المحتوى الرئيسى

عمارة الفقراء

06/22 08:08

نحن الآن أحوج ما نكون إلى حل جذرى لمشكلة السكن، بعد أن بلغت أسعار العقارات آفاقا جنونية، لا يمكن تفسيرها إلا بالمضاربة، ولا يفسرها حتى ارتفاع أسعار الأسمنت والحديد. هذه ضربة فى صميم الأمن القومى المصرى، لأنه يعنى ببساطة صعوبة إتمام الزواج. وهذه كارثة أخلاقية وإنسانية واجتماعية بمعنى الكلمة، فالهرمونات لا تمزح! وكلنا نسمع اليوم عن حوادث الاغتصاب.

أعتقد أنه قد آن الأوان لتطبيق نظريات حسن فتحى الرائدة فى عمارة الفقراء. كان هذا الإنسان الرائع يرى أننا بالعودة إلى تراث الأجداد فى تصميم الأسقف المُقبّبة، يمكننا الاستغناء عن الحديد والأسمنت، وبالتالى لن نحتاج إلى استخدام مواد بناء غالية الثمن تتحمل جهود الشد والانحناء التى يحتاجها السقف المستخدم حاليا. وهكذا يمكن للفقراء أن تكون بيوتهم متينة وواسعة وجميلة، وذلك باستخدام أبسط المواد المتاحة فى البيئة المحلية، وبالتالى تقل تكلفة البناء.

حسن فتحى لم يكن مجرد معمارى عبقرى، ولكنه كان فيلسوفا مثل تولستوى وغاندى وطاغور. إنسان يفهم الحياة كما يجب أن تُفهم، كيفا وليس كمّا، سعادة وليس لذة، سكينة وليس قلقاً، جوهراً وليس مظهراً، تجملاً وليس تكلفاً. البيت بالنسبة إليه لم يكن مجرد جدران وسقف، بل حياة وحضارة! لذلك كان يستمد أفكاره من البيئة لبناء منازل أكثر راحة ونظافة، بتكلفة أقل. مع البعد عن البيوت الضيقة الأسمنتية، المُصمّمة مُسبقا دون اعتبار لذوق المالك وحاجته. كان يقول إنه طالما يملك القدرة والوسيلة لإراحة الناس فإن الله لن يغفر له مطلقاً أن يرفع الحرارة داخل البيت 17 درجة مئوية بسبب استخدام أغبى وسائل البناء.

ليس غريباً أننا أهملنا حسن فتحى فى الماضى، ليس عجيباً أن تنتصر الفظاظة والسطحية على الأصالة والإنسانية الحقة. ليس مستغرباً أن ينتصر المقاولون ورؤوس الأموال على الرفق بالفقراء. ولكن بعد الثورة ما عذرنا الآن؟!

حينما أتذكر حسن فتحى يتداعى إلى ذهنى اسم ممدوح حمزة على الفور، المتعاطف بالفطرة مع الفقراء. مازلت أذكر حرقة قلبه العام الماضى حين حاول أن يساهم فى بناء مساكن الفقراء بعد سيول أسوان! وكيف استطاع أن يتغلب على وعورة الأرض وخفض تكلفة البناء. لكنهم حاربوه وحولوه إلى النيابة، ليتكدس المال فى جيوب المقاولين.

ولقد شاهدنا سيادته ينخرط مؤخرا فى العمل السياسى، وليت شعرى هل نحن بحاجة إلى سياسيين أم مؤمنين بالعمل العام؟!. أليس من الأجدى أن يفيد الوطن فى تخصصه، خصوصا وقد دعا سابقا إلى استخدام الحجارة فى البناء. لقد سعدت جدا حينما تنافس السلفيون والإخوان مؤخرا فى توصيل أنابيب الغاز للمواطنين بخمسة جنيهات! وصدقتهم حين قالوا إنهم يفعلون ذلك لوجه الله تعالى، إذ إننى لست معنيا بالتفتيش فى النيات!.

والعمود يرحب بآراء المهتمين بتفعيل عمارة الفقراء على أرض الواقع، وفى هذا فليتنافس المتنافسون. أليس ذلك خيراً من الاهتمام بأمور لا تهم إلا النخبة ولا تمس حياة البسطاء؟!

[email protected]

 

Comments

عاجل