسيس، ولا يراعي ظروف الناس ولا يشعر بأحوالهم، فمثلا تجده يمنع جميع الناس من الدخول بطريقة فظة ولا تراعي أي شعور إنساني ولا أي ظروف لمريض ولا لمرافقين، لا لرجل كبير، ولا لعجوز ولا لطفل (طبعا ليس المقصود جميع الحراس، فمنهم من هو في قمة الأدب والأخلاق الرفيعة).

صديقي هذا كان يقف على باب العمليات ينتظر زوجته حتى تخرج من العملية، فطال به الانتظار فقرر أن يخرج من المبنى لشراء مشروب، فوجد ذلك الرجل واقفا بالباب، فقال له إنني مرافق مع زوجتي وهي في غرفة العمليات، لكني سأخرج لدقيقتين وأعود، فهز ذلك الرجل برأسه، وغادر صديقي لأقل من دقيقتين وعاد، وهنا كانت الكارثة، حيث منعه ذلك الرجل من الدخول، فقال له أنني مرافق مع زوجتي وهي في غرفة العمليات، ومن المتوقع خروجها بعد وقت قصير، ولا يوجد غيري بانتظارها، فرد الرجل بأنه ممنوع التواجد أصلا في الداخل حتى لو كان لك مريض في غرفة العمليات (لا أدري، هل اتخذ ذلك الرجل من قرارة نفسه هذا القرار، أم أن هناك تعليمات من الإدارة العليا بذلك)، ويقول صديقي أنه تصادف وجود رجل يود الدخول، وقد كان ابنه الصغير في غرفة العمليات، فمنعه أيضا من الدخول بحجة أنه ممنوع التواجد أمام غرفة العمليات (المقصود هو الانتظار خارج غرفة العمليات، حتى لا يعتقدن أحد أننا نحاول الدخول إلى غرفة العمليات).

بصراحة، يقول صديقي: شعرت بالصدمة، وكرهت اليوم الذي قررت فيه أن أجري عملية لزوجتي في مستشفى حكومي، ولكنه يتساءل، أليس من حقي أن أتعالج في مستشفى حكومي وأنال الرعاية والاحترام والمعاملة الحسنة؟!!، ويضيف، أنا مشترك في التأمين الصحي منذ بداية حياتي، لقد دفعت رسوم التأمين الصحي على مدار خمس عشرة سنة ولم استفد منه إلا في حالات نادرة، يعني أنه من حقي أن أجد الرعاية والمعاملة المطلوبة، لأنني لا أتعالج بالمجان.

ولنعد إلى قصة ذلك الحارس، فيقول صديقي: عدت إلى البيت وأنا أشتعل غضبا في ذلك اليوم، كيف لهذا الرجل الحارس أن يعاملني بهذه الطريقة الفظة، وأنا إنسان متعلم، ولدي من الشهادات والخبرات الحياتية الكثير، ألم يسمع قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنزلوا الناس منازلهم"؟

ويكمل صديقي فيقول: تصادف أنه في اليوم التالي كان هناك تسليم شهادات نهاية العام الدراسي في المدارس الابتدائية، وقد جاء أبنائي الاثنين بدرجاتهما من المدرسة، حيث أن أحدهما حصل على ترتيب الأول والآخر على ترتيب الثاني، وقد قاما بتوزيع الحلوى على المدرسين وعادا للبيت فرحين جدا، فأراد صديقي أن يفرح زوجته التي لا تزال ترقد في المستشفى، فأرسل طفليه للمستشفى من أجل أن يسعدا أمهما، وكانت الطامة الكبرى أن ذلك الحارس قد منعهما من الدخول، مع أنهما أبلغاه أنهما قد أتيا ليريا والدتهما درجاتهما وشهاداتهما المدرسية، فاتصلا بوالدهما (صديقي)، فقال لابنه الأكبر الذي يحمل الهاتف الجوال، دعني أكلم ذلك الرجل، فطلب الطفل من الحارس أن يكلم أباه ولكنه رفض، وقال له أنا لا أعرف أباك، ولن أكلمه.

كيف يتم إسناد مهمة تتطلب الاحتكاك المباشر بالمرضى والزوار لرجل بهذه العقلية، أليس كل من يحتك بهم هم من أصحاب المشاكل والأمراض والعمليات الجراحية وأقاربهم وأحبابهم، كيف له أن يمنع طفلا من الدخول إلى أمه المريضة في المستشفى، كيف له أن يكسر بخاطر الأطفال، لا استطيع أن أتخيل كيف يعامل هذا الرجل أطفاله، هل يمكن لمثل هذا الرجل أن يكون أبا حنونا؟ لا أعتقد ذلك.

الرسالة التي أود توصيلها للمؤسسات والشركات والمصالح، هي أنه يتعين عليها قبل أن تضع موظفا لديها ليتعامل مع الجمهور، عليها أن تدربه وتعلمه كيفية العناية بالزبائن، لأن العمل بمبدأ "الزبون دائما على حق" لم يأت من فراغ، فمن اخترعوا هذا الشعار يعلمون جيدا أن هذا الزبون هو الذي من جيبه تدفع رواتب الموظفين في هذه المؤسسة أو تلك الشركة، لذلك تبقى على قيد الحياة.

Comments

عاجل