المحتوى الرئيسى

بين مجدي "الدقاق".. ومجدي "الجلاد"!

06/23 11:26

بقلم: شعبان عبد الرحمن*

الأستاذ "مجدي الدقاق" هو رئيس تحرير مجلة "أكتوبر" السابق، وأمين التثقيف في الحزب الوطني الديمقراطي (المنحل)، وأحد أشهر المنافحين عن الرئيس السابق ونظامه على شاشات التفلزة، وهو أحد الوجوه التي وظّفها النظام السابق لـ"حرق دم" الشعب المصري عبر شاشات الفضائيات.. وشكّل "الدقاق" مع "عبد الله كمال"، و"كرم جبر"، و"عمرو عبد السميع".. وغيرهم- كثيرون- شكَّلوا فريقًا قوميًا لاستفزاز الشعب المصري بتحليلاتهم اليومية التي تُسبِّح بحمد سيدهم المعظّم "الحزب الوطني" ليل نهار، ولو جلس هؤلاء جميعًا وراجعوا سجلهم الإعلامي وأحصوا الساعات التي أهدروها في الدفاع الكاذب عن سياسات الحزب والنظام البائد لاكتشفوا أنهم أهدروا جانبًا لا بأسَ به من حياتهم.

 

ولا أعتقد أنهم يعضون اليوم أصابع الندم على الردح اليومي الذي كانوا يكيلونه للمعارضة المصرية، وبالأخص "جماعة الإخوان المسلمين" التي نالها منهم معظم مفردات قاموس البذاءة الإعلامية، ولكن حملاتهم كانت تأتي دائمًا بنتائج عكسية لصالح "الجماعة" التي يتواصل الالتفاف الشعبي حولها، بينما تهاوى مقدسهم وأصنامه إلى غير رجعة.. والواقع اليوم ينطق بذلك.

 

أما الأستاذ "مجدي الجلاد"، فهو رئيس تحرير صحيفة "المصري اليوم" التي أحدثت انقلابًا في سياساتها بعد الثورة تجاه "الإخوان".. والسر في ذلك موجود عند ملاّك الجريدة ورئيس تحريرها، ولا أعتقد أن أحدًا يمكن أن ينكر على "المصري اليوم" أو أي نافذة إعلامية أخرى حقها في اتخاذ ما تشاء من مواقف، وبث ما تريد من أخبار، سواء كانت مؤيدة أو مخالفة للآخرين، طالما كان الموقف متسمًا بقواعد الخلاف المحترمة، وطالما كان الخبر مستوفيًا مقومات المصداقية المهنية وتحري الحقيقة دون اجتزاء أو التفاف، وطالما كان ذلك في حدود الخصومة الشريفة البعيدة عن التجريح وكَيْل الاتهامات.

 

لكن مواقف "المصري" من الإخوان بعد "ثورة يناير" باتت- عبر المواد الصحفية المنشورة - حافلة بكيل الاتهامات الباطلة، والإلحاح على تهييج الرأي العام ضدهم ببث أخبار خطأ، يُخدِّم عليها عدد من مقالات الرأي الحافلة أحيانًا بالتجريح، وقد كان ذروة ذلك الخبر الذي نشرته الصحيفة في عدد 14/6/2011م تحت عنوان: "مفاجآت قضية التجسس: الضابط "الإسرائيلي" اتصل بقيادات الإخوان والتقى السلفيين قبل الفتنة"، وهو عنوان أشبه ببلاغ للرأي العام ولكل السلطات المعنية بأن الجاسوس على "صلة" بالإخوان والسلفيين، وعلى القارئ أن يختار وفق تحليله هو أي نوع من الاتصال تم بين الجاسوس الصهيوني والإخوان، وأي نوع من اللقاءات تمت مع السلفيين.

 

وتلك هي أساليب الصحافة الصفراء بعينها، خاصةً أن تفاصيل الخبر لم تذكر شيئًا عن تلك الاتصالات أو اللقاءات، إنما تطرقت إلى أن "الجاسوس" كان يجمع معلومات عن الإخوان والسلفيين! وهو ما يؤكد الخبث في صياغة الخبر وسوء القصد في تشويه الإخوان والسلفيين، ولا يوضع إلا في خانة الألاعيب الصحفية غير الشريفة.

 

وخبر اتهام الإخوان والسلفيين بالاتصال بـ"الجاسوس الصهيوني" لا يقل فداحةً عن خبر التهويل في نشر العرض التمثيلي الذي قدّمه طلاب جامعة الأزهر قبل سنوات، وروّجت له "المصري اليوم" على نطاق واسع، على أنه عرض عسكري لاستعراض القوة من قِبَل الإخوان، فكان بلاغًا لنظام "مبارك" لكي يلفّق قضية عسكرية ألقت بقيادات كبيرة من الجماعة في غياهب السجون، بعد مصادرة أموال وإغلاق شركات ومؤسسات.

 

فهل هذه هي المهنية لدى الزميل "مجدي الجلاد"، والتي يقول عنها في بيانه ردًّا على مقاطعة الإخوان لجريدته: "والحق أن "المصري اليوم" كانت ولا تزال تقف على مسافة واحدة من الجميع.. وهي تمارس دورها في المجتمع من مساحة المهنة وليس السياسة.. وبين الاثنين فرق كبير.."!

 

عن أي مهنية تتحدثون بالضبط؟ وأين هو الضمير المهني في هذا السيل من الأخبار المغلوطة سوى استخدام كل فنون المهنة- التي ظلمتموها- في حَبْك الصياغة وخداع القارئ وتلفيق التهم؟!

 

في أي مساحة مهنية يمكن أن تضع الخبر الذي نشرتموه عن المرشد العام للإخوان يوم الاستفتاء، متهمين فضيلته بأنه تجاوز صفوف المصوتين في اللجنة؛ مما أثار استياءهم، ثم كان نشرُ صورته وهو بين صفوف الجماهير ليأخذ دوره في التصويت أبلغَ رد على مهنيتكم وحيادكم المزعوم.

 

هل حقًّا تمارسون دوركم من مساحة المهنية وليس السياسة؟ فكيف ترد على ما بثّه المحامي "عصام سلطان" على "اليوتيوب" مبلغًا الرأي العام بأنكم قبل الاستفتاء نظمتم ندوة قيل: إنها بتمويل أمريكي عن الاستفتاء، وإنه بمجرد إعلان رأيه في الندوة بأنه سيصوت بـ"نعم" للتعديلات الدستورية هاجت عليه القاعة، ثم خرج وراءه المخرج "خالد يوسف" معاتبًا إياه بعد انتهاء الندوة قائلاً: "فجعتني يا عصام برأيك، إحنا عايزين نظبط البلد قبل ما ياخدوها الإخوان".. أليس هذا الدور الذي تقومون به غارقًا في السياسة حتى أذنيه.. وأي سياسة؟!

 

قولوا لنا: "أي مهنية تلك التي تتحدثون عنها عندما تنشرون خبرًا عن إصدار المحكمة الدستورية العليا الحكم (رقم 13 لسنة 15 قضائية) بتاريخ 17/12/1994م على أنه حكم يتعارض مع نص (المادة 60) من الإعلان الدستوري الجديد الذي يتضمن اختيار الجمعية التأسيسية بمعرفة مجلس الشعب والشورى بعد انتخابهما لإعداد مشروع الدستور الجديد؟"، ثم كشف مهنيتكم النزيهة المستشار ماهر سامي نائب رئيس المحكمة الدستورية العليا عندما ردّ عليكم قائلاً: "لم يسبق أن أقرت المحكمة الدستورية في أي من أحكامها التي صدرت على مدى أكثر من 40 عامًا حكمًا يتصل بتحديد الجهة التأسيسية التي تضع الدستور"، ستقولون: كذبنا ولفقنا، وهذا خطأ اعترفنا به بشجاعة عبر نشر رد سيادة المستشار، وتلك هي المهنية في أجلى صورها، نقول لكم: إن المهنية بأصولها السليمة تقتضي التحري ثم التحري قبل النشر، خاصة عند اتهام الناس أو بلبلة الرأي العام، وليس الكذب المفتوح ثم الاعتذار إن انتبه أحد لذلك وصححه!!

 

ثم في أي بند من المهنية البعيدة عن السياسة تضعون تلك الكلمات النابية والاتهامات الجارحة التي وجهها د. حسن نافعة للإخوان في أحد مقالاته الغاضبة منهم قائلاً: "... الأداء السياسي للجماعة، الذي اتسم بالغموض في بعض المواقف، ولم يكن بنَّاءً في مواقف أخرى كثيرة - خاصة بعد الثورة - أصبح الآن مستفزًّا ومُخَرِّبًا، وخطرًا على الثورة، بل يهدد بضياع فرصة حقيقية تتيحها ثورة 25 يناير لتأسيس نظام ديمقراطي حقيقي في مصر، وتلك جريمة يتعين أن يتحمل كلُّ مَن يتسبب في وقوعها مسئوليتها كاملةً أمام التاريخ".

 

لقد ظهر "مجدي الجلاد" على شاشة إحدى الفضائيات متوترًا ومنفعلاً وهو يدافع عن شرفه المهني ونزاهته ضد وثيقة تم العثور عليها ضمن وثائق جهاز مباحث أمن الدولة تطعن في نزاهته، وقد كان معه كل الحق وهو ينتفض للدفاع عن نفسه ضد ما اعتبره ظلمًا واقعًا عليه.. وكان ينبغي- بعد أن ذاق الظلم- أن يدرك فداحة الترويج الكاذب ضد شخص أو جماعة بأخبار ملفقة.. لكن الذي يبدو أن الأجندة المرسومة تقتضي غير ذلك.

 

إنه يتابع نفس مسيرة "مجدي الدقاق"، وإن كان "الجلاد" في بداية الطريق، فقد تخصَّص "الدقاق" في دقّ عنق الحقيقة ليصنع حقيقة من محض خياله تروج للنظام البائد وتزين أفعاله الشائنة وسياساته الهدامة، وكان يسير خلف سيده "جمال" و"أحمد عز" قدمًا بقدم وكتفًا بكتف، وعندما خالف في مانشيت كَتَبه على صدر مجلته بشأن مباراة مصر والجزائر كادوا يشوطونه خارج أسوار صاحبة الجلالة التي أهانوها.

 

واليوم يحاول "مجدي الجلاد" مع الإخوان جلد الحقيقة لصناعة حقائق يدعي أنها تقوم على المهنية، وهي في حقيقتها مفتريات ظنًا منه أنه سيستطيع اغتيال شعبية الإخوان وثقة الجماهير بها لصالح شعبية التيار العلماني الليبرالي الذي يعدّ مالك جريدته السيد "نجيب ساويرس" أحد أقطابه!.

 

لقد قفزت "المصري اليوم" إلى مقدمة الصحف في بداية صدورها يوم أن انحازت للحقيقة بصدق، واليوم تهدم ما بنته بانتهاجها طريق اغتيال الحقيقة فيما يخص الإخوان بالذات، وليست القضية هنا - كما قلت آنفًا- معارضة الإخوان أو مخالفة موقفهم السياسي، فالمعارضة والمخالفة القائمة على حقائق ودون سباب وتجريح تثري الحياة السياسية، وتُحدث بها حراكًا ونشاطًا إيجايبًا، وليس مطلوبًا أن يكون الناس في مواقفهم نسخة واحدة، فالكل حر في موقفه وفكره.. شريطة أن يعبر عنه بمصداقية الكلمة وصدق الموقف.

 

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل