المحتوى الرئيسى

اتساع فجوة أسعار النفط والغاز على جانبي الأطلسي.. الأسباب والتداعيات والإجراءات المحتملة

06/22 07:28

نعمت أبو الصوف

اتسعت فجوة أسعار النفط والغاز على جانبي الأطلسي إلى مستويات تاريخية، ولأن هذا التباين في أسعار الطاقة بين أمريكا الشمالية وأوروبا يؤثر في القدرة التنافسية لكل قارة، فإن تقارب أسعار النفط والغاز فيهما من شأنه أن يساعد على استعادة التكافؤ والمنافسة بين الأسواق هناك.

الاضطرابات الأخيرة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا خصوصا في البلدان المنتجة للطاقة رفعت أسعار النفط والغاز في أسواق أوروبا أسرع بكثير من أسواق الولايات المتحدة، حيث إن المضاربين هناك قلقون من تشديد العرض وارتفاع الطلب، في حين أن أسعار الطاقة في الولايات المتحدة وبصورة خاصة الغاز لم تتأثر بشكل كبير بتقلبات السوق العالمية، حيث إن ديناميكية أسعار النفط والغاز بين أوروبا والولايات المتحدة قد انفصلت: سعر خام برنت المرجع لأسعار النفط في أوروبا يتم تداوله حاليا بنحو 15 في المائة فوق سعر خام غرب تكساس الوسيط (الخام القياس الأمريكي) أو نحو 18 دولارا للبرميل. في حين أن الخام الأمريكي القياسي (خام غرب تكساس الوسيط WTI) كان يتداول في السابق بفارق دولار إلى دولارين للبرميل أكثر من نظيره الأوروبي خام برنت Brent. الفرق بين أسعار الغاز الطبيعي على جانبي الأطلسي هو أكبر من ذلك: حيث إن مؤشر أسعار الغاز لقارة أوروبا المتمثل في متوسط سعر استيراد الغاز في ألمانيا ارتفع أكثر في عام 2011، إلى ما يقرب من ثلاثة أضعاف السعر المرجعي لـ ''هنري هب'' المستخدم في بورصة نيويورك ''نايمكس'' لتداول الغاز. الفرق في أسعار النفط والغاز على جانبي الأطلسي هي أكبر الآن من أي وقت مضى.

فيما يخص الغاز الطبيعي، الفرق في الأسعار على جانبي الأطلسي يعود إلى اختلاف طبيعة إمدادات الغاز فيهما وطرق تسعير الغاز الطبيعي، حيث يتعين على أوروبا استيراد نصف احتياجاتها من الغاز الطبيعي. هذه الإمدادات تأتي من خارج الاتحاد الأوروبي عبر خطوط الأنابيب من روسيا، الجزائر وليبيا، وكذلك في ناقلات الغاز الطبيعي المسال. من المتوقع أيضا أن ينخفض إنتاج الغاز الطبيعي في أوروبا بشكل حاد، حيث تشير معظم التوقعات إلى أن الواردات ستنمو بصورة كبيرة في المستقبل لتصل إلى نحو 80 في المائة من الطلب المتوقع بحلول عام 2035. تمتاز الأسواق الأوروبية بتراجع إنتاج الغاز المحلى وارتفاع الطلب على الغاز، النتيجة هي أن أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بصورة عامة أقوى من الولايات المتحدة، وذلك بسبب المحدودية في هيكل إمدادات الغاز، إضافة إلى ذلك أسهم ارتباط أسعار الغاز مع النفط Oil-indexing في بعض التعاقدات الأوروبية في رفع أسعار الغاز في أوروبا.

إن أساسيات أسعار تداول الغاز الطبيعي تتأثر بالتقلبات الحقيقية في ميزان العرض والطلب والتقلبات الوشيكة المتوقعة في هذا التوازن على حد سواء، حيث إن نقص الإمدادات يحرك الأسعار نحو الأعلى، وزيادة العرض يخفضها. استمرار اعتماد أوروبا على مصادر الغاز الطبيعي الخارجية يجعل من استقرار آلية التسعير فيها عاملا مهما وحاسما لاستقرار الأسواق. إن الاقتران التاريخي في أوروبا بين أسعار الغاز الطبيعي وأسعار النفط في المدى الطويل، والارتباط بين أسعار النفط والغاز Oil-indexing في عقود التسليم، يعتبرا تحوطا مهما ضد ارتفاع أسعار الغاز في حالة نقص إمدادات الغاز طالما أن أسعار النفط نفسها لم ترتفع بطريقة متقلبة. لكن في حالة توافر سيولة تداول كافية في أسواق الغاز الأوروبية من الممكن أن تتحرك أوروبا باتجاه ربط تسعيرة الغاز الطبيعي بالأسواق الفورية spot-price indexing بدلا من الارتباط بأسعار النفط Oil-indexing. مثل هذه السيولة في التداول غير متوافرة في الوقت الحاضر لعدم وجود سوق مرجعية واحدة للأسعار في أوروبا كما هو الحال في أسواق الغاز في الولايات المتحدة التي تمتاز بتوافر سيولة التداول. في الوقت الحاضر هناك عدد كبير من مراكز تداول الغاز في أوروبا، يوفر كل منها سعره المرجعي الخاص للعقود الآجلة وعقود المبادلة Futures and swaps. طالما أن الاتحاد الأوروبي لا يعتمد سعرا مرجعيا واحدا لعقود الغاز في أوروبا، فإن جميع التدابير والجهود الأخرى المبذولة لتوفير سيولة التداول في أسواق الغاز الأوروبية لا تزال وسائل غير فاعلة. إن فك الارتباط بين أسعار الغاز وأسعار النفط Decoupling Oil-indexing في العقود طويلة الأمد وربط تسعيرة الغاز الطبيعي بالأسواق الفورية spot-price indexing بدلا من ذلك باعتماد مؤشر واحد لتسعير الغاز، هو الطريقة الحقيقية الوحيدة التي يمكن أن تجلب ديناميكية أكبر للأسواق لتسعير الغاز الطبيعي في قارة أوروبا.

في بعض الأوقات من الممكن أن يتم تداول الغاز في الأسواق الفورية بنطاق سعري مساو تقريبا إلى نصف مؤشر أسعار الغاز لقارة أوروبا المتمثل في متوسط سعر استيراد الغاز في ألمانيا، كما حدث في عام 2009. لكن دمج مراكز تداول الغاز مع الأسواق الفورية يمكن أن يجلب مزيدا من السيولة لأسواق الغاز الطبيعي في الاتحاد الأوروبي ويخفف بصورة أسرع من الفرق غير اللازم في الأسعار بين المناطق المختلفة لأوروبا، ذلك من خلال مطابقة العرض والطلب بشكل أفضل في التداولات الحقيقية بدلا من البقاء حبيسا لعقود طويلة الأجل.

في الوقت نفسه لا يمكن خفض أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا فقط من خلال توفير السيولة في التداول، إذا ما استمر الطلب على الغاز في الارتفاع وبقي العرض محددا بسبب هيكل إمدادات الغاز. هذا السيناريو الأخير يشكل تهديدا حقيقيا لاستقرار أسعار الغاز الطبيعي في المستقبل في أوروبا، على الرغم من التقدم الذي أحرز أخيرا لإقامة نموذج للبنية التحتية للغاز في عموم أوروبا. إن خفض مشكلات أوروبا الاستراتيجية نتيجة نقص واردات الغاز الطبيعي يتطلب بناء قدرات تخزين هائلة لضمان توافر كميات الغاز في متناول المستهلك في فترات ذروة الطلب الطويلة خلال فصل الشتاء، أو في فترات نقص العرض نتيجة الاضطرابات في مناطق الإمدادات مثلا. طاقات تخزين الغاز الطبيعي الحالية في الاتحاد الأوروبي تشكل نحو 60 في المائة فقط من قدرة التخزين في أمريكا الشمالية. في ضوء معدلات استهلاك الغاز في عام 2011، معدات تخزين الغاز الأوروبية تستوعب أقل من شهرين من الاحتياطيات الاستراتيجية. من الواضح أن هذا المخزون ليس كافيا لتلبية النقص في الإمدادات، خصوصا أن نحو 75 في المائة من احتياجات الاتحاد الأوروبي من الغاز في عام 2030 من المتوقع أن تأتي من الخارج.

ما غاب حقا حتى الآن بصورة كلية في أوروبا، هو استغلال إمكاناتها من مصادر الغاز الطبيعي غير التقليدية. تشير الدراسات إلى أن أوروبا إذا بدأت منذ الآن في تطوير هذه الموارد، هذا يمكن أن يؤدي في الواقع إلى وقف الانخفاض الحالي في إنتاج الغاز من المصادر التقليدية بحلول عام 2020، حيث إن الإنتاج المحلي من موارد الغاز غير التقليدية سيمكن أوروبا من سد حاجة جزء من الاستيراد. إضافة إلى ذلك تطوير الموارد غير التقليدية يجعل من أوروبا أقل عرضة لانقطاع الإمدادات، ويمكن أن يقلل من انخفاض واردات الضرائب ويحد أيضا من خسائر الوظائف من خلال إحياء عمليات تطوير وإنتاج الغاز، في الوقت نفسه سيمكن أوروبا من تقليل أعباء الإنفاق على واردات الغاز.

من المستغرب، أنه لحد الآن لم يصل خيار تطوير موارد الغاز غير التقليدية بعد، إلى جدول أعمال دائرة الطاقة الخاصة بالاتحاد الأوروبي، التي لا تزال تركز إلى بناء البنية التحتية بدلا من تحفيز خيارات تطوير موارد الغاز المحلية. التركيز المتزايد على توسيع البنية التحتية لنقل الغاز قد يؤدي إلى الإفراط في توفير الطاقات المتاحة للنقل. إضافة إلى ذلك، عدم وجود الدعم الكافي لمشاريع الصناعة الاستخراجية قد يؤدي إلى عدم استغلاك كامل طاقات النقل المتاحة بسبب نقص الغاز المتاح؛ ما يتطلب نهجا أكثر توازنا في هذا الجانب.

في الجزء الثاني سيتم التطرق إلى أسواق النفط والغاز في أمريكا الشمالية ومقارنتها بالأسواق الأوروبية.

*نقلا عن صحيفة الاقتصادية السعودية.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل