المحتوى الرئيسى

ممدوح الولي: العشوائيات كنز مصر المدفون!

06/21 18:15

- لا نملك إحصائية تحصر عدد المناطق العشوائية

- المساكن والعمل والثقافة.. حل ثلاثي ينهي المشكلة

- عجز الموازنة أكبر عائق أمام تطوير العشوائيات

- المناطق العشوائية ثروة عقارية وأرضية وبشرية

 

حوار: الزهراء عامر ومي جابر

تعاني العشوائيات من الإهمال والنسيان منذ عقود؛ حتى تحوَّلت إلى بؤر تتوطَّن فيها الأمراض الاجتماعية والثقافية والاقتصادية، وكانت التصريحات الكاذبة هي جواب الحكومة المسجَّل على استغاثات أهالي العشوائيات.

 

وبعد ثورة يناير تترقَّب العشوائيات ردودًا مختلفةً من حكومات شعبية، فيما أطلق المجتمع المدني مبادرات عدة للتطوير والتنمية.

 

(إخوان أون لاين) حاور الخبير الاقتصادي ممدوح الولي، وأحد أبرز المتهمين بملف العشوائيات، حول آليات حل هذه المشكلة وجدوى المبادرات الشعبية المطروحة لحلها؛ فإلى التفاصيل:

 

* بداية.. كيف ترى تصريح وزير التنمية المحلية محسن النعماني، بالقضاء على العشوائيات خلال 9 شهور؟

** أرى أن وزير التنمية المحلية لم يقل هذا التصريح بهذا الشكل، وفي كثير من الأحيان قد يختصر الإعلام جزءًا من المضمون، ويختلق أشياء ليست صحيحة، وقد يكون الكلام غير صحيح مطلقًا.

 الصورة غير متاحة

 

 

ويبدو أن وزارة التنمية المحلية قامت بتقسيم المناطق العشوائية إلى أربع درجات من حيث الخطر، والمعرضة للانهيارات على ساكنيها، وفي هذا التصريح يتحدث الوزير عن المناطق الأشد خطرًا في القاهرة الكبرى وليس في أي محافظة أخرى، وبحسب كلامه فهو بذلك يحل مشكلة بعض المناطق في القاهرة وحدها التي يرى أنها أشد خطورةً تاركًا الثلاث درجات الأقل خطورةً وبقية المحافظات.

 

تضارب الأعداد

* على أي أساس بنيت تصورك هذا؟

** بنيت هذا التصور على أمرين:

أولاً: لأن ملف العشوائيات غير واضح أمام الحكومة، وأنا أتحدى وزير التنمية المحلية أن يكون على دراية كافية بأعداد المناطق العشوائية في مصر؛ حيث إنه لم يتم حصر هذه المناطق منذ ما يقرب من عشرين عامًا.

 

والغريب أن كل هذه العشوائيات رغم ضخامة عددها خاصة بعشوائيات المدن فقط لم يتطرق أحد في مصر لحصر عشوائيات الريف، وهي أكثر من عدد العشوائيات في المدن؛ لأن الريف به 56% من عدد السكان، وعندما تم حصرها اعتبروا كل العشوائيات الموجودة داخل المراكز ببعض المحافظات منطقة واحدة، مهما تعددت المناطق فيها، وهناك محافظات أخرى اعتبروها خالية من العشوائيات، مثل محافظة مرسى مطروح، في حين أن هناك تقريرًا لوزارة التنمية أكد احتواءها على 22 منطقة عشوائية.

 

إذن كان هناك غوغائية في عملية الحصر والأعداد ليست دقيقة، وما تم إزالته من هذه المناطق 13 منطقة عشوائية؛ وخلال هذه الفترة ظهرت مناطق جديدة لم يتم مسحها أو حصرها.

 

ثانيًا: هناك تضارب بين وزارة التنمية وأجهزتها، وكذلك بينهم وبين الأجهزة الأخرى، وغير معروف عدد المناطق العشوائية، فهناك رقم صادر من جهاز التعبئة والإحصاء، ورقم آخر لدى وزارة التنمية الاقتصادية، ورقم مغاير تمامًا في مركز بحوث الإسكان، وغيره لدى وزارة التنمية المحلية، أو في إدارة الحكم المحلي، فهناك ما يزيد عن 9 أرقام متضاربة لعدد المناطق العشوائية في مصر، واختلاف العدد يعني أن هناك اختلافًا في عدد السكان.

 الصورة غير متاحة

 

 

* ما أسباب هذا التضارب؟

** السبب هو أنه ليس لدينا تعريف واضح ومحدد للمنطقة العشوائية، وكل جهة تقوم بإعداد بيانات عن المناطق العشوائية طبقًا لمفهومها الخاص، وتعريف العشوائيات هو أي بناء غير مخطط، ولم يتحقق فيه المواصفات الهندسية المطلوبة من مواد البناء وطول الأسقف وسمكها أو التهوية الجيدة وغيرها.

 

عدوى العشوائية

* وما الأخطار التي تهدد المجتمع من تنامي العشوائيات؟

** هناك العديد من الأخطار، سواء الثقافية أو الاقتصادية أو الصحية، فمن الناحية الثقافية يشعر سكان هذه المناطق بعدم الانتماء وعدم الاستقرار الدائم؛ حيث يحيون حياة بلا أسرة وبلا عمل، ولا يستطيعون توفير السكن ولا الزواج، وفي نفس الوقت يرى أمامه ساكني القصور والفلل والعمارات الفاخرة؛ مما يخلق لديه نوعًا من الحقد والغل وروح الانتقام والتمرد على المجتمع.

 

هذا إلى جانب أن عالم العشوائيات يتسم بعدم الخصوصية، ومن ثم يقتل العديد من المعاني والمشاعر، وعلى الرغم من أن العشوائيات تحتوي على بؤر سيئة السمعة؛ إلا أنها تخرج في نفس الوقت مجموعة من صفوة المجتمع أطباء ومهندسين ومحامين.

 

أما من الجانب الصحي، فتعاني هذه الأماكن من أمراض كثيرة وبكتيريا خطيرة، ينقلها السكان للمجتمع دون دراية منهم، ومن أبرز الأمثلة على ذلك إزالة المنطقة العشوائية التي تلاصق كلية الطب بجامعة عين شمس؛ نظرًا لما وجدوه من تلوث الأجهزة الطبية بالبكتريا القادمة من الحي العشوائي، ولم يجد المسئولون حلاًّ سوى إزالة هذه المنطقة تمامًا.

 

* وما أسباب انتشار هذه المناطق بهذه الصورة؟

** هناك غياب للرؤية الشاملة والمتكاملة لعلاج هذه الأزمة، كما أن هناك ثلاثة أسباب رئيسية تقف وراء هذه الزيادة الملحوظة بالمناطق العشوائية؛ هي زيادة عدد الأسر الجديدة سنويًّا بما لا يتناسب مع أعداد الوحدات السكنية التي يتم إنشاؤها كل عام، فحسب جهاز التعبئة والإحصاء هناك ما بين 500 إلى 600 ألف أسرة جديدة كل عام، وفي المقابل يتم بناء 280 فقط ألف وحدة سكنية، ويضاف إلى ذلك الهجرة من الريف إلى العاصمة، ثم الأسر المشردة التي تنهار منازلها بسبب العامل الزمني.

 

الكنز المفقود

* وكيف يمكن استثمار طاقة العشوائيات وإمكانياتها؟

** أولاً: هذه المناطق تحتوي على ثروة عقارية وأرضية؛ لأنها تقع بداخل العديد من الأماكن الحيوية على كورنيش النيل، وفي قلب المهندسين والدقي، بجانب أنها تحتوي على مواد بناء من الممكن استخدامها مرةً أخرى، وكذلك ثروة بشرية؛ حيث يصل عدد ساكني العشوائيات إلى 18 مليون نسمة، معظمهم أصحاب حرف، ويعملون في الورش، وبالتالي هم يؤدون دورًا مهمًّا في المجتمع.

 الصورة غير متاحة

 

 

ثانيًا: لو لم تكن هناك عشوائيات أين كان سيعيش هؤلاء الـ18 مليون نسمة؟ إذن هؤلاء الناس وصلوا لحل مشكلاتهم بأنفسهم، في حين عجزت الدولة عن حلها، وقدموا ما يستطيعون فعله، قد يكون المنتج غير مطابق للمواصفات؛ لكن هذه هي إمكانياتهم، ونحن لا بد أن نشكرهم؛ لأنهم توصلوا لحل مشاكلهم ولم يكلفوا الدولة، وهؤلاء لو لم يفعلوا ذلك لكانوا انفجروا في المجتمع ومارسوا أشياء أخطر من ذلك، فالعشوائيات تعتبر نوعًا من تخفيف الألم.

 

* هل يقف وضع الاقتصاد المصري بعد الثورة حائلاً دون تطوير العشوائيات؟

** أكبر عائق يقف في وجه تطوير العشوائيات هو ارتفاع عجز الموازنة الجديدة "2011/ 2012" الذي وصل إلى 271 مليار جنيه، ولو استطاع وزير المالية توفير الأجور في ظل هذا العجز فإن هذا يعدُّ إنجازًا، وبالتالي هناك صعوبة في توفير موارد كافية لملف العشوائيات.

 

وهذا الأمر غير مرتبط بالثورة، بدليل أنه في العام الماضي قبل الثورة وتضخم الأزمة تم تخصيص 163.5 مليون جنيه لتطوير المناطق العشوائية، منها 13 مليون جنيه قيمة الأجور، فما يتبقى من حجم مخصصات التطوير هو 150 مليونًا فقط، ولو قسم هذا الرقم على عدد المناطق العشوائية نجد متوسط المنطقة الواحدة 111 ألف جنيه في عام كامل، فلا يمكن أبدًا بذلك المبلغ الزهيد أن يتم معالجة أي شيء مطلقًا، فضلاً عن أن التعامل بمنطق "كل سنة نعالج جزء بالقطارة" هو منطق فاشل تمامًا، ولن يؤتي بثماره؛ لأن إصلاح منظومة العشوائيات وعلاجها لا يأتي بقطرة الإصلاح تلك، فعدد سكان العشوائيات يتضاعف يوميًّا، والأوضاع تزداد تدهورًا فيها، ولا تحدث قطرة الإصلاح الحكومية أي أثر ملموس، بل يتضاعف الإهمال ويغطي على ما تمَّ إصلاحه فيبدءون السنة التي تليها في إصلاح المشاكل من الصفر بعد أن تكون قد تفاقمت.

 

حل ثلاثي الأبعاد

* وما رؤيتك لحل هذه الأزمة وتطوير المناطق العشوائية؟

** التخلص من العشوائيات يحتاج إلى حل ثلاثي الأبعاد؛ البعد الأول عمراني يتعلق بإنشاء مبان آدمية مؤهلة لنقل ساكني العشوائيات إليها، والثاني البعد الاقتصادي، ويعتمد على توفير فرص العمل لهؤلاء في المناطق الجديدة حتى لا تتكرر تجربة سنة  1977م، ويعود قاطنو العشوائيات بعد نقلهم لمدينة السلام؛ نظرًا لارتباطهم بالعمل في أماكنهم القديمة بمنطقة الترجمان.

 

والبعد الثالث ثقافي؛ حيث يجب أن يكسر المجتمع الحاجز الذي بين قاطني العشوائيات وبقية فئات المجتمع، الذي جعلهم يفكرون في مصلحتهم الشخصية فقط دون المجتمع.

 

 الصورة غير متاحة

 

* ومن المسئول عن تنفيذ هذه الحلول؟

** من المفترض أن وزارة التنمية المحلية هي المسئولة عن ملف العشوائيات، ولكن الغريب أن هذا الملف بلا مسئول، فليس هناك شخص يتولى التخطيط لعلاج هذه المشكلة؛ إلا أنه تم إنشاء صندوق تطوير العشوائيات منذ عامين، ولكنه يعاني من قلة الموارد؛ ما يجعله غير قادر على مواجهة هذه المشكلة بمفرده، ولذلك نحن بحاجة إلى تكاتف الجميع لمعالجتها، سواء كانت الحكومة أو التعاونيات، بالإضافة إلى هيئة الأوقاف التي يجب أن تعود لدورها الحقيقي في رعاية هؤلاء الفقراء، كما يجب إقناع القطاع الخاص بأنهم يستطيعون تحقيق أرباح، من خلال تنميتهم لهذه المناطق، في مقابل تطهير البلاد من هذه البؤر المليئة بالأمراض الصحية والمجتمعية.

 

* ما تقييمك لعمل صندوق تطوير العشوائيات خلال الفترة الماضية؟

** النظام البائد قام بإنشاء هذا الصندوق من أجل تحسين وجهه أمام العالم، بعد انهيار ضخرة الدويقة التي راح ضحيتها أكثر من 100 مواطن، وتم تخصيص 500 مليون جنيه للصندوق أول عام، ثم انخفضت ميزانيته بعد أن تناسى العالم هذه الكارثة، ولذلك هو بحاجة إلى دعم بكل الوسائل، فضلاً عن إعطاء المسئول عنه درجة وزير حتى يجد من الوزراء المعنيين بهذا الملف الاهتمام المطلوب.

 

وكل متخصص ينظر لأي مشكلة من منظوره الخاص، وخاصة الاقتصاديين، مثلاً عندما نقول إننا نريد توفير فرص للمواطنين بالعشوائيات، فيدرس أن فرص العمل تتكلف 200 ألف جنيه، ويحسب ما يتناسب مع الميزانية العامة، على الرغم من أنه لو عاد لسكان العشوائيات أنفسهم فسيجد أنهم يضعون حلولاً لتوفير فرصة عمل لا تتجاوز الـ500 جنيه، وهي تعتبر حلولاً بسيطةً يمكن تنفيذها، وهناك تجارب عديدة نجحت في استطلاع آراء الأهالي أنفسهم.

 

مصالح البيزنس

* هل هناك تجارب حاولت تنفيذ هذه الحلول؟

نرشح لك

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل