المحتوى الرئيسى

الخبير الاقتصادي محمد العريان: مرحلة ما بعد الثورة بحاجة إلى الدعم العالمي

06/23 11:31

استعرض د. محمد العريان الخبير الاقتصادي المصري-الأمريكي الذي يشغل منصب المدير التنفيذي لبيمكو تقريراً مفصلاً حول رؤيته لمستقبل ثورة مصر الاقتصادي وجاء فيه..

خلال زيارتي الأولى لمصر منذ سقوط نظام مبارك قبل أربعة أشهر، رأيت مجتمعاً نابضاً بالحياة، يتعامل مع واقع التحولات الوطنية العميقة، ويواجه تحديات الرياح المعاكسة على أساس التفاعل مع شريحة من المجتمع، تشارك في بناء "مصر الجديدة"؛ فرحلت محملاً بالآمال في أن التنسيق السليم والعزم، يمكنهما تحقيق الهدف الرئيسي للثورة ألا وهو "مصر أفضل" لأجيال المستقبل؛ ولكن مصر تحتاج أيضاً إلى دعم أفضل وأقوى من الخارج.

مصر اليوم مكان أكثر روعة؛ حيث غضب المناقشات السياسية، والأحزاب السياسية الجديدة التي تتشكل، وإعادة هيكلة المؤسسات، ووسائل الإعلام مفرطة النشاط؛ والأهم من ذلك، أن المجتمع المصري لا يزال يستمد قوته من خلال قدرته على التغلب على الخوف والقمع، وتحمل المسئولية المباشرة لمستقبل أكثر إشراقاً.

كل هذا يشير إلى ما وصفه توماس فريدمان -محرر صحيفة نيويورك تايمز- بثورة "في مصر، بواسطة مصر، ولمصر"، وهو ما يتجلى في الخدمة المجتمعية التي تنتشر في مصر.

المتطوعون يتبنون القرى والأحياء الفقيرة بالمدن؛ لإحداث فارق على أرض الواقع، والأفراد مثل وائل غنيم ينشئون منظمات غير حكومية جديدة؛ لمساعدة الفقراء، والحالمون أمثال عالم نوبل د. أحمد زويل يتبنون مشاريع قومية؛ لتحسين فرص الحصول على التعليم العلمي.

المجتمع المدني المصري بدأ المشاركة من واقع شعوره بأنه مخوّل ومسئول عن تحقيق غدٍ أفضل، وهذه المشاركة أمر حاسم لمستقبل البلاد في ثلاثة جوانب هامة.

الجانب الأول أنها تسهل تحولاً تدريجيا في التوازن؛ بعيداً عن مطاردة المسئولين عن إخفاقات الماضي وحسب، ونحو مزيد من التركيز على المستقبل؛ حالما يتم تقديم مرتكبي جرائم الماضي إلى العدالة، ستقترب مصر من "الحقيقة والمصالحة"؛ وكلما عجّلت مصر بهذا، زاد احتمال الحد من هروب رؤوس الأموال، وجعلها تتدفق عائدةً الى البلاد.

الجانب الثاني هو تذكير يومي للمصريين أن الثورات ليست أحداثاً منفردة؛ بل عمليات تحويلية تستغرق وقتاً، وتنطوي على كثير من الخطوات، والجزء الأكثر وضوحا لأي ثورة (وهو إسقاط النظام القديم) خطوة ضرورية وشجاعة، غير أنه يحتاج إلى تعزيزه بالالتزام الثابت بمبادرات جريئة متطورة.

الجانب الثالث أنها تعد مرساة لسلسلة من التوجهات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمؤسسية محفوفة بالتحديات، وهي نتاج طبيعي للثورة، بحاجة لامتلاكها محلياً والتعامل معها جيداً وتقديم الدعم اللازم لها من قبل الأصدقاء والحلفاء من خارج مصر (بما فيهم المصريين المقيمين في الخارج).

في الأشهر المقبلة، ستبدأ مصر من جديد وبشكل كامل إنعاش اقتصاد، تعرّض إلى "التوقف المفاجئ"؛ خلال أيام الاحتجاجات الشعبية؛ وفي غضون ذلك يجب تغيير البنية الاقتصادية؛ لتحقيق النمو الشامل الذي يسرع من تخفيف وطأة الفقر، ويحسن القدرة التنافسية الدولية، ويستعيد التوازنات المالية.

العدالة الاجتماعية هدف رئيسي في "مصر الجديدة"، ففي أعقاب الانتفاضة الشعبية، أصبح الفقراء أشد فقراً، وتراجع السياحة حرم العديد من دخولهم في ذلك القطاع غير الحكومي، وتقلص النشاط الاقتصادي تسبب في تراجع إيرادات أخرى، وارتفعت الأسعار بسبب انقطاع الإمدادات، وارتفاع أسعار السلع العالمية.

زيادة التركيز على الاحتياجات الاجتماعية الأساسية، يجب أن يترافق مع تأسيس عملية سياسية مفتوحة، ويتزامن أيضاً مع الانتهاء من دستور جديد، وإجراء أول انتخابات برلمانية ورئاسية نزيهة وحرة بصورة حقيقي.

وعلى مؤسسات القطاع العام التغلب على سيطرة المصالح الخاصة التي أحدثت الضرر في الماضي، وعلى العاملين بالقطاع الخاص مقاومة عبادة الشخصيات التي تحد من فعاليتهم، مع مواجهة الشعور السائد بانعدام الأمن؛ حالما تعود الشرطة بشكل كامل إلى الأحياء والشوارع.

هذه التحولات ليست سهلة أو أوتوماتيكية؛ ولكن بالإمكان تحقيقها من قبل مجتمع مصري ملتزم بهدف ثورته، يتلقى مساندة إقليمية وعالمية، ولكن ذاك لن يتأتى لأن المنطقة تعصف بها قبضة التغيير، كما أن الاقتصاد العالمي يقوّضه تباطؤ النمو وارتفاع معدلات البطالة في الدول المتقدمة وأزمة الديون في أوروبا.

وهكذا، بدلا من تلقي الدعم، تواجه مصر رياحاً معاكسة؛ حتى ذلك الدعم الاستثنائي الذي تلقته من أصدقائها وحلفائها كان هزيلاً، وأقل من أن يتناسب مع أهمية الثورة المصرية، وهذا ما يجب أن يتغير أيضاً إذا ما قدر لمصر أن تستكمل ثورتها الناجحة.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل