المحتوى الرئيسى

باسل رمسيس : عن الفقراء، الثورة الأخيرة، والثورة القادمة

06/22 15:49

هل تكمن مصيبتنا في نخبتنا؟ لن أجيب علي هذا التساؤل. بل لأطرح تساؤلا آخر: ما الذي يجمع بين ساويرس وسليم العوا ووائل غنيم؟ هذه الأسماء هي مجرد عينة من أسماء كثيرة ، تشكل قطاعات مختلفة ومتباينة من النخب المصرية. إجابتي الشخصية علي هذا السؤال، ربما تكون مخطئة، ولا أدعي امتلاك الحقيقة، مثلما هو حال القوي الدينية.

إجابتي الشخصية هي أن ما يجمع الثلاثة هو رعب مشترك. أكثر ما يمكن أن يرعبهم هو ما يطلق عليه “ثورة الجوعى”… هذا المصطلح الذي يتم استخدامه مؤخرا، علي نطاق واسع ، لتخويف النخب المثقفة والمترددة من الطبقة الوسطي، وبالطبع ساكني الأحياء النظيفة . إلا أن هذه الاحتمالية، اشتعال ثورة الجوعي، لا يرعب الجميع . هناك قوي سياسية، يلتقي مشروعها السياسي، مع مشروع الجوعي وطموحاتهم لحياة كريمة. وهذه القوي تري أن ثورة الجوعي مبررة، إن لم تلب ثورة ٢٥ يناير ولو قدرا من طموحات فقراء مصر.

سواء خرج الفقراء في ثورة ذات قيادة ومشروع واضح، أو خرجوا في انتفاضة عنيفة وفوضوية، فإن مصالح الثلاثة الواردة أسماؤهم، سوف تمس وتهدد مباشرة: لا يحتمل نجيب ساويرس رؤية شركاته تحرق أو تنهب من الجموع، التي ستبدأ في محاسبته بمنطق من أين لك هذا. سيري سليم العوا مشروعه السياسي يتحطم أمامه، فهذه الثورة لن تحترم مشروعا دينيا، وفي الأساس انتهازيا قبل أن يكون دينيا. أما وائل غنيم، فلن يكون القائد في هذه الحالة، ليس هناك مكان “للشباب الشيك” في قيادة ثورة الفقراء.

الثلاثة، وغيرهم الكثيرون، يحاولون إجهاض مشروع الفقراء الثوري، كل لصالحه، وعبر طرق مختلفة:

العوا عبر الخطاب الكاذب (قال الله وقال الرسول)، من وجهة نظره، وتبعا لمصالحه. ولذلك فليس من المستغرب أن نجد نسخا أخري لما (قاله الله وقاله الرسول)، بناءا علي مصالح قوي أخري.

ساويرس يحاول إجهاض المشروع، عبر نفوذ رأس ماله. يؤسس للحزب الذي سيلعب دور الحزب الوطني في المجتمع الجديد. سخي في إنفاقه، واعيا بأن الفلوس (حترجع شئ وشويات). يلعب لعبة الثوري أحيانا، والمتحدث باسم المسيحيين أحيانا أخري . ملوحا بقدراته الخارقة كرجل أعمال. مراهنا علي ذاكرتنا الضعيفة… لم يهرب وقت الثورة، ونحن نسينا له محاولاته المستميته، مع باقى الحكماء، لإنقاذ مبارك ونظامه، بينما كان يلعب الجولف وحيدا، في منتجع “الجونة”، مثلما قال أخوه.

أما وائل غنيم، فهو يعرف أن عشرات الآلاف من شباب العشوائيات الفقراء، يحقدون عليه طبقيا، وربما سياسيا. هؤلاء الفقراء يعلمون أنهم وأصدقاءهم، الذين ماتوا برصاص الشرطة والقناصة، قدموا للثورة أكثر مما قدم هو لها. النجم، محترف البكاء في التليفزيونات، منسجم مع طبقته الوسطي، فيتخذ طريقها التقليدي في إجهاض مشروع الجياع، ألا وهو تقديم الحسنات. وليراجع القارئ ما نشر في جريدة الشروق يوم ٢٠ يونيو، عن مشروعه لتقديم بعض التحسينات علي المناطق العشوائية التي يسكنها هؤلاء الفقراء، وبأموال دبي، (دبي التي حاولت منع محاكمة الرئيس المخلوع) . بالحكمة التقليدية ، المعدلة: إطعم الفم قليلا، تستحي العين واللسان.

هنا لا يمكن تجاهل مفارقة هامة: كتب وائل غنيم علي صفحته في الفيس بووك، قبل أسابيع، منتقدا الصراع الدائر ما بين القوي السياسية المختلفة، ويطالب الجميع بأن يتحدوا لمصلحة الوطن. دون أي توضيح لماهية هذا الجميع، وعن أي وطن يتحدث. هل يتحد ساويرس مع عامل فقير في شبرا الخيمة؟ هل وطن سليم العوا هو وطن هذا العامل؟ بالطبع هناك وطن قادر علي استيعاب الجميع، لكن شرطه الأساسي هو ألا تدفع الغالبية فواتير رفاهية الأقلية. كان من الواضح أن وائل غنيم لا يعي، أو لا يريد أن يعي، بأن هذا الصراع السياسي طبيعي. هو صراع علي مشاريع سياسية مستقبلية، ورؤي متناقضة لمستقبل مصر وفقرائها.

مرت الأسابيع، ونشر المدون “محمد أبو الغيط” نصا بعنوان: “الفقراء أولا يا ولاد الكلب”. ملخص هذا النص، لمن لم يقرأه، هو : التساؤل حول لماذا لا يري المواطن المصري في وسائل الإعلام، صور الشباب الفقراء الذين استشهدوا من أجل الثورة؟ لماذا يتم التركيز علي شهداء الطبقة الوسطي؟ رصد لعدد من الأبطال الفقراء، تسفيه معركة الدستور أم الانتخابات أولا، وأخيرا الحديث الواضح حول أن هؤلاء الفقراء هم من أنجحوا الثورة، وإن مهمة تنمية حياتهم وتحقيق العدالة لهم، ينبغي أن تكون الأولوية، وإلا ستنفجر الأوضاع من جديد.

هنا تأتي المفارقة، التي تبكي ولا تضحك، جاء دور وائل غنيم لتفريغ المقال من مضمونه، “يستعير” عنوان المقال، كاسم لمشروعه الخيري الجديد، ويسميه “الفقراء أولا”!!! شتيمة “ولاد الكلب” تم حذفها، ليس لأن وائل غنيم مؤدب، بل لأنها تدل علي انفصال طبقي واضح، ومعركة اجتماعية قادمة، أشار نص محمد أبو الغيط إليها، ولا تحل عبر الحسنات.

لا يليق تجاهل طرفين أخرين، البرادعي، والقوي اليسارية والتقدمية، في هذا الحديث حول الفقراء.

البرادعي كشخصية، وتياره كطرف سياسي، لديهما إمكانيات التعبير عن قدر من طموحات هؤلاء الفقراء، وقيادة مرحلة انتقالية مقبولة. أؤكد هنا علي كلمة (قدر) وليس (كل) طموحات الفقراء. نتفق جميعا إنها ليست ثورة اشتراكية، لكنها أيضا ليست ثورة لتغيير نخبة فاسدة بأخري مثلها، وليست ثورة من أجل إيقاف التعذيب وفقط. إلا أن البرادعي لا يغامر، لا يتحرك في الشارع. وحين يتحدث، فهو يصدر وثيقة الحقوق، شديدة العمومية، التي يغيب عنها أي مضمون اجتماعي أو اقتصادي. لا تشير لمسألة الحد الأدني والأقصي للأجور، تتحدث عن حق التظاهر مع مراعاة حقوق الغير. من هو هذا الغير؟ لا تتحدث عن حق الإضراب. تتوه في العموميات، وتتحدث عن “الرفاهية”!!! تقترب من حافة الطائفية أحيانا، وربما عن غير قصد. ولن أعلق علي جملته التلفزيونية، بأن وثيقة حقوق الإنسان المصري مستمدة من القرآن الكريم!!!

أما اليسار والقوي التقدمية، فهم واعون بأنهم القوي الوحيدة التي لا تخاف من ثورة الجوعي. مشروع اليسار التاريخي يبتعد عن منطق الحسنات، وهو مشروع اجتماعي ثوري. اليساريون والتقدميون لديهم الوعي بأن الثورة ستستمر، علي الأغلب، وأن عليهم أن يشاركوا بها ويتفاعلوا معها. لكن، أين هو هذا اليسار من العمل المنظم مع هؤلاء الفقراء؟ لماذا هناك ثلاثة من مشاريع الأحزاب؟ لا يقدر أي منها على الحصول علي ٥٠٠٠ توكيل؟ هل هناك مبرر برنامجي أو سياسي لهذا الانقسام؟ أين هو البرنامج السياسي الواضح لمجمل المرحلة القادمة؟

ثورة الجوعي ستأتي، فتجاهل هؤلاء الجوعي، محاولة خداعهم بخطاب ديني، أو تقديم الحسنات لهم، لن يجدي ولن يحل المشكلة، بل سيعقدها. فإن كنت قد قدمت الكثير من التضحيات خلال عقود، حتي أتت ثورتك، لتقدم خلالها الآلاف من شبابك، ما بين جريح وشهيد، لتجد بعدها النخب السياسية الفاسدة، تقسم لحمك علي موائدها، وعلي موائد الحوار المزعوم مع السلطة الحالية، فلن تصمت. بل سيخرج الآلاف من الشباب من جديد، مثلما خرجوا يوم ٢٥ يناير، قائلين أمام الكاميرات: (مبقيتشي فارقة أموت أو مموتشي). لكن، من سيقف ضمن صفوف هؤلاء الفقراء؟ ومن سيؤيد إطلاق الرصاص عليهم؟

[email protected]

مواضيع ذات صلة

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل