المحتوى الرئيسى

«سبوبة» التحرير

06/24 08:09

كتبت فى المقال السابق أننا بعد ثورة 25 يناير خرجنا من رواية «البؤساء» إلى قصة «روبن هود»، أى أننا خرجنا من «المأساة» ذات الطابع الميلودرامى المرتبط بالفقر والظلم إلى نوع من «البطولة» الملتبسة على غرار حكايات «اللص الشريف» الذى يستحلّ سرقة أموال الأغنياء ليمنحها للفقراء، هكذا أوحت لى قصة الموظف الطيب الذى اعترف لى فى الأسبوع الماضى بتفاصيل خطة المحامى «حسن سبانخ» بتسهيل حصول عشرات المواطنين على تعويضات دون وجه حق، نظير أتعاب معتبرة تبدأ من 3 آلاف جنيه فى بعض الحالات إلى 17 ألف جنيه فى حالات أخرى، حيث تختلف تعويضات المحال والسيارات التى تعرضت للضرر خلال أحداث الثورة عن فرصة الحصول على شقة، عن تعويضات الشهداء الوهميين، وحكى لى الموظف عن تجربته مع المحامى فى الحصول على شقة، فهو يعد له أوراقا تؤكد أنه يمتلك مسكنا فى المناطق التى أعلنت الحكومة أن أصحابها يستحقون التعويضات، مثل زينهم أو الدويقة أو أى مكان آخر،

ويتم الاتفاق مع صاحبة أحد المنازل مقابل مبلغ يصل إلى 10 آلاف جنيه، بحيث توقع للزبون عقد إيجار بتاريخ قديم لغرفة أو شقة (وكلّه بحسابه)، ما يتيح له قانونا فرصة الحصول على شقة جديدة، وقال لى الموظف إنه فعل ذلك بعد أن وجد الكثيرين يفعلون ذلك، ومنهم أصحاب محال كبيرة قاموا بتخزين البضاعة ثم استأجروا من يخرب المحال ظاهريا، ثم يبلغون أنها تعرضت للسلب والنهب بغرض الحصول على تعويضات والتهرب من الضرائب، وحينها قال لنفسه: «مش معقول نخسر قبل الثورة وبعدها..

خلينا نشوف نفسنا وناخد فرصة نعيش كويس».. المؤسف أن هذه النظرة ليست مقصورة على الموظف البسيط الذى يحاول زيادة دخله بصرف النظر عن فاعلية دوره فى مصلحة البلد وعملية الإنتاج، أو الفقير الذى يبحث عن فرصة لتعديل حياته حتى وإن كانت بالحصول على غنيمة غير مشروعة من الدولة، والخيبة أن الأمر تعدى ذلك إلى مجال العمل السياسى والإعلامى، واستمرت النخبة المتهافتة تدوس بعضها من أجل الاستئثار بنصيب أكبر من السلطة، الأحزاب تتصارع ولا تتشارك، وائتلافات الشباب لم تعد تفكر فى العطاء لمصر،

 بقدر ما تسعى للحصول على الثمن، كل مجموعة «تطنطن» بما قدمته فى ميدان التحرير، وتطالب بقطعة من الكعكة، الحكومة القائمة لا تفكر فى أى تخطيط استراتيجى يعبر بمصر من المرحلة الانتقالية إلى بدايات طريق النهضة، وتكتفى بتوزيع المسكنات والمرطبات على المجروحين والغاضبين، وتسرف فى تقديم الوعود على طريقة جحا، الذى وعد السلطان بتعليم الحمار القراءة والكتابة خلال 10 سنوات، وعندما سألوه عن مدى قدرته على الوفاء بذلك قال: بعد 10 سنين هتتحل، قالوا له إزاى؟ قال: يا السلطان يموت، يا الحمار يموت، يا أنا أموت.. أى أن جحا كان يدعى ما لن يفعله، فهو يعلن هدفا وهو يعرف أنه لن ينجزه، لكنه يناور ليحصل على الغنيمة من السلطان، ومش مهم الحمار يتعلم، طيب لماذا تصدى لذلك؟

ولماذا أوهم آخرين غير السلطان بإمكانية تحقيق شىء لن يستطيع تحقيقه؟ طبعاً، الإجابة هى «السبوبة»،

لقد تحولت الثورة عند البعض إلى «سبوبة»، وطالما هناك من يدفع، فستجد هنا «مناضلاً جحوياً» يدّعى القدرة على فعل أى شىء، مع أن كل ما يفعله هو تحضير لافتة تتضمن اسم الشباب أو الثورة أو 25 يناير، أو الميدان أو «التحرير»، ويقبض القرشين من السلطان أو الأمير أو «الشيخة»، بعد أن يوهم الجميع بتخصصه فى تدريب البقرة على رقص الباليه، وتعليم الحمار الغناء.. ولأنه يكسب من السيرك فهو لا يريد «تطهير البلاد» ولا توعية العباد، بل يسعى لإلهاء الناس عن العمل والبناء، لينفرد بنصيب وافر من معونات الغُرب و«نقوط» القُرب، ولذلك لا يرفع شعار: «العمل حق وواجب وحياة» بل شعار: «الشعب يريد إسقاط الحساب».

[email protected]

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل