المحتوى الرئيسى

الجذور التاريخية للسلطوية ـ المصرية

06/23 01:14

هناك إجماع بين الباحثين في علم الثورة علي أنه ليست هناك ثورة ـ أيا كان اتجاهها الإيديولوجي ـ تحدث فجأة‏.‏ إذ لابد أن تسبقها مسيرة طويلة من الاحتجاج الشعبي علي تردي الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية‏.‏ ليس ذلك فقط‏,‏ ولكن ـ وقد يكون ذلك أولا ـ

النضال ضد النظام السلطوي الذي يقوم قادته عادة باحتكار العمل بالسياسة, عن طريق إقصاء واستبعاد القوي السياسية المعارضة للنظام, وتأسيس تنظيم حزبي وحيد عادة يسند إليه العمل بالسياسة, وإن كان ذلك بصورة بيروقراطية, وليس باعتباره تعبيرا حقيقيا عن مصالح الجماهير وعملا منظما من أجل إشباع حاجاتها الأساسية.

والواقع أنه إذا أردنا ـ بصورة موضوعية متجردة ـ أن نبحث عن أصول السلطوية السياسية التي عبر عنها أبلغ تعبير الحزب الوطني الديمقراطي في عصر الرئيس السابق مبارك, فلابد أن نعود إلي ثورة.1952

فقد مثلت هذه الثورة قطيعة تاريخية مع العهد الليبرالي الذي تحددت بدايته مع إصدار دستور عام.1923 وتبني الضباط الأحرار الذين قاموا بانقلاب يوليو, الذي سرعان ما تحول إلي ثورة المشروع الإصلاحي للحركة الوطنية المصرية, والذي تبلور عبر السنوات منذ عام1945 وهو تاريخ نهاية الحرب العالمية الثانية حتي يوليو.1952

وهذا المشروع الإصلاحي صاغته القوي السياسية المصرية من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار, بعدما تبين أن النظام القديم ـ بحكم تفاقم أزمة الديمقراطية والأزمة الاجتماعية ـ قد تهاوي, وأنه لابد من إصلاح سياسي واقتصادي واجتماعي.

ودخلت ثورة يوليو1952 في صراع حاد مع الأحزاب السياسية القديمة وكان أبرزها حزب الوفد الذي كان حزب الأغلبية, ومع جماعة الإخوان المسلمين التي أراد قادتها أن يشاركوا الضباط الأحرار في حكم مصر.

وانتهي هذا الصراع بإصدار قادة الثورة قانونا تلغي بمقتضاه الأحزاب السياسية وتحل جماعة الإخوان المسلمين. ولملء الفراغ السياسي أنشأت الثورة تنظيماتها السياسية الخاصة بدءا بهيئة التحرير التي أعقبها الاتحاد القومي الذي تحول, بعد ليصبح الاتحاد الاشتراكي العربي.

وكل هذه التنظيمات لم تكن أحزابا سياسية حقيقية, بقدر ما كانت منظمات تقوم علي حشد وتعبئة الملايين وتدار عادة بطريقة بيروقراطية سلطوية بحيث تغيب عنها تقاليد الديموقراطية الحزبية.

وإذا كان الرئيس السادات قد حاول التخفيف من غلواء هذه السلطوية السياسية المطلقة التي قضت علي التعددية الحزبية ومنعت الجماهير من الاشتغال بالسياسة, وذلك عن طريق إنشاء منابر داخل الاتحاد الاشتراكي أولا قبل أن يسمح بقيام أحزاب سياسية تمثل اليمين والوسط واليسار, إلا أن الطابع السلطوي للنظام السياسي المصري ظل سائدا, لأن رئيس الجمهورية أراد أن تكون له الكلمة الأولي والأخيرة في عملية اتخاذ القرار سواء بالنسبة للسياسة الخارجية حين أبرم اتفاقية كامب دافيد, أو بالنسبة للسياسة الداخلية حين ألغي السياسات الاشتراكية, وطبق سياسية الانفتاح أو فلنقل حين قرر الانتقال إلي تطبيق الرأسمالية.

وجاء عهد الرئيس السابق مبارك الذي رسخ السمات السلطوية للنظام السياسي المصري, لأنه والحزب الوطني الديموقراطي احتكرا العمل بالسياسة عن طريق التزوير المنهجي لانتخابات مجلسي الشعب والشوري. بالإضافة إلي تطبيق قانون الطواريء وإقصاء الأحزاب السياسية المعارضة, ومحاصرة حركتها ومنعها عملا من الاتصال بالجماهير.

وقد أدي احتكار النظام للسلطة إلي احتكار الثروة, مما أدي إلي استشراء الفساد السياسي والاقتصادي, وحدث استقطاب طبقي حاد بين القلة المترفة من رجال الأعمال الذين بتواطئهم مع الدولة نهبوا أراضي الشعب المصري وتاجروا فيها وربحوا المليارات, والغالبية العريضة من جماهير الشعب التي باتت تعاني من سوء الأحوال الاقتصادية والبطالة, مما أدي في النهاية إلي زيادة دوائر الفقر في البلاد.

وإذا كنا قد حاولنا في إيجاز عرض وتلخيص السمات الرئيسية للسلطوية المصرية في العهود الثلاثة الناصرية والساداتية والمباركية ـ إن صح التعبير ـ, فإنه يمكن القول إن مصطلح السلطوية هو من المصطلحات الرئيسية في تصنيف النظم السياسية عموما إلي شمولية تصادر المجتمع المدني تماما وتمنع كافة المبادرات الجماهيرية, وسلطوية تهيمن علي المجتمع السياسي وإن كانت كل تسمح بهامش ضئيل للتعبير عن الآراء المعارضة, وليبرالية تفتح الباب واسعا وعريضا أمام التعددية الحزبية وتداول السلطة.

ومع ذلك فإن السلطوية المصرية اختلفت ممارساتها اختلافات جوهرية في المراحل التاريخية المختلفة التي مر بها المجتمع المصري, منذ ثورة يوليو1952 حتي ثورة25 يناير.2011

وذلك لأنه في عصر ثورة يوليو ـ مع الاعتراف بأنها مارست السلطوية, بمعني احتكار العمل بالسياسة لتنظيمات الثورة المختلفة( هيئة التحرير, الاتحاد القومي, الاتحاد الاشتراكي العربي)ـ فإن الثورة كان لديها مشروع أساسي وهو تطبيق العدالة الاجتماعية, وتقنين سياسة تكافؤ الفرص, والنهوض بالطبقات الفقيرة, ورفع الحصار الذي كان سائدا في العصر الملكي عن الطبقة الوسطي.

كان هناك للأمانة والتاريخ مشروع ثوري للنهضة, ولكنه تعثر لأنه طار بجناح واحد هو العدالة الاجتماعية التي أشبعت حاجات أساسية لدي الجماهير, ولكنه أغفل الجناح الثاني وهو الحرية السياسية.

ولعل في ذلك يكمن أحد الأسباب العميقة لهزيمة يونيو1967, لأن التضييق علي الحريات السياسية ومنع حرية التفكير وحرية التعبير, وسيادة الإعلام الموجه.

هو الذي مكن مراكز القوي الفاسدة من أن تهيمن علي المجتمع, مما أدي إلي الانحراف في مجال تحقيق برنامج ثورة يوليو.1952

أما في عصر الرئيس السادات الذي حاول تفكيك السلطوية المصرية التي كانت سائدة في العصر الثوري, وذلك بسماحه بقيام أحزاب سياسية متعددة تمثل اليمين والوسط واليسار, فإنه سرعان ما عاد إلي السلطوية, بمعني الهيمنة الكاملة علي إصدار القرار, حين ظهرت معارضة قوية لسياساته الداخلية والخارجية.

أما الرئيس السابق مبارك فقد مارس السلطوية بصورة مطلقة, بمعني احتكار العمل بالسياسة من خلال حزب الأغلبية المزعوم وهو الحزب الوطني الديموقراطي, وتطبيق سياسات رأسمالية فاسدة أدت إلي إفقار الشعب, مما ساعد علي تصاعد السخط الاجتماعي وظهور حركات الاحتجاج الاجتماعي.

وقد أدي التضييق علي الحريات السياسية وتدهور الأوضاع الاقتصادية إلي نشوء جيل جديد من الناشطين السياسيين, أغلبهم من الشباب الذين حاولوا بجسارة تحطيم قيود السلطوية السياسية بمبادرات خلاقة, كان هدفها في الواقع إعادة اختراع السياسة التي غابت ممارستها عن مصر عقودا طويلة من السنين.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل