المحتوى الرئيسى

د.بستاني نعمان يكتب: كشف المستور فى فتنة الدستور

06/20 19:54

أرجو ألا يُقرأ مقالى هذا بمنطق القانون الذى كنت أتمنى أن أكون من رجاله، بل بمنطق الحب لهذا البلد، والحرص على تجاوزه للأزمة الراهنة حتى لانستدرج إلى الثقب الأسود المدمر بسبب استمرار كرة الثلج المسماة فتنة (الدستور أولا) فى التضخم على حساب الاهتمام بنهضة مصر بعد عقود من الجمود، والتعاون على ازدهار الاقتصاد المتردى، وتقدم الصناعة المنهارة، وإصلاح التعليم المتخلف، ونشر الأخلاق المنشودة، واسترداد الثروة المنهوبة، وقبل كل ذلك تحقيق الأمن المختفى.

منذ إعلان دستور 1971 وحتى ما قبل الثورة العظيمة أُجريت ثلاثة استفتاءات لتعديل بعض مواده. وبغض النظر عن التزوير الفج فى تلك الاستفتاءات، إلا أنه وبمقتضى القانون، كانت المواد المعدلة بعد كل استفتاء تأخذ مكانها فى الدستور مع بقية المواد التى لم يشملها الاستفتاء.

وهذا أيضا ماحدث مع الاستفتاء الرابع والأخير فى 19 من مارس 2011 الذى حمل العنوان التالى: إبداء الرأى فى الاستفتاء على تعديل مواد الدستور.

أما أن يقول البعض إننا استفتينا على ثمانية مواد وفوجئنا بإعلان من اثنين وستين مادة ، وإن الإعلان كان يجب أن يتضمن تلك المواد الثمانية فقط دون غيرها ففيه كثير من التجاوز، لأن الاستفتاء على تعديل بعض المواد يعنى ضمنيا بقاء بقية المواد كما هى، وهذا ما تم بالضبط فى الاستفتاءات السابقة لتعديل الدستور كما أوضحنا.

فهل التزم المجلس العسكرى بنتيجة الاستفتاء؟

الجواب : نعم. التزم المجلس العسكرى بنتيجة الاستفتاء، فأصدر الإعلان الدستورى، محتويا على مضمون مواد الدستور وتعديلاته التى حازت أغلبية فى الاستفتاء، مع الأخذ فى الاعتبار ثورة 25 يناير ، فلم يكن مقبولا أن يعيد المجلس العسكرى إحياء الدستور المعدل بكامل مواده وينشره فى الجريدة الرسمية، وكأنه لم تقم فى مصر ثورة قدمت تضحيات وشهداء ومصابين. لم يشأ المجلس العسكرى أن يبقى على اسم الدستور أو هيكله احتراما لإرادة الشعب الثائر، فكان أن أصدر الإعلان مكونا من المواد الأساسية للدستور والتى لايختلف عليها أحد، مع إضافة المواد المعدلة. واضعا فى اعتباره أنه إعلان انتقالى، وأبرز مافيه تعديل شروط الترشح لرئاسة الجمهورية وتحديد مدة ولايته وعدد مرات ترشحه، وإلغاء ( سيد قراره)، وإلزام البرلمان بتشكيل جمعية تأسيسية لإعداد الدستور، التزاما بنتيجة الاستفتاء، بالإضافة إلى استخدام تعبير (المجلس العسكرى) بدلا من (رئيس الجمهورية) ودمج المواد التى تبين اختصاصاته فى مادة واحدة، حتى يتسنى له إدارة البلاد فى الفترة الانتقالية بعد ما نال ثقة الشعب بنسبة 100% عندما نام الثوار بين جنازير الدبابات آمنين مطمئنين (وليس بنسبة 77% فقط فى استفتاء لم يكن أبدا على شرعية المجلس العسكرى، ويغمط من يقول ذلك المجلس العسكرى حقه).

وبدلا من مناقشة إيجابيات مواد الإعلان الدستورى، أوالتحاور حول كيفية تحقيق وفاق وطنى (حقيقى لا مزيف) واعتماد ورقة عمل كالتى قدمها الدكتور محمد البرادعى تتعهد فيها جميع القوى والأحزاب على أن يضمن الدستور الجديد المساوة والحرية والكرامة لكل المصريين، انشغل الجميع بمناقشات بيزنطية لا طائل من ورائها سوى تضييع الوقت وتبادل الاتهامات التى تشحن الصدور بالإحَن والضغائن، كأنهم يناقشون دستورا دائما سوف يستمر عشرات السنين، وليس إعلانا مؤقتا لن يستمر سوى شهور معدودات .

أما بخصوص اللغط المثار حول (المادة )189، واختلاف نصها فى الإعلان الدستورى (مادة 60) عن نصها فى ورقة الاستفتاء. واتخاذ ذلك دليلا على تراجع المجلس العسكرى عن نتيجة الاستفتاء، فإن هذه المادة بالذات تبين مرونة المجلس العسكرى وسعة أفقه، لقد رجع للحق، والحق أحق أن يتبع، واستجاب للملاحظات التى أبديت عليها، وصحّح صياغة المادة حتى يكون معناها واضحا لا لبس فيه وملزما إلزاما يقينيا للبرلمان الجديد بتشكيل جمعية تأسيسية لوضع الدستور فى أمد محدد، حيث أن الصياغة الأولى لم تكن ملزمة بشكل واضح، وأثارت أقاويل وتأويلات عديدة فى حينها.

أما عن قول البعض إن المجلس العسكرى قد التف على نتيجة الاستفتاء ولم يلتزم بها، فعلى فرض حدوث ذلك ، فهل يبرر ذلك للقوى السياسية الداعية إلى الديمقراطية والالتزام بالقانون أن تطالب بحقها هى الأخرى فى الالتفاف على نتيجة الاستفتاء ومخالفتها؟ أليست الأولى بها أن تضرب المثل فى الديمقراطية واحترام رأى الأغلبية؟ إن أداءها الحالى بكل صراحة يثيرالقلق حول مدى تقبلها لنتيجة انتخاب مجلس الشعب إذا جاءت على غير هواها، ويحق للمراقبين أن يتساءلوا: هل تسعى ساعتها القوى الليبرالية لدفع الوطن إلى تكرار تجربة الجزائر لاقدّر الله؟

أليس عجبا أن يتبادل الجميع الأدوار؟ فالقوى الإسلامية ـ المتهمة بعدائها للديمقراطية ـ هى التى تطالب باحترام إرادة الشعب وتفعيل نتيجة الاستفتاء، بينما القوى الليبرالية والمبشرة بالديمقراطية (حرنقت) ورفضت نتيجة الاستفتاء وطالبت بتجاهلها!

يقول أصحاب (لا): يجب إهمال نتيجة الاستفتاء بدعوى أن الجماهير التى قالت (نعم) لم تكن واعية  بالحقيقة وإنه تم التدليس عليها بحكاية المادة الثانية التى لاصلة لها بالاستفتاء.

فهل كان أصحاب (لا) واعين بموقفهم ؟

تعالو نتخيل لو أن 77% من الناخبين قالوا (لا) للتعديلات الدستورية؟

فهل (لا) كانت تعنى سقوط الدستور ؟

 (لا) تعنى ـ حرفيا ـ رفض التعديلات الدستورية .

أى بقاء دستور دستور حسنى مبارك كاملا دون تعديل.

والدليل من ورقة الاستفتاء نفسها التى طلبت إبداء الرأى حول تعديل مواد، و إضافة فقرات ، وإلغاء مادة، أى أن بقية المواد ـ التى لم يذكرها الاستفتاء ـ تبقى فاعلة، ونكرر: كما حدث فى الاستفتاءات السابقة .

ما موقف أغلبية (لا) عندئذ؟

هل كانوا سيطالبون باحترام إرادتهم و بقاء الدستور؟ وهذا مأزق لن يرضاه الشعب! أم يطالبون بتجاهل رأيهم وإلغاء نتيجة الاستفتاء والالتفاف عليها وانتخاب جمعية تأسيسية لوضع دستورجديد؟!

فهل كان يجب منذ البداية وضع الدستور الجديد؟

إن أداء المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى موضوع الدستور كان فى قمة الحكمة والوعى، وأثبت أنه لايصح سوى ماقام به. لقد تصرف بسعة بصيرة سوف يحفظها له التاريخ، إن موقفه هذا لايقل روعة عن دوره فى حماية الثورة والانحياز لإرادة الشعب ضد فساد واستبداد المخلوع.

يقول البعض: كان يجب على المجلس العسكرى يستطيع أن يصدرإعلانا دستوريا فى اليوم التالى للتنحى، و يختار جمعية تأسيسية لوضع دستور جديد، و يستفتى الشعب على تكوينها، ثم يجرى استفتاء على الدستور الجديد، وينشره فى الجريدة الرسمية، لكن المجلس العسكرى رفض هذا السيناريو حتى  لايصدر الدستور الجديد تحت عباءته و فى ولايته، بل رأى أن يقوم الشعب نفسه بكل تلك الخطوات، ممثلا فى برلمان مدنى منتخب. من كان سيقترح أسماء الجمعية التأسيسية؟ تخيلوا كم الخلافات والاتهامات التى كانت ستطول الجميع ولا يعلم إلا الله إلى أين كانت ستنتهى، وتاملوا كيف يجرى الحوار بين ضيفين مختلفى الهوية فى برنامج حوارى (بكسر الحاء أو فتحها)!

 إن التاريخ سيكتب للمجلس العسكرى أنه التزم فى تلك الفترة بإدارة البلاد ـ مهما كانت التحفظات على أدائه  ـ ولم يقحم نفسه فى الحياة المدنية وأهم مافيها إعداد الدستور، إلى حين تسليمها للشعب ممثلا فى برلمانه المنتخب  الذى يملك الحق فى اختيار الجمعية التأسيسية ، بالطبع بعد جلسات استماع و استرشاد بآراء الأحزاب و المنظمات و الجمعيات و الأفراد فى المجتمع.

لقد وعى المجلس الأعلى القوات المسلحة درس يوليو 1952، ولم يعه ساستنا الجدد، ولنتذكر أن مشروع دستور 1954 لو أعدته جمعية تأسيسية منبثقة عن برلمان منتخب لما لقى الإهمال ، ولكانت مصر قد سارت فى طريق الديمقراطية الصحيح منذ ستين عاما.

إذا كان فى السودان (سوار الذهب)، فإن لنا أن نفخر بأن لدينا فى مصر كنزا من الذهب.

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل