المحتوى الرئيسى

نريد مشاهدة الفيلم الإيراني

06/23 04:49

سوسن الأبطح

حتى أنصار المقاومة من المثقفين اللبنانيين، لم يرق لهم منع فيلم سينمائي لمجرد أنه يصور التظاهرات المعارضة لانتخاب محمد أحمدي نجاد رئيسا لإيران عام 2009. الحرية غالية على قلوب اللبنانيين، وكثيرون على استعداد لصيانتها برموش العين. فرق كبير بين الهجوم على صور فوتوغرافية، لمصور إسرائيلي، يلغي ضمنا في عمله وجود فلسطين قبل عام 1948، وتفكيك معرض دولي ضخم من وسط بيروت احتجاجا على مشاركته فيه، كما حصل مؤخرا وفرحنا له، وبين حشر الرقابة أنفها لمنع شريط سينمائي لأنه يهاجم النظام الإيراني. إسرائيل لا خلاف، حول مقاطعتها وقطع دابر من يروج لعنصريتها وإجرامها. أما الذي اندس في اللحظة الأخيرة لمنع الفيلم الإيراني «الأيام الخضر» لهانا مخملباف، فقد أساء للحكومة اللبنانية الجديدة في أيامها الأولى، بمنع وحجب ما كانت قد سمحت به الحكومة التي سبقتها، ليبدو أن من سبق كان أكثر تحررا وانفتاحا ممن لحق، فتلك حكومة أعادت النظر في خمسة أفلام كانت قد منعتها الرقابة، وهذه أخرى تحجب ما سمح به.

الأمر ليس بالضرورة على هذا النحو الأوتوماتيكي، لكن تنصل الوزراء الجدد، بحجة انشغالهم بتسلم مهامهم، وغياب أي تصريح رسمي، لغاية كتابة هذه السطور، يشرح أو يعترض على ما يحصل، يوقعنا في قلق مما يمكن أن يخبئه لنا مقبل الأيام. إذ لا يكفي اعتبار وزير الثقافة نفسه غير مسؤول، فهو معني أدبيا بما يجري، ومثله وزير الإعلام. في حين أن وزير الداخلية وهو المسؤول الأول، الذي لم تتوقف مديرة المهرجان الذي يستقبل الفيلم عن القول في وسائل الإعلام، إنها تود التعرف إليه، لم يظهر ليقول كلمة واحدة.

والقصة لمن لا يعرفها أن لجنة كانت قد شكلتها حكومة سعد الحريري، أجازت عرض خمسة أفلام منعتها الرقابة سابقا، واحتفاء بهذا الإنجاز قامت كوليت نوفل، وهي مديرة «مهرجان بيروت الدولي للسينما»، بإطلاق مهرجان خاص تعرض خلاله هذه الأفلام، سمته «مهرجان الأفلام الممنوعة». وفي غمرة الاحتفال بهذا الحدث، تشكلت الحكومة الجديدة التي يتهمها فريق 14 آذار بأنها حكومة حزب الله، وتم منع الفيلم الإيراني حصرا، من دون إبداء الأسباب. وبعد ذلك بأربع وعشرين ساعة وقبل افتتاح المهرجان بيوم واحد، طلب قاضي الشؤون المستعجلة اعادة النظر في الفيلم اللبناني «شو صار» الذي يتهم الحزب القومي السوري بارتكاب مجزرة، ليرسو المهرجان على ثلاثة افلام فقط.

ليس من مصلحة حزب الله أو أي مناصر لإيران في لبنان، الدخول في متاهة الحظر واستعداء أنصار الحرية الذين ينتمون لكل الفئات. فأن تكون متعاطفا مع النظام الإيراني شيء، وأن تمنع كل ما يهاجمه أو لا يمدحه هو أمر مختلف تماما، ويستحق وقفة صارمة.

والطريف أن الجميع في لبنان يخجلون من تحمل مسؤولية منع عمل ثقافي، وكل مسؤول تتحدث معه، سواء كان دينيا أو سياسيا، يقول لك العبارة نفسها «ما تحطها بضهري». وبالتالي فالجو السائد هو وضع «قسم الرقابة» التابع للأمن العام اللبناني، في الواجهة، الذي بدوره يعتذر من أصحاب الشأن بعبارة «للأسف ليس الأمر بيدنا، نحن ننفذ الأوامر». وما تزال كوليت نوفل، مديرة المهرجان، تبحث عمن أعطى الأمر، دون أن تعثر عليه. والمرأة من اللياقة والذكاء، بحيث إنها غيرت برنامج المهرجان كليا، كي لا تعرض سوى ما سمح به، رافضة، على الرغم من غضبها، تحويل مهرجانها إلى منصة خطابية لأصحاب المآرب السياسية، يهجمون من خلاله على من منع الفيلم، ويوجهون الاتهام إلى جهة بعينها.

العاملون في المجال الثقافي، يفهمون جيدا أن لكل فئة في لبنان ممنوعاتها التي تحاول فرضها على الآخرين، إن هي استطاعت، بالقوة حينا وبالحيلة أحيانا أخرى. فالمركز الكاثوليكي حاول منع ألبوم ليدي غاغا الجديد، لأنه يمس حياة المسيح، وهناك حزب احتج على الفيلم اللبناني «شو صار» لأنه يوجه له الاتهام بارتكاب مجزرة، وقبلها اعترض الدروز على فيلم للراحلة رنده الشهال، ودار الفتوى لا تقصر من جهتها. وكل يريد دنيا الأفلام والأدب على هواه. ولو كانت الحكومة السابقة صادقة، بالفعل، فيما كانت تجهر به من توقها لتحرير الناس من مقصلة الرقابة، لامتلكت الجرأة على تغيير القانون بدل ترك الأمور سائبة كما هي عليه اليوم.

إبقاء قانون الرقابة مطاطيا ومزاجيا، سيسمح لكل مسؤول تسول له نفسه أن يفرض وصايته على البشر. بقاء القرار في عهدة أمنيين عسكريين، يجعل التواصل معهم صعبا وشائكا. أن يترك الفنانون تحت رحمة مزاج هذا الوزير أو تلك الجهة الدينية، يبشر في الأشهر المقبلة بمزيد من الممنوعات. وهو ما لن يسكت عليه أحد.

فبينما يتساقط الناس بالمئات فداء للحرية في دول عربية مجاورة للبنان، ثمة من يتنطح الآن ليستقوي على فيلم، أو يمنع وصول أغنية، بما يشبه موجة معاكسة لتيار التحرر الجارف، الذي بات لا يبقي ولا يذر. لذلك صدقت مديرة المهرجان حين وصفت ما يحدث بـ«المسخرة» لأن عليهم أن يشرحوا لنا كيف يمكن منع فيلم أو كتاب أو أغنية عام 2011؟ والأسوأ من كل هذا أن المخرجين اللبنانيين باتوا عشاقا للمواضيع والمشاهد الإباحية، تلفزيونيا وسينمائيا. ويبدو أن هذه الميول لا تزعج أحدا.

وافقنا أن يتفرج أولادنا، باسم «الحرية اللبنانية»، على نكات ومسلسلات وأغنيات، تقترب من خانة «البورنو»، إن لم تبلغها. وأقنعنا أنفسنا بأن عصر الانفتاح الفضائي يمطرنا، كالقدر السماوي الذي لا مرد له، بحكايات العشاق والحشاشين وبنات الهوى، وبسجالات سياسية لها من الانحطاط ما يسيء إلى كل نفس سوية. أما أن تكون الجهة نفسها التي تسكت على كل هذا هي التي تريد أن تفهمنا الآن بأن مشاهد تظاهرات الإصلاحيين في إيران، تجرح مشاعر بعض اللبنانيين، فهذا مما لا يمكن تحمله. وان يحاول حزب ينتمي للأكثرية الجديدة الحؤول دون عرض فيلم آخر لأنه يذكر بتاريخه الأسود الذي يتقاسمه مع بقية الأحزاب المشاركة في الحرب الأهلية اللعينة، فهو ما ينذر بشؤم كبير.

*نقلا عن "الشرق الأوسط" اللندنية

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل