المحتوى الرئيسى

مصر تدفع ثمن صداقات الفساد

06/23 21:11

جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر‮.. ‬أنور السادات وعثمان أحمد عثمان‮.. ‬حسني‮ ‬مبارك وحسين سالم‮.. ‬جمال مبارك وأحمد عز‮.. ‬هي‮ ‬أشهر الصداقات التي‮ ‬شهدتها مصر منذ اندلاع ثورة‮ ‬يوليو‮ ‬1952‮ ‬حتي‮ ‬سقوط مبارك في‮ ‬فبراير‮ ‬2011‭.‬

إن هذه الصداقات كشفت لعبة صناعة القرار في‮ ‬مصر وكيفية صدوره وأجابت عن السؤال ومن‮ ‬يتحكم في‮ ‬مصائر الشعوب ويدير البلد وغيرها من الحقائق التي‮ ‬تقف عليها‮ »‬الوفد الأسبوعي‮« ‬في‮ ‬هذا الملف الشائك‮.‬

استمرت الصداقة بين جمال عبدالناصر وعبدالحكيم عامر قوية رغم العواصف التي‮ ‬هبت عليها والشلة التي‮ ‬أحاطت بالمشير وكانت تناديه بكلمة‮ »‬يا ريس‮« ‬ولكن بعد هزيمة‮ ‬5‮ ‬يونيو‮ ‬1967،‮ ‬وقع الصدام بين الصديقين القديمين ورغم محاولات إنهاء الخلاف بينهما بأكثر من حل،‮ ‬إلا أن وفاة المشير عامر في‮ ‬أواخر عام‮ ‬1968‮ ‬قد أسدلت الستار علي‮ ‬هذه الصداقة القوية بين الرئيس والمشير‮.‬

كانوا‮ ‬يطلقون عليهما‮ »‬الصديقان‮« ‬فقد كانا بالفعل لا‮ ‬يفترقان إلا نادرا‮.. ‬حتي‮ ‬أصبحت هذه الصداقة عبئا ثقيلا علي‮ ‬الرئيس الراحل جمال عبدالناصر‮.. ‬فالصداقة بين الرئيس والمشير دفعت الأول للتراجع في‮ ‬أكثر من مناسبة عن اتخاذ القرار كلما احتدم الخلاف بينهما ما أعطي‮ ‬المشير حقوقا أكثر مما‮ ‬يستحق خاصة أن جميع زملائهما من قادة الثورة أبدوا اعتراضهم علي‮ ‬تقليد عبدالحكيم عامر رتبة المشير لقلة خبراته العسكرية،‮ ‬وأنهم جميعا اعتبروا ذلك نوعا من المجاملة أسداها عبدالناصر لصديقه عامر‮!!‬

لقد شهدت العلاقات القوية التي‮ ‬جمعت بين عبدالناصر وعامر مراحل عديدة،‮ ‬ولم‮ ‬ينته الصراع الخفي‮ ‬بين الصديقين طوال سنوات الخمسينيات وحتي‮ ‬أواخر الستينيات‮.. ‬فعبدالحكيم عامر هو أحد أبناء مصر الذين أسهموا سرا بقدر بارز من النشاط الثوري‮ ‬بين قطاع من ضباط الجيش المصري‮ ‬من أجل التخلص من النظام الملكي‮ ‬وفساد الحياة السياسية‮.. ‬خرج عامر ليلة‮ ‬23‮ ‬يوليو‮ ‬1952‮ ‬مع زملائه قادة الضباط الأحرار ليصنعوا مصر الثورة‮.. ‬ولمدة‮ ‬15‮ ‬عاما متصلة عاشتها مصر،‮ ‬كان للرجل دوره فيها سلبا وإيجابا‮.. ‬استمر خلالها في‮ ‬صراع سري‮ ‬بينه وبين الرئيس عبدالناصر حتي‮ ‬بلغ‮ ‬الذروة في‮ ‬بداية عام‮ ‬1964‮ ‬واشتغل في‮ ‬الأشهر الأولي‮ ‬من عام‮ ‬1967،‮ ‬بل بقيت بذوره،‮ ‬واستمر عبدالناصر محاولا اقتلاعها حتي‮ ‬يناير عام‮ ‬1970،‮ ‬أي‮ ‬قبل رحيله بثمانية شهور فقط،‮ ‬عندما بادر الي‮ ‬تطهير صفوف القوات المسلحة من الضباط الذين‮ ‬يدينون بالولاء لصديقه المشير عامر‮.‬

ومن المثير حقا أن‮ ‬ينشب مثل هذا الصراع بين الرجلين وقد ربطت بينهما صداقات عميقة منذ أن التقيا في‮ »‬منقباد‮« ‬عام‮ ‬1940‮ ‬وتوطدت هذه الصداقة عمليا بقيام ثورة‮ ‬يوليو‮ ‬1952‮ ‬ومساندة عامر لعبدالناصر في‮ ‬كافة المعارك السرية والعلنية التي‮ ‬خاضها ضد اللواء محمد نجيب أول رئيس للجمهورية،‮ ‬وضد الضباط الذين تصدوا لعبدالناصر،‮ ‬ثم تأييد عامر لحركات التطهير التي‮ ‬أجراها عبدالناصر بين ضباط الجيش المصري‮.. ‬ثم أعقبتها عمليات التخلص من بعض الضباط الأحرار وفي‮ ‬مقدمتهم‮ ‬يوسف صديق البطل الحقيقي‮ ‬لثورة‮ ‬يوليو‮.. ‬بعدها ظل عبدالحكيم عامر‮ ‬يحكم بجانب عبدالناصر‮.‬

لقد دفعت مصر ثمن هذه الصداقة‮ ‬غاليا عندما أهمل عبدالحكيم عامر الجيش ودخل في‮ ‬صراع مع عبدالناصر حتي‮ ‬وقعت هزيمة‮ ‬يونيو‮ ‬1967،‮ ‬الذي‮ ‬مازال‮ ‬يدفع ثمنها الشعب المصري‮ ‬حتي‮ ‬اليوم‮.‬

السادات وعثمان

‮< ‬عثمان أحمد عثمان بدأ حياته العملية بقروش قليلة،‮ ‬إلا أنه أصبح في‮ ‬النهاية مؤسسة كبيرة تحمل اسمه،‮ ‬بل تفرغت عنها بعد ذلك مجموعة من الشركات موزعة في‮ ‬أنحاء الدول العربية‮.‬

وحكاية عثمان أحمد عثمان مع الرئيس السادات بدأت عندما كان الاثنان‮ ‬يسكنان متجاورين في‮ ‬منطقة الهرم قبل ثورة‮ ‬يوليو‮ ‬1952،‮ ‬ومن ثم تعارفا وتوطدت العلاقة بينهما،‮ ‬وفي‮ ‬28‮ ‬أكتوبر‮ ‬1973‮ ‬استدعاه الرئيس السادات لكي‮ ‬يشغل منصب وزير التعمير‮.. ‬وظل في‮ ‬الوزارة حتي‮ ‬عام‮ ‬1976،‮ ‬وقد ازدادت العلاقة عمقا عندما وصلت في‮ ‬مرحلة من المراحل الي‮ ‬علاقة مصاهرة،‮ ‬بعد أن تزوج نجله محمود عثمان من جيهان ابنة السادات في‮ ‬2‮ ‬يناير‮ ‬1977،‮ ‬بعدها أصبح عثمان هو رفيق السادات وصديقه ومستشاره وصهره،‮ ‬بل وشارك السادات في‮ ‬عدد من القرارات الاقتصادية حتي‮ ‬ان الكاتب الكبير موسي‮ ‬صبري‮ ‬ـ رجل السادات المخلص ـ قال‮: ‬إن الموافقة علي‮ ‬أي‮ ‬مشروع اقتصادي‮ ‬كانت تمر من بين أصابع عثمان أحمد عثمان،‮ ‬لكن صراحة عثمان للسادات كشفت عن عداء شديد لعبدالناصر بدا واضحا في‮ ‬كتابه‮ »‬صفحات من تجربتي‮« ‬الذي‮ ‬صدر عام‮ ‬1981،‮ ‬ووجه فيه انتقادات لاذعة لعبدالناصر بسبب قيام الأخير بتأميم شركة المقاولون العرب التي‮ ‬يمتلكها عثمان،‮ ‬وقد رافق عثمان أحمد عثمان صديقه السادات في‮ ‬زيارته الشهيرة للقدس‮.‬

دخل عثمان أحمد عثمان في‮ ‬عهد السادات نقابة المهندسين،‮ ‬وقيل وقتها إن الدولة ساندته في‮ ‬دخول النقابة لإجهاض الصوت المعارض للسادات داخلها‮.. ‬ولكن الشيء المؤكد أن شركة المقاولون العرب مع مجيء السادات للحكم،‮ ‬وصدر القانون‮ ‬43‮ ‬لسنة‮ ‬1974،‮ ‬تحولت الي‮ ‬شركة متغلغلة في‮ ‬كل النشاطات الاقتصادية،‮ ‬من المقاولات الي‮ ‬الاستثمارات والمنتجات الخشبية والعمل المصرفي‮ ‬والمواد الغذاية‮.. ‬إلخ‮.‬

وأقنع عثمان صديقه السادات بمشروع الصالحية لتعمير الصحراء،‮ ‬وعين السادات حسين عثمان شقيق عثمان مشرفا علي‮ ‬المشروع بدرجة نائب رئيس الوزراء،‮ ‬ولكن المشروع لم‮ ‬يحقق النتائج التي‮ ‬كانت متوقعة بالمرة،‮ ‬وتعرض المشروع لخسائر مالية بالملايين‮.. ‬ولم تكن الصالحية المشروع الوحيد الذي‮ ‬تبناه عثمان،‮ ‬وخسر أموالا طائلة‮.. ‬هناك أيضا عملية إنشاء مزرعة سمكية بمريوط وغيرها من المشروعات الخاسرة‮.‬

باغتيال السادات في‮ ‬حادث المنصة عام‮ ‬1981‮ ‬انتهت ـ بحكم القدر ـ صداقة عثمان أحمد عثمان بالرئيس الراحل أنور السادات‮.‬

حسني‮ ‬وسالم

حسني‮ ‬مبارك وحسين سالم‮.. ‬صداقة دفعت مصر ثمنها انهيارا اقتصاديا وسياسيا واجتماعيا‮ ‬غير مسبوق‮.. ‬بدأت العلاقة بين الاثنين في‮ ‬الخمسينيات عندما التحق حسين سالم بالجيش كضابط احتياط في‮ ‬القوات الجوية بعد تخرجه في‮ ‬كلية التجارة‮.. ‬بدأت العلاقة تقليدية وفاترة الي‮ ‬حد ما ولكن ما إن اختار السادات‮ »‬مبارك‮« ‬ليكون نائبا له تذكر حسين سالم صداقته بمبارك واقترب منه بشدة وفتح أمامه أبواب تجارة السلاح وسانده ليخطو أولي‮ ‬خطواته في‮ ‬تلك التجارة التي‮ ‬تتحقق لمن‮ ‬يعمل بها أرباحا تفوق عشرات أضعاف الأرباح التي‮ ‬يحققها تجار المخدرات‮.‬

وبفضل أرباح تجارة السلاح انتقل مبارك من دنيا المستوردين الي‮ ‬عالم كبار الاثرياء وأراد مبارك أن‮ ‬يرد الجميل لصديقه ففتح له خزائن مصر فمنحه جزيرة نيلية بالأقصر تضم عشرات الأفدنة بمبلغ‮ ‬تسعة ملايين جنيه رغم أن سعرها الحقيقي‮ ‬يفوق هذا المبلغ‮ ‬مئات المرات،‮ ‬ثم منحه أرضا شاسعة في‮ ‬شرم الشيخ ورأس سدر وغيرها من المناطق والمدن‮.‬

لم‮ ‬يكن مبارك‮ ‬يرفض لصديقه أي‮ ‬طلب‮.. ‬وفي‮ ‬أحد الأيام طلب حسين سالم من صديقه مبارك أن‮ ‬يخصص له مساحات شاسعة من أراضي‮ ‬طابا،‮ ‬وبالصدفة كانت هذه الأرض مخصصة لرجل الأعمال وجيه سياج ولم‮ ‬يرفض مبارك طلب صديقه ونزع الأرض من سياج ومنحها لحسين سالم وتحملت خزانة الدولة‮ ‬750‮ ‬مليون جنيه دفعتها مصر لسياج الذي‮ ‬لجأ للتحكيم الدولي‮ ‬فقضت المحكمة الدولية بتغريم مصر هذا المبلغ‮ ‬الضخم الذي‮ ‬تم دفعه بالطبع من قوت الشعب المصري‮.‬

ويبدو أن نهم حسين سالم للثروة لم‮ ‬يكن‮ ‬يفوقه سوي‮ ‬ضعف مبارك أمام صديقه،‮ ‬ولهذا ما إن طلب منه أن‮ ‬يمنحه حق تصدير الغاز المصري‮ ‬لإسرائيل قال له مبارك‮: »‬اعمل شركة فورا‮« ‬وبالفعل تم تأسيس شركة‮ ‬يمتلك حسين سالم منها‮ ‬65٪‮ ‬من اسهمها بينما‮ ‬يمتلك رجال أعمال إسرائيلي‮ ‬25٪‮ ‬وشركة سويسرية‮ ‬15٪‮ ‬واحتكرت شركة حسين سالم تصدير الغاز لإسرائيل‮.. ‬وباعته بأسعار متدنية للغاية ويحقق حسين سالم مليارات الجنيهات بينما تخسر مصر‮.‬

وتصور مبارك أن حسين سالم وعلاقاته بمافيا السلاح ستوفر الحماية له وستضمن تنفيذ سيناريو التوريث ولكن كل أحلام مبارك ضاعت سدي‮ ‬وأسقطت الثورة مبارك وصديقه وضاعت علي‮ ‬مصر مئات المليارات من الدولارات‮.‬

جمال وعز

قلتها العام الماضي‮ ‬وأكررها اليوم‮.. ‬شكرا لجمال مفجر ثورة التطوير‮.. ‬هكذا تحدث أحمد عز في‮ ‬مؤتمر الحزب الوطني‮ ‬الأخير وهو‮ ‬ينتفخ فخرا وزهوا بينما جمال‮ ‬يكاد‮ ‬يلامس السماء برأسه وهو‮ ‬يشاهد كل وزراء وكبار مصر‮ ‬يصفقون له بكل حماس وهكذا وصلت العلاقة بين الوريث الموعود وجمال مبارك وصديقه الأنتيم رجل الأعمال المعجزة‮ »‬أحمد عز‮«.‬

حتي‮ ‬التسعينيات كان أحمد عز مجرد شاب مثل مئات الآلاف من الشباب الذين تخرجوا في‮ ‬كلية الهندسة،‮ ‬لم‮ ‬يكن أحمد عز طالبا عبقريا ولا فذا ولكنه حقق ذاته بشكل كبير في‮ ‬مجال بعيد عن الهندسة وهو عزف الدرامز وظل‮ ‬يتنقل مع مودي‮ ‬وحسين الإمام للعزف في‮ ‬الفنادق الكبري‮ ‬حتي‮ ‬طلب منه والده أن‮ ‬يتفرغ‮ ‬لإدارة أعماله التجارية،‮ ‬فغير عز من اتجاهاته وراح‮ ‬يتقرب بشدة من رجل الحزب الوطني‮ ‬القوي‮ ‬آنذاك كمال الشاذلي،‮ ‬وأخطأ الشاذلي‮ ‬خطأ عمره بأن فتح لأحمد عز الطريق لكي‮ ‬يتعرف علي‮ ‬جمال مبارك ولقد كان هذا التعارف المسمار الأول في‮ ‬نعش الامبراطورية التي‮ ‬تربع علي‮ ‬عرشها الشاذلي‮ ‬لسنوات طويلة في‮ ‬الحزب الوطني‮.‬

كان عز أكثر ذكاء من جمال وأراد أن‮ ‬يختصر المسافات بينهما ولهذا راح‮ ‬يتبرع بمبالغ‮ ‬كبيرة لجمعية جيل المستقبل التي‮ ‬أسسها جمال مبارك‮.. ‬كان عز‮ ‬يدفع لجمعية جمال باليمين وهو علي‮ ‬ثقة بأنه سيجني‮ ‬أرباح تبرعاته باليمين والشمال وصدقت نبوءاته فبعد سنوات قليلة صار امبراطورا للحديد في‮ ‬مصر وحقق في‮ ‬سنوات قليلة ثروة تجاوزت‮ ‬40‮ ‬مليار جنيه ولم‮ ‬يقتنع بالمال فقط وأراد أن‮ ‬يزوج ثروة بالسلطة وكان له ما أراد‮.. ‬فتح له جمال مبارك سلم المجد ليرتقيه بسرعة الصاروخ ويصبح خلال سنوات معدودة الرجل الثاني‮ ‬في‮ ‬الحزب الوطني‮ ‬وبلغ‮ ‬جبروته السياسي‮ ‬حد تحديده من‮ ‬يفوز بعضوية مجلس الشعب‮ ‬2011،‮ ‬وتحق له ما أراد واختار بنفسه أعضاء المجلس وكانت اختياراته العامل الأكبر في‮ ‬إشعال نار الغضب في‮ ‬مصر وفي‮ ‬تفجير ثورة‮ ‬25‮ ‬يناير العظيمة‮.. ‬الثورة التي‮ ‬أطاحت بكل هؤلاء وقذفت بهم الي‮ ‬السجون جنبا الي‮ ‬جنب مع جمال مبارك ليواجهوا جميعا تهما بالفساد والإفساد والتربح وقتل المصريين‮.‬

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل