المحتوى الرئيسى

الأحداث في سورية: أزمة أم مؤامرة؟!بقلم:غطاس أيو عيطة

06/24 15:19

الأحداث في سورية: أزمة أم مؤامرة؟!

غطاس أيو عيطة

إزاء ما تعيشه سورية من أحداث بالغة الخطورة, ظل وسط من المثقفين المعارضين لا يرى فيما يجري غير تظاهرٍ لأزمة داخلية تراكمت وتفاقمت على مر عقود من الزمن, وأن استحضار أهل الحكم لفكرة المؤامرة الخارجية" التي رُكِّبت على الأزمة القائمة بالفعل", إنما جاء لتبرير الحل الأمني من جانب هؤلاء – تماماً كما فعلت النظم العربية الأخرى التي شهدت بلدانها أحداثاً مماثلة-, وذلك بدل العمل على تفكيك أسباب الأزمة بأساليب بعيدة عن العنف, الأمر الذي أدى إلى تعقدها واستفحالها.

وما يلفت النظر في خطاب هذا الوسط, أنه بقي على مدى الأعوام الماضية, يتجاهل أن هناك مشروعاً أمريكياً لمستقبل المنطقة تم الإعلان عنه بكل وضوح, ويرمي إلى إعادة رسم خريطتها الجيوسياسية, وذلك عن طريق تمزيق دولها ولا سيما الدول العربية إلى كيانات أقلوية تدور في فلك القاعدة الصهيونية, وأن انحسار المشروع القومي عقب هزيمة حزيران عام 1967, وانهيار النظام الدولي الثنائي القطبية, هو ما أغرى أمريكا وحلفها الاستعماري الغربي لأن تشرع في تنفيذ ذلك المشروع سواء عن طريق الغزو العسكري أو من خلال ركوب موجة الإنتفاضات الشعبية من أجل حرفها عن مسارها.

ويلفت النظر أيضاً في هذا الخطاب, أن أصحابه ظلوا يحمِّلِون النظم الحاكمة, وخاصة تلك التي تشكل عقبة بوجه المشروع الأمريكي, المسؤولية الكاملة عن حالة التشطي الفئوي التي تغلغلت في المجتمعات العربية, دون ربط هذه الظاهرة المرضية مع واقع انحسار المشروع القومي الجامع.حيث لا يرى هؤلاء, بأن سيادة السياسة القمعية عل يد النظم في البلدان المستهدفة, لم يكن فقط للحفاظ على سلطاتها , بل لحماية تلك البلدان من الإنفراط تحت ضغط عوامل النبذ الداخلية التي تنامت, وبفعل التغلغل الخارجي للمراكز الرأسمالية التي أخذت تسودها العولمة المتوحشة المنفلتة من عقالها.

كما يلفت النظر في هذا الخطاب, عداؤه لحركات المقاومة ولمن يدعم تلك الحركات, معتبراً أن فكرة المقاومة وسلاحها, هو أداة تلك الأطراف لفرض تسلُّطها على مجتمعاتها, وذلك في تماهٍ مع خطاب النظم والقوى التابعة, التي راحت تنخرط في المشروع الأمريكي- الصهيوني تجاه المنطقة, مبدية استعدادها للتحالف مع القاعدة الصهينية لمواجهة شعوبها أو لمواجهة ما اعتبر خطراً داهماً تمثله إيران.

وقد بلغ الأمر بأصحاب هذا الخطاب, حد التهوين من خطر الهجمة الأمريكية النيوكولنيالية على دول وشعوب المنطقة, ليروا بأنها تظل أقل كارثية من بقاء النظم الإستبدادية التسلطية, بل لقد ذهب هؤلاء إلى القول, بأن تدخُّل القوى الإستعمارية في شؤون البلدان العربية, بات سبيل تلك البلدان للخلاص من نظمها القمعية التي استطاعت عبر أساليب القمع الهمجية, أن تسحق قوى التغيير داخل تلك البلدان, وعلى هذا الصعيد, فاجأنا مثقف راح يبارك تدخل حلف الناتو العسكري في ليبيا, معتبراً أن ثورة الشعب الليبي هي وحدها المرشحة لأن تحقق أهدافها في إقامة سلطة الشعب وإرساء الديمقراطية, بعكس الثورتين التونسية والمصرية اللتين لم تستدرجا تدخلاً حاسماً من الخارج.

وانطلاقاً من مثل هذه الرؤية نظر هذا الوسط لما يجري في سورية محبذاً تدخُّل المراكز الإستعمارية, وهكذا نرى أنه في حين وقفت روسيا والصين في المحافل الدولية, ضد صدور قرارات تسمح بالعدوان الغربي على هذا اليلد العربي, رأينا أن هذا الوسط, اتخذ عبر خطابه موقفاً مغايراً, مكرراً ما شهدناه من مواقف مشينة من جانب مثقفين عراقيين وعرب وقوى سياسية, راحت تستقبل بترحاب الغزو الأنجلو أمريكي للعراق الذي استهدف تمزيق وحدته, بل رده إلى العصور الحجرية كما أعلن إحد قادة أمريكا.

وما نود قوله إزاء ما بلغه هذا الوسط من عماء الرؤية, هو أن ما يستهدفه الحلف الإستعماري من دخوله على الأحداث السورية, هو ليس الإصلاح وليس تغيير النظام وحسب, بل تمزيق وتدمير هذا البلد العربي الذي يشكل تماسكه عقبةً أساس بوجه المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة,وأن حملة التشويه التي يشارك فيها هذا الوسط لصورة القيادة القائمة, إنما هدفها إزالة العقبة بوجه مؤامرة التمزيق والتدمير, ذلك أن انهيار مؤسسات الدولة التي تديرها هذه القيادة,من شأنه أن يفتح اليلاد على حربٍ أهلية, وحين تنطلق آليات التدمير الذاتي في هذا البلد العربي المحوري, فلن يكون هناك من معنى لأن نحمِّل النظام مسؤولية هذا الدمار لكونه المسؤول عن الأزمة, وعن التشظي المجتمعي الذي كشفت عنه تلك الأزمة.

وما نريد قوله مستدركين, هو أن الوضع في سورية برغم الأزمة القائمة, يختلف عن الأوضاع في البلدان العربية التي شهدت وتشهد أحداثاً مماثلة, ومن هنا جاء دور الفضائيات ومراكز الإعلام الأخرى, التي تجندت أو جُندت لتسعير أوار الأحداث, والتي ما كانت لتصل إلى ما وصلت له من الخطورة بمعزلٍ عن التجييش الذي عمدت له تلك الفضائيات والمراكز, بعد أن أعدت له العدَّة في سياق مؤامرة تقودها الإمبريالية الأمريكية.

وما نريد قوله على ذات الصعيد, هو أنه على الرغم من حجم المؤامرة التي أراد أصحابها أن يأخذوا الشعب السوري من خلالها على حين غرَّة, بحيث لا يصحو على بشاعة ما يدبَّر لبلده إلا وتكون المؤامرة قد حققت غايتها, هو أن قطاعات محدودة من أوساط هذا الشعب قد جرفها تيار الأحداث, وذلك قياساً لما شهدناه في البلدان العربية الأخرى, ويعود ذلك في الأساس, إلى اعتزاز المواطن السوري بتاريخ بلده الكفاحي في مواجهة المستعمر وفي التصدي لمشاريعه العدوانية, كما ويعود أيضاً, لما يشاهده هذا المواطن إزاء ما يجري في ليبيا, وما حلَّ بالعراق على يد من أتوا لتحرير شعبه من النظام الديكتاتوري. وهكذا فإنه على الرغم من مأساوية الأحداث الجارية, وما يتم من تضخيمٍ وتزويرٍ لتلك الأحداث, وما ينهال من فتاوي فتنة يراد لها أن تلغي عقل هذا المواطن, فقد رأينا كيف احتشد مئات الألاف من أبناء هذا الشعب حول علمهم الذي يمثل في وجدانهم رمز كرامتهم الوطنية, وكيف احتشدوا مجدداً في ساحات المدن, رداً على من سعوا إلى تشويه صورة القيادة لتبديد رصيدها في الوجدان الشعبي.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل