المحتوى الرئيسى

إشارات فى مسيرة لم تنطلق

06/23 09:06

بقلم:

جميل مطر

gamil matar profile

23 يونيو 2011

08:50:00 ص

بتوقيت القاهرة

تعليقات: 0

إشارات فى مسيرة لم تنطلق

لسنا حالة مختلفة تماما عن حالات الانتقال إلى الديمقراطية التى تمر بها دول أخرى أو مرت بها واستقرت. نخطئ فى التقدير، وبالتالى نخطئ فى تحديد الأهداف والسبل المؤدية إليها، إذا استمرت القيادات السياسية الناشئة وكذلك المخضرمة فى إصرارها على القول إننا تجربة خاصة أنه لا وجه، أو حاجة، للمقارنة بينها وبين تجارب أخرى سابقة أو معاصرة.

كنت أتحدث مع الوزير نبيل العربى ساعات قبل سفره لبروكسل ليعرض رأيه على الأوروبيين فى أسلوب معالجة قضية فلسطين أمام الأمم المتحدة، عرضت معه تطورات الجدل الدائر حاليا فى مصر ونقلت إليه قلقى نتيجة صعوبات فى التحاور وتصلب بعض شرايين المتحاورين. كشفت أيضا عن شعور بأن شيئا ما يكاد يتفلت من بين أصابعنا. أرى رداء الثورة يرتديه كثيرون لا يستحقونه، وأرى بعض عمر الشباب يسرق منهم وبعض حكمة التجارب يستهين به أهل الحكم. أرى كثيرين يتحدثون وهم فى مكانهم واقفين لا يتحركون، وقليلين هم الذين يسمعون ولا يشككون. أرى وقتا ثمينا يهدر وثورة عظيمة فى المهد احتشد غرب وعرب وأهل من بيننا لتعليقها تمهيدا لوقفها..

استمع نبيل وعندما انتهيت، قال إن لديه الكثير مما يجب أن أعرفه بعد أن اعترفت أمامه بأن لدى الكثير مما كان عصيا على فهمى. ولما كان الوقت ظهيرة الجمعة والظرف حديقة فندق ماريوت يضيقان بكثرة وحساسية ما يجب أن نتبادله قررنا أن نكتفى بطرح بعض حصاد الأيام الأخيرة. بدأ طرحه بأن نقل لى شهادات وزراء من دول فى أوروبا الشرقية جاءوا إلى مصر ليطلعوا وينصحوا ويحذروا. هؤلاء الوزراء أجمعوا، رغم أن كلا منهم تحدث مع الوزير العربى على حدة، عن أن عملية الانتقال إلى الديمقراطية التى دشنت فى أوروبا الشرقية فى أعقاب الثورة على الاستبداد الشيوعى، ما تزال بعد عشرين عاما تحبوا وإن بسرعات متفاوتة.

أشار الوزراء إلى أنه مرت فترة خلال العشرين عاما الماضية عادت فيها «فلول» الحزب الشيوعى الى الحكم بفضل انتخابات شفافة وحرة، ولكن لم تجرؤ هذه الفلول على استخدام أساليب قديمة فى الحكم ولا حتى ممارسة العقيدة سرا أو علنا. إن القلق الناتج عن الخوف من احتمال عودة من استبد وظلم وعذب أمر طبيعى، والاستعداد لمنع عودتهم واجب على الثوار وحق لهم، ولكن المبالغة فى قوتهم كالمبالغة فى تفكك الثورة والثوار كان يمكن أن تهدد الاستمرار فى التجربة الانتقالية بأسرها.

أضاف القاضى الدولى الذى يستعد للانتقال هو الاخر من منصب وزير الخارجية إلى منصب الأمين العام للجامعة العربية إلى شهادات وزراء أوروبا الشرقية أنه بينما اختلف وزير عن آخر فى تقدير أهمية عنصر على آخر من عناصر المرحلة الانتقالية، أجمعوا على أن إصلاح الاقتصاد يجب أن تكون له الأولوية المطلقة فى برامج الانتقال إلى الديمقراطية. هنا يتفقون تماما مع المسئولين من أمريكا اللاتينية وآسيا الذين زاروا القاهرة مؤخرا.

هم أيضا أجمعوا على أن الديمقراطية يجب أن تعنى للشعب الذى لم يألفها أو يمارسها الرخاء والحياة الأفضل، وإلا خفت حماسته لها واستعداده للتضحية من أجلها. أجمعوا أيضا، هؤلاء وأولئك، على أن البيئة الإقليمية تلعب دورا مهما فى ترطيب أو تعقيد مسيرة الانتقال نحو الديمقراطية. ففى أوروبا الشرقية مثلا، ما كان يمكن أن يتحقق النجاح لثورات الزهور باليسر الذى تحققت به لو لم تكن أوروبا الغربية جاهزة لدعمها منذ اليوم الأول معنويا وماديا، ولو لم تكن الظروف الثورية فى أنحاء أوروبا الشرقية، وفى روسيا تحديدا، ناضجة ومتوفرة..

●●●


عدت إلى أوراقى أقرأ ما سجلته من كلمات وإجابات مسئولين من أمريكا اللاتينية وأفريقيا وآسيا عن تجارب بلادهم خلال عملية الانتقال من الاستبداد إلى الديمقراطية. هؤلاء دعتهم وكالة التنمية التابعة للأمم المتحدة ليطلعوا كبار المسئولين وقادة التغيير من شباب وشيوخ على المشكلات التى واجهت بلادهم خلال عملية الانتقال وليوفروا عليهم تكرار الأخطاء التى وقعت فيها التجارب الأخرى. وجدت سطورا فى أوراقى كتبتها خلال هذا الاجتماع أعبر بها عن خيبة أملى فى مسئولين يعقد الاجتماع من أجلهم ولا يحضر منهم إلا أقل القليل وأكثر هؤلاء لم يحضر سوى لفترة وجيزة فى جلسة أو أخرى.

كان مفيدا لو حضروا ليسمعوا ويعوا ويناقشوا ويقارنوا. كان مفيدا لو حضروا ليعرفوا أن معظم المتحدثين ركزوا على أهمية الانتباه إلى تطور الأحوال فى دول الجوار، وأن الخلاصة التى توصل إليها قادة التغيير هناك وهى التى تقضى بضرورة توخى الحذر الشديد إزاء وجود دولة من دول الجوار معادية للثورة، باعتبار أن هذا الوجود سبب كاف لتعقيد مسيرة المرحلة الانتقالية وخلق المشاكل أمام قياداتها. وفى هذه الحالة ينصح بعض هؤلاء الذين قادوا المرحلة الانتقالية فى دول أمريكا اللاتينية بألا تخجل الثورة من الترويج لمبادئها وأهدافها فى كل أنحاء بيئتها الإقليمية، فهى إن لم تكسب دعم حكومات دول الجوار فستكسب حتما تعاطفا إن لم يكن دعم شعوب هذه الدول وأغلبها مظلوم ومقهور.

●●●

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل