المحتوى الرئيسى

خطاب أوباما بقلم أبو خالد العملة

06/24 15:46

حين يخاطب أوباما حلفاءه وخصومه

• بقلم أبو خالد العملة

جاء خطاب أوباما في التاسع عشر من أيار، في مبنى وزارة الخارجية الأمريكية، وأمام جمع من كبار موظفي الوزارة، خطاباً ذو دلالات لا يمكن تجاهلها وهي ليست كغيرها من الخطابات. فهذا الخطاب هو الخطاب الثالث الشهير منذ توليه الحكم. الخطاب الأول كان في تركيا والثاني في القاهرة والثالث في وزارة الخارجية الأمريكية. هذه الخطابات الثلاث تشكل عناصر في الاستراتيجية الأمريكية للمرحلة التي تلت انتخاب باراك أوباما بما هو تعبير عن الرئيس الجديد الذي تلا الفشل التنفيذي للإستراتيجية الأمريكية للقرن الواحد و العشرين التي قادها المحافظون الجدد، وبما هو المنفذ المفترض للتوافق الاستراتيجي بين المحافظين والديمقراطيين في وثيقة بيكر هاملتون كوثيقة توجيهية للرئيس القادم.

الخطاب في تركيا بعث رسالة للعالم عن الدور التركي المركزي في الاستراتيجية الأمريكية والإسلام السياسي الجديد، وخطاب مصر بعث رسالة أخرى مفادها تعويم النظم العربية ورفع الغطاء عنها واختيرت مصر كعنوان لهذه الرسالة. أما هذا الخطاب فهو رسالة توجيه علنية لوزارة الخارجية الأمريكية ليؤكد أنه لم يعد في السياسة الخارجية الأمريكية أسرار، وأن أمريكا ماضية في برنامج التغيير وتكييف المنطقة على مقاس مصالحها وليس هناك ما يحتاج الإخفاء.

فهذا الخطاب في جوهره خطاباً توجيهياً يحدد من خلاله ملامح السياسة الخارجية الأمريكية في هذه المرحلة وفي المرحلة القادمة وبشكل أساسي في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كما سماها هو في خطابه.

ألقي هذا الخطاب في زمن تشهد فيه الساحة العربية حراكات شعبية، ستحدث تحولات حادة في المنطقة العربية، وربما العديد من دول آسيا وإفريقيا، وليس المكان هنا لتوصيفها أو تحديد منتجاتها، ولكن هذه الحراكات حظيت بالمساحة الأبرز من الخطاب.

الكثير من المحللين تناولوا الخطاب وكأن أوباما رجل علاقات عامة، فبين من يتحدث عن الثغرات في الخطاب وبين من يتحدث أنه لم يأت بجديد، والبعض أشاد به باعتباره نصير حقوق الإنسان والديمقراطية، وآخرون اعتبروه يرغب في ركوب الثورات العربية ليستفيد منها. كثيرة هي التحليلات وأكثرها سذاجة كان وصف الخطاب بالفاشل من قبل بعض المحللين ومن بينهم الناطق الرسمي باسم حركة حماس سامي أبو زهري. ونسأل هنا هؤلاء المحللين ما هو معيار النجاح والفشل لخطاب "اوباما" رئيس الولايات المتحدة الأمريكية؟ وهل كان البعض ينتظر من " اوباما" أن يقف إلى جانب حقوق الشعب الفلسطيني وقضايا الأمة العربية؟

حين يتحدث أوباما في هذه اللحظة عن التحولات الدولية وتداعياتها العربية أو العكس فإنه لا يخاطب القوى المحلية ولا النظم العربية، حتى عندما يخاطبها أو يذكرها بالاسم كمصر وتونس وليبيا واليمن وسورية وإيران وحتى "إسرائيل"، فهي تذكر في خطابه باعتبارها أهداف وميادين وعناوين حركته القادمة. حين يتحدث أوباما فإنه يخاطب حلفاءه وخصومه من القوى الدولية، هو يخاطب روسيا ويخاطب الصين ويخاطب أوروبا بشكل أساسي. يخاطب الشركاء الطامحين، ويخاطب الخصوم المفترضين. هو يقول للمعترضين الدوليين على السياسة الأمريكية بأن زعماء في المنطقة رحلوا وزعماء سيرحلون، وأن الإستراتيجية ماضية في طريقها، وأن طرق المنطقة ممهدة لها ولاحتلاله الديمقراطي!!

لقد تحدث أوباما عن نظامين سقطا، وتعامل معهما في الخطاب باعتبارهما نظامين مهزومين، وشعبين دخلا مرحلة الفوضى ما بعد المعركة مع جيوشه وطوابيره الخامسة، وأمريكا المنتصرة هي من سيحدد اتجاهات هذه النظم في المرحلة القادمة من خلال المساعدات وإعادة التأهيل الاقتصادي لتدخل في منظومة الاقتصاد الحر المعولم، والديمقراطية المفصّلة على مقاسات القيم الأمريكية، والمنتصر هو من سيحدد وليست المراكز الدولية التي وقفت على الحياد من التغيير، وليست تلك التي تحفظت وليست تلك التي عارضت. أما الأطراف التي شاركت ورعت فإنه هو من يحدد لها في المستقبل حصصها من الكعكة. هذا هو المضمون الحقيقي لخطاب أوباما الذي لا يفيد أن نوصفه بقدر ما يجب أن ندرك مراميه، ونسعى بالضرورة إلى بناء الأدوات اللازمة لمواجهة هذه المرامي وقراءة الأحداث في ضوئه، فنحن هنا لا نقّيم خطيباً فاشلاً أو ناجحاً بل نقّيم توجهات لقوة دولية عظمى يخاطب رئيسها العالم، وتطال مستقبل أمتنا والعالم.

فحين يقول "اوباما" على الرغم من أن تلك البلدان تقع على مسافات بعيدة عن شواطئنا، فإننا نعلم أن مصيرنا نحن يرتبط بهذه المنطقة بقوى الاقتصاد والأمن وبالتاريخ والعقيدة !!

وحين يؤكد "أوباما" أن مستقبل أمريكا يتحدد من خلال قدرتها على تشكيل مستقبل المنطقة العربية، فإنه بذلك يضع للعالم خطوط حمراء لحدود مصالحه العليا غير القابلة للنقاش، وفي هذا الخطاب بحدة واضحة وغير قابلة للُّبس. فهو سيتدخل في الاستثمار والسوق والمرأة والنظام السياسي والتعليم والثقافة وكل شيء، وكأنه كان في الخطاب يتحدث عن ولايات أمريكية داخلية، ويفّصل "اوباما" بعض التوجهات من خلال إطلاق مبادرة شاملة للشراكة في التجارة والاستثمار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ويقول سنعمل مع الاتحاد الأوروبي من اجل تيسير زيادة التبادل التجاري داخل المنطقة، وسوف نبني على الاتفاقات الراهنة من اجل الدعوة إلى التكامل والاندماج مع أسواق الولايات المتحدة وأوروبا، وفتح الباب أمام الدول التي تتبنى معايير عاليه للإصلاح وتحرير التجارة من اجل بناء الترتيبات اللازمة للتجارة الإقليمية.

حين تحدث أوباما عن تونس وإفغانستان فإنه رسم خطاً يمتد من أفغانستان مروراً بمتشاطئات قزوين إلى تركيا فحوض المتوسط الجنوبي إلى تونس. وحين يتحدث عن تونس واليمن فإنه يرسم الخط الواصل بينهما ماراً في ليبيا ومصر والسودان ومن اليمن يرسم الخط الواصل مع إفغانستان ماراً في الخليج وإيران. إنه المثلث الاستراتيجي المقلوب الذي يسد ضلعه الشرقي الطريق أمام الصين والهند، ويسد الوتر العلوي للمثلث الطريق أمام روسيا والاتحاد الأوروبي "إذا أراد" ويفتح ضلعه الغربي الباب واسعاً أمام العبور الهام إلى القارة الإفريقية. ويخنق إيران داخل المثلث من خلال ترتيبات إقليمية وعبث بمعادلته الداخلية.

إنه مثلث الثروة والطاقة للقرن القادم، وهذا المثلث يحتاج إلى نظم مهزومة وشعوب مضطربة واحتلال "بالديمقراطية الأمريكية" كما عبر عن ذلك في خطابه، وإسلام سياسي جديد يكون قابلاً للحركة داخل الأمبراطورية الأمريكية على النمط العثماني، ولكن بدين جديد إسمه الديمقراطية "الأمريكية"، والدين القديم مكانه المساجد، والنموذج التركي الحليف واضح للعيان، والذي لا يرى مشكلة في العلاقة الإيجابية مع إسرائيل إن هي تصرفت كدولة طبيعية في المنطقة. "يوم 20/5/2011 طلب رئيس الحكومة التركية "اردوغان" من حركة حماس الاعتراف "بإسرائيل"؟!

وهذا يدفعنا للانتقال إلى الطريقة التي تم فيها تناول القضية المركزية للأمتين العربية والإسلامية، بل يمكننا القول أنها أم القضايا في المثلث الاستراتيجي المنشود وهي القضية الفلسطينية. لقد تحدث أوباما عن دولة فلسطينية قابلة للحياة ومستقلة في حدود عام 1967م ، ودولة "إسرائيل اليهودية الآمنة"، وتعليق قضية القدس واللاجئين، مع تبادل للأراضي يتم الاتفاق عليه.

وعند تحليل الخطاب في سياقه، وليس الحكم عليه فإننا نعلم أن أمريكا ليس بإمكانها تحقيق هدفها في المثلث الاستراتيجي وبالشراكة مع الإسلام السياسي وتركيا بوصفها شريكاً بوزن ما في هذه الشراكة، وبوصفها المرشحة لتكون عنوان هذا الإسلام السياسي، فإن أمريكا ليس بإمكانها أن تكسب هذا المثلث دون أن تخلِّص أو تبريء هذا الإسلام السياسي من جرحه النرجسي الناتج عن هزيمة أكثر من مليار ونصف المليار مسلم أمام كيان صغير بوزن" إسرائيل " تحتل قدس أقداسهم، ودون أن تخلِّص أو تبريء تركيا من جرحها وذنبها التاريخيين في هزيمتها في الحرب العالمية والذي كان المقدمة الأهم لاحتلال فلسطين وقيام الكيان الصهيوني. (حتى وإن تخندق بعض العرب في المعسكر الامبريالي متوهمين بإقامة الدولة العربية الموحدة ؟).

لذلك فإن على "إسرائيل" أن تدفع ثمناً من هذا الاستحقاق ويمكن تعويضها عنه بضمانات الأمن، الذي لن يكون مهدداً، ومن خلال دورها في المنظومة الإقليمية القادمة والمنوي بناؤها للشرق الأوسط وشمال إفريقيا. فليس بإمكان أمريكا أن ترهن استراتيجة كبرى بهذا الحجم بمجموعة من المتطرفين المتدينين واليمينيين الصهاينة، وستفرض على الكيان الصهيوني أن يقدم بعض التنازلات من خلال مغادرة جمود ما بعد أوسلو، ومغادرة حالة اللعب على الوقت، ولكن هذه التنازلات لا تصل حد المساس بيهودية الدولة وأمنها الاستراتيجي وتفوقها كما جاء في الخطاب. طبعاً "لإسرائيل" أن تناور للبقاء في حالة الجمود والمراهنة على الزمن من خلال تصريحات الرفض التي تلت الخطاب من قبل نتنياهو، انطلاقاً من موقفها الذي لا يؤمن بأي سلام لا يحقق لها تهويد كل فلسطين وبما يضمن أمنها الاستراتيجي، وستبقى هذه الجدلية مرهونة بالتطورات العربية والإقليمية المتناقضة مع الإستراتيجية الأمريكية في المنطقة ، ولكنها قد تجد نفسها مجبرة على التكيف مع الحسابات الأمريكية. وكذلك الإسلام السياسي لن يستطيع أن يبقى في هذه المساحة الهلامية بين التحالف في التغييرات الجارية في المنطقة العربية مع أمريكا، والبحث عن حصة معها في منتجات التغيير، وبين الحفاظ على الخطاب المقاوم والداعي إلى عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، حيث الشراكة تستدعي ما بعدها، والخطاب يصبح للتضليل إذا سمح به.

أما خطاب "اوباما" حول ما يجري في سورية فقد سعى إلى وضع الغطاء الكامل على التحركات الجارية فيها باعتبارها حركة شعب محقة، ووضع الرئيس الأسد بين خيار الخضوع لها وبين خيار المغادرة، وكأنه يضعه بذلك أمام طلب أمريكي واحد وهو المغادرة، خاصة حين نعلم أن الرئيس السوري يرفض أن يقود إصلاحاً باملاءات أمريكية كان قد رفضها بعد احتلال العراق عام 2003م، لأن الإصلاح السياسي والاقتصادي و الاجتماعي هو شأن داخلي يخضع لمنظومة من المفاهيم والقيم ومن خلال مؤسسات تبنى على قاعدة تحقيق هذه الإصلاحات.

ومن هنا وأمام المؤامرة الغربية التي تتعرض لها سورية يصبح واجباً وطنياً وقومياً على كل أبناء سورية المخلصين ومعهم كل شرفاء الأمة أن يتصدوا لهذه المؤامرة السافرة على مستقبل سورية والأمة، دون أن يعني ذلك التوقف عن مواصلة نقد الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي من اجل تحقيق برنامج الإصلاحات بالسرعة الممكنه والمنسجم مع المطالب الشعبية وليس الخضوع للاملاءات الامبريالية الغربية.

لقد نصح العديد من المستشارين أوباما بعدم التطرق إلى الخيارات السورية بوضوح كامل خوفاً من إزعاج بعض الحلفاء، ولكن أوباما لم يلتزم بهذه النصائح. طبعاً هنا لا نعرف من هم الحلفاء؟؟ إذا كان المقصود الصين وروسيا فهذه كارثة لأنها ستكون في موقع المناورة في اعتراضها على السلوك الأمريكي في سورية، وهل يمكن أن يتم ارتكاب الخطأ في المرحلة القادمة كما جرى في العراق وليبيا؟. وإذا كان المقصود الحلفاء في أوروبا فسيحتاج تفسير غضبهم على السلوك الأمريكي إلى عملية تنجيم ربما. وإذا كان المقصود تركيا فإن هذا مؤشراً يؤكد ما ذهبنا إليه حول خطورة الدور التركي ممثلاً للإسلام السياسي على سوريا في المرحلة القادمة كما هو على المنطقة بأكملها.

النفط والغاز وخطوط النقل الآمن والثروات والأسواق وربما جندرمة" السفر برلك" للجيش الأمريكي هي الهدف المركزي للترتيبات الأمريكية في المنطقة إذا نجحوا في تحقيق إستراتيجيتهم. ومن هنا يجب مغادرة أوهام الديمقراطية الأمريكية التي تشكل في المرحلة الراهنة مدخلاً للاحتلال الأمريكي للمنطقة وأساساً قوياً تنبني عليه السياسة الأمريكية وموقفها من أي طرف كان.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل