المحتوى الرئيسى

العرب بين التطبيع والتطويع بقلم:فيصل حامد

06/20 20:52

العرب بين التطبيع أو التطويع


ليس من فرق واضح او فاضح بين كلمتي التطبيع والتطويع فمعناهما متقارب ولفظهما متطابق وكذلك الحال من حيث مبناهما اللغوي ومنتهما الصرفي فالتطبيع المفروض على الشعوب كرها وقسرا سيؤدي حتما الى التطويع والإذلال لهذا يمكن القول ان مثل هذا التطويع يجوز اعتباره وليدا شرعيا للتطبيع من خلال عمليه قيصريه غير شرعيه

ان الاهداف المعلنه للتطبيع بين الافراد والجماعات والشعوب غالبا ما تتظاهر بالرحمه والعدل والمساواة وصولا الى التعاون وبلوغ المصالح المشتركه وتعزيز العلاقات الاجتماعية والثقافيه هذا من حيث المبدا والاعلان المسبق لكن في باطن تلك الاهداف يكمن السم الزعاف خاصه ان كان خلف هذه الاهداف دوافع سياسيه مبرمجه ذات غايات خاصه معينه من شأنها تقويه جهة على اخرى والسيطره على مواردها ومقدراتها في السياق العلمي وضمن دوائر المصالح والاستقطانات المتنوعة والمشنوعه على حساب تنميه وتفعيل العلاقات الانسانيه الارتقائيه المتقدمه بين تلك الجهات المشموله بمثل هذة التطبيعات التي يمكن استغلالها واستثمارها من قبل فئات او حكومات او شعوب مستقويه بعددها وعدتها وبمناح ليست بغالبيه الحال ساميه وعادله وجميله .

ان التطبيع من حيث الجوهر والحقيقه يمكن توصيفة انسانيا على انه من اكثر الحالات الانسانيه والاجتماعيه سموا وارتقاء وان اقامته بين الافراد أو الجماعات او الامم متقاربه او متباعده متصادقه او متصادمة تؤكد الرغبه الطيبه من اجل تفعيل مختلف مناحي الحياه الاقتصاديه والثقافيه والاجتماعيه بين الكافة من الناس على تعدد انتماءآتهم الدينيه والعرقيه والسياسيه وطرق مذاهبهم وتقالديهم واحوالهم المعاشية والثقافيه لإقامة مجتمعات انسانيه راقيه بالعلوم متقدمة بالمعارف بعيدا عما يسمى حديثا بالعولمه المخادعه التي ترفع راياتها وتبشر بمفرادتها القوى الاستعماريه الغاشمة للسيطرة على مقدرات الشعوب واستثمار خيراتها او تدجينها وتشويه ثقافتها وتاريخها واختزال معارفها وعلومها ومع ان كلمه التطبيع مأخوذه منن الطبع والطباع والطباعة وهي توصيف لخصائص الانسان النفسيه والسلوكيه والعقلية التي هي الاساس لقياس مجمل المفردات الحياتيه والمعاشيه لهذا الانسان او ذاك ضمن دائره ومربعات وجوده الحياتي التفاعلي الانتمائي لكن كلمة التطويع التي هي على فعل ووزن كلمه التطبيع ستتحول شيئا فشيئا الى الاستقواء ومن ثم الى الطاعة التي قد تكون طاعة عمياء شوهاء مهمتها تنفيذ الاوامر والقرارات المخزية والمهينة وصولا الى الاستغلال والابتزاز تحت اسماء خادعة ومنفوخه بشعارات منقوشة بالرحمه اللطيفه وهي تبطن العذاب المقيت كالمطالبه بحريه الراي والمعتقد والعداله والمساواه او بالمناداه عبر وسائل الاعلام والمؤسسات بالتطبيع الانساني بين الشعوب في عمليه يخلط فيها السم بالدسم فتجترع كؤوسها القاتله الكثير من الجماعات والشعوب عن جهل او عن حسن نيه دون ان تدري ماهيه الخطوره الكامنه القاتله التي ستتأتى من هذا الاجتراع فيصل بها الحال الى الوقوع في اشراك التطويع وقد فقدت قدراتها وارادتها وامست شليله الذات ذليله النفس كسيره الخاطر مهيضه الجناح غير متمكنه من ارادة مصالحها وصيانه سيادتها الوطنيه والقوميه والعقائديه والروحيه.

بالتأكيداننا نتحدث عن اوضاعنا العربية الكلية بعيدا عن هذا القطر او ذاك حيث من مآسينا المفجعة سهولة انقيادنا الاعمى للدعايات المعادية التي تروجها لنا الاجهزة الاعلامية صباح مساء عبر وسائلها الضخمة المنتشرة فوق ارضنا وفي سمائنا بحرية وانفتاح وتصديقنا واعجابنا بما تبثه هذه الاجهزة من غير تساؤل ومن غير تركيز على الاخطار الكامنة التي ستؤول علينا من تلك المشاهدات المضللة المسمومةوالتي نرددها بسذاجة وايضا بوقاحة من غير خجل وكأنها قول صحيح لا يطوله تقبيح او ريح ولذلك يسهل على آولئك الذين يبشروننا بمحاسن العولمه والتطبيع مع اعدائنا في السيطرة على عقولنا ومداركنا في عمليات من التضليل وغسل الادمغة بالاراجيف حتى غدونا كتلك المرأة المتجعدة الشعر وهي تفاخر بشعر ضرتها او جارتها بدلا من ان تعمل على تقوية شعرها ليغدو جميلا وهكذا نتحدث بزهو وخيلاء بلغة غير لغتنا حتى لو كانت لغة مكسرة ومخلعة ومهجنة لنصعر خدودنا لمن يبغي صفعنا وكاننا شعوب عاقرة لا تاريخ لها وبلا وجود او حضارة وبان فينا قوة لو فعلناها بالعلم والجرأة والمثابرة لغيرت وجه التاريخ

اذن فالمطلوب ان نبدأ بالتطبيع مع انفسنا اولا قبل التفكير بالتطبيع مع غيرنا من الاصدقاء ان وجدوا ومن الاعداء الموجودين المعروفين وذلك بالعودة الواعية الى جذورنا ومعطياتنا الخيرة الجميلة الكامنة في عقولنا ونفوسنا بذلك نتمكن من التخلص شيئا فشيئا من الخناس الوسواس الاجنبي الجاثم على صدورنا وفي قلوبنا والذي لا يزال يوسوس في نفوسنا ويوشوش في آذاننا لابعادنا عن تاريخنا واقتلاعنا من جذورنا لنغدو كالشلو الممسوخ المطروح على جوانب الطرق

ان الدعوة ملحة ومفتوحة لكل محب لوطنه و لبلاده ان ينهض من سباته متنكبا ارادته ومعرفته وقدرته للوقوف وقفة عز وشموخ في وجه هذا الاخطبوط القاتل من الغزو الاعلامي اللعين الممتد باذرعه وارجله على مساحات واسعة من ارضنا وسماءنا فلعلنا بهذه الروح المتوثبة المؤمنة نتمكن من ان ندرأ عن بلادنا الاخطار المخطط لها مسبقا لخدمة اليهود اعدائنا بالحق والحياة والوجود لكن بالدعوات وحدها لا تنتصر الشعوب على اعدائها الداخليين والخارجيين فان لم نكن احرارا ايها السادة من مواطنينا ومن امة حرة فحريات الامم عارعلينا حتي يوم الدين ولاستكمال بحثنا اولنقل مقالتنا العرب بين التطبيع والتطويع لا بد من طرح حزمة من الاسئلة على القراء القلة الكرام الذين بدأ عليهم التلاشي والانقراض في زمن العولمة والامركة والانبطاح المهين تاركا لهم الاجابة الموضوعية الممكنة والمتمكنة بعيدا عن العواطف والتنظير الذي ابتلينا بها عربيا شر ابتلاء

هل العلاقات العربية –العربية متطبعة بعضها مع بعض وكيف شكل وماهية هذا التطبيع؟ فان كانت تلك العلاقات متطبعة كما نسمع اعلاميا رسميا فلماذا هذه الفرقة والخلافات المتتالية التي نشهد فصولها باستمرار وفي كل آن واوان؟ وان لم تكن تلك العلاقات غبر متطبعة عمليا وارضيا فما هي الاسباب الخفية والعلنية التي تمنع عنها التطبيع؟ ومن هي تلك الجهات المسؤولة عن ذلك ولماذا؟ وهل هذه الجهات داخلية ام خارجية شعبية ام حكومية قطرية ام انقطارية جعرافية ام تاريخية اقتصادية ام اجتماعية حياتية ام معاشية؟ هل المسؤولية تقع على الحكام او المحكومين او على الاحزاب والمتحزبين او على انعدام الثقة وفقدان الحرية القويمة او على التفرد بالسلطة واختزال ارادة الجماهير او بسب تعنت وتسلط الطغاة على مصير وحياة الكثير من العباد؟ ثم هل حصل العرب في جميع اقطارهم وامصارهم خلال اكثر من ستين عاما من الانقلابات والثورات والانتفاضات والبلاغات والشعارات والاغنيات والنخوات والمظاهرات والعنتريات والادعاءات والقاء التهم على هذا الفريق او ذاك وبتخوين الناس وتكفيرهم وتصنيفهم وتدجينهم ؟ هل حصل بين العرب حكومات او جماعات اوافراد أي قدر من التطبيع القويم السليم المكين سوى التطبيع بالاعلام والاناشيد والتمنيات والاحلام والبيانات وكبت الحريات؟ والى متى ستستمر احوالنا العربية العمومية غارقة في لزاج افعالنا وتعنت وتسلط بعض حكامنا والعالم من حولنا يتحاور ويتعاون بالعقل والفعل بينما نحن ما زلنا نعيش في اخاديد الذات وسراديب الخلافات والملذات تضربنا السيوف في الصباح تلكزنا في الليل الرماح تطربنا الغواني تجمعنا الدفوف نغزو بعضنا بعضا وناكل لحومنا باسناننا نقتل علماؤنا ونصلب احرارنا وان تبقى منا احد تكفل به اعدائنا وكاننا اقوام هائمة وتجمعات لا تاريخ لها ولا وجود؟ كيف لنا ان نقنع اولادنا واحفادنا واجيالنا التي لم تولد بعد بوزر افعالنا وسؤ اعمالنا ؟ افليس من الحق ان نبدأ بتطبيع انفسنا وعقولنابالعلوم والمعارف والمناقب ونحصنها بعناصر الحب والتسامح والانفتاح المعقلن بدلا من التعصب والتفرد والتمذهب والانغلاق ؟ فان لم نكن ذلك فلماذا التسابق المحموم من قبل معظم الحكومات والجهات والافراد للتطبيع مع الصهاينة واليهود؟ افليس اليهود الاكثر الاقوام البشرية اعداءلنا وللبشرية جمعاء؟

اسئلة كثيرة ومريرة يصعب اختزالها على مساحة محددة لكي يجاز نشرها ليست لها بداية تعرف ولا نهاية توصف انها كحبل من مسد ممتد وملتف حول اعناقنا دون نقوى ولو قليلا على الرد والحيف الذي يحيق بنا بالكيف ولا بالسيف

ان التطبيع الحي الفاعل المجرد من التنظيروالتأطير ومن صياغة التقاريرالمفعمة بالتمنيات والامنيات والبيانات التي نجيدها باقتدار وامتياز امسى ضرورةحياتية ومصيرية بين اقطارنا العربية على قاعدة القريب ثم الاقرب وضمن دوائر واضحة الرؤية متعامدة الاقطار قائمة الزوايا وليس صعبا ان يتحقق ذلك التطبيع بين اقطارنا متقاربة او متباعدة خير من التسابق هرولة او على عكازات للتطبيع ثم التطويع لاعدائنا التاريخيين ونحن بحالة مريعة من الضعف والخوف والغباء المقيت

ان الشعوب المتمدنة تتعاون فيما بينها جمعا وعلى قدم المساواة دون ان تمس سيادتها او تصادر كلمتها على الرغم من تنافرها العرقي وتعددها اللغوي وتباينها المذهبي وتباعدها الجغرافي وذلك على محاور المصالح الواحدة او المشتركة والاحترام المتبادل وعدم التدخل بينما نحن العرب نملك الكثير من الروابط والقواسم لو وضعت اوراقها واختامها ومحاضرها على ظهر فيل هندي اغبر لرفع خرطومه الى السماء لكي تخلصه مما اصابه من عناء وبلاء لايقوى اصحاب الشعارات والعنتريات والحماقات من الذين اوصلوا بلادنا الى ماهي عليه من فرقة وهوان من امتطائه واعتلاء ظهره

اذن فلماذا لم نتعظ من غيرنا ونمسك بتلابيب ارادتنا وامورنا بانفسنا ونتق الله فيما نعمله بانفسنا واوطاننا واولادنا المولودين والذين لم يولدوا بعد؟

اما السؤال الموجع الاخير افليس من صحيح القول ان التطبيع المرتجى المدروس البعيد عن الشعارات والحماقات والقبلات الكاذبة هو الامل الكبير والمطلوب ليجعل منا قوة عربية فاعلة قادرة على مواجهة الطامعين والمحتلين والمتربصين بنا الشر والعدوان كما تتربص الذئاب الغادرة بفرائسها في البوادي والسهول والوديان فهل ندرك هذه الحقيقة يا بني بجد تي ونجدتي ؟ ام اننا في الغباوة والجهالة وسؤ التقدير سادرون؟ والله المستعان

فيصل حامد

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل