المحتوى الرئيسى

حنان عبد الفتاح بدر تكتب : إدارة الثورة إعلامياً

06/20 14:39

فلنتكلم عن الصراع الحالى على وعى المواطن فى فترة ما بعد إسقاط رأس النظام، تشهد الساحة خمس قوى أساسية على الترتيب التالى من الهوامش إلى المراكز (وذلك بمعيارى صنع القرار السياسى وامتلاك البنية التحتية الاقتصادية) أكثرها بعداً عن مركز السلطة حتى الآن هى قوى الثوار المعتدلين والراديكاليين وأحزابهم الناشئة، ثانيها القوى المنظمة القافزة على نتائج الثورة والمستغلة لها دون مشاركة فعلية، ثالثها القوى المنتمية للنظام السابق وتشمل القيادات الوسيطة والكوادر الصغيرة غير المعروفة للرأى العام وتشمل كذلك فئة المتحولين الذين لا زالوا فى مناصبهم بأجهزة الدولة، ثالثها القوى والجماعات السياسية المنظمة من المرحلة السابقة للتنحى (كالأحزاب القديمة كالوفد والتجمع أو جماعة الإخوان المسلمين وهى جميعاً تملك أرضية تنظيمية تتفاوت فى تطورها)، رابعهاً الحكومة الحالية وأجهزة الدولة واللجان المحيطة بها وأخيراً يقع المجلس الأعلى للقوات المسلحة فى مركز صنع القرار حتى الآن باعتباره أعلى سلطة سياسية فى البلاد.

ماذا تريد هذه القوى السياسية من الشعب فى المرحلة الحالية ؟ تعمل كلها على جذب الأغلبية العددية المتمثلة فى حزب الكنبة أو الأغلبية الصامتة لتبنى وجهة نظرها، والتى يشعر جزء كبير منه حالياً بالحيرة والبلبلة بعد سقوط القواعد المألوفة وتحطم أساطير كثيرة نشأنا عليها، وبالتالى يلبى الوعد بالأمان والاستقرار من جانب القوى السياسية، كلٌ على طريقته، احتياج الشعب، فالثوار يعدون بمستقبل مشرق يقوم على العدالة والمتحولون يقسمون على مقاومتهم للنظام السابق والحكومة تعرض إنجازاتها.

بلغة علمية يشهد صراع القوى السياسية على أرض المواطن ثلاث طرق لإدارة الثورة إعلامياً مستمدة من فنون الإقناع والاتصال لكسب من هو مختلف فى الرأى.

أولاً: حرب المعلومات: وهى باللغة الدارجة تعنى الدعاية الواضحة والصريحة، فوفقاً للمنطق العسكرى البحت الذى لا يرى على جبهة المعركة سوى حالة من حالتين إما النصر أو الهزيمة هكذا تقوم الحرب الإعلامية على منطق ثنائى لا يفهم سوى لغة التعتيم أو الشفافية، الصدق أو الكذب، منطق يعمل على فرض الوصاية على الشعب، منطق شبيه بحرب بوش الموهومة على الإرهاب المزعوم: من ليس معى فهو ضدى، ولأن الواقع أكثر تعقيداً من المنطق الثنائى يعد الحجب والنفى والتلاعب Manipulation من أبرز أدوات الحرب الإعلامية، والتى لا تستهدف بالضرورة كسر المعارضين فقط بل أيضاً كسب المؤيدين، هكذا يقوم مثلاً بعض المرشحين بالترويج لنفسهم من خلال نفس هذه الأدوات فالمعارضون السياسيون ينتمون للشياطين ومن ليس معهم ملحد أو خائن أو رجعى وجاهل فى أفضل الأحوال.

ثانياً: منطق الدبلوماسية الشعبية: وليس المقصود هنا التوجه لجمهور خارجى بل داخلى مصرى بحت، فعندما تدرك القوى السياسية المتنافسة أن قوة الرأى العام هائلة وأن غضب الملايين الهادر يمكن أن يسقط الرئيس يكون منطقياً تماماً أن تعمل على كسب ود هذا الشعب من خلال تبنى أساليب تقوم على الاستقطاب الناعم والذى لا يقوم على أكاذيب إعلامية، بل على العكس تماماً يعتمد الحقائق وتقديم المبادرات وتنظيم الأحداث الإيجابية والعمل مع فئات الشعب ومن أبرز الأمثلة على ذلك: المنطق الاحتفالى الذى ساد ميدان التحرير لفترة ما وهو ذكاء بارع لجذب الشعب من خلال الربط بين الرسالة الترفيهية والسياسية كالأغانى أو بيع التى شيرتات أو الأعلام، وفى المرحلة الثورية التالية للمليونيات نظمت القوى السياسية أنشطة أخرى مثل تنظيم معارض لبيع سلع مخفضة أو الأعمال الخيرية وهى أيضاً خطوات منطقية تماماً فى ظل مجتمع يعانى الفقر وعدم  عدالة توزيع الثروات.

ثالثاً إدارة المعلومات السياسية News Management: وهو الأسلوب الأكثر تطوراً والأكثر تعقيداً فى فنون الإقناع ويعرف أحياناً بمصطلح  إنجليزى دارج يوحى بمعنى الالتفاف spin، وتقع هذه الطريقة فى موقع وسط بين تحريف الحرب الإعلامية ومباشرة الدبلوماسية الشعبية، فتعتمد فكرة وجود أكثر من وجه للحقيقة ونسبية الإدراك للعالم الخارجى، وبالتالى يتبنى منطق إدارة المعلومات مقولة "دس السم فى العسل"، وتتضح أدواتها من خلال انتقائية فى المعلومات أو ممارسات من عينة إحراج الضيف فى التوك شو أو الإضعاف من مصداقية المنافسين بأنصاف حقائق ومبالغات تقوم على جزء بسيط من الواقع.

تحولنا إلى "جمهورية إعلامية" تتكالب عليها القوى السياسية الخمس المذكورة وتسيطر عليها بنسب متفاوتة وتطبق الطرق الثلاث المذكورة بأساليب متفاوتة ايضاً وإن يقع أغلبها ضمن الأسلوب الثالث وهو الأخطر الذى يستدعى انتباه شديد من الجمهور، ويعنى ذلك أن الإعلام (التلفزيون ويعقبه الصحف ثم الإنترنت) تحولت إلى مصادر لا تقتصر على بناء الواقع فى ذهن الجمهور فحسب، بل أصبحت أيضاً ساحات عامة للجدل والإقناع، وهذا حق مشروع تماماً، ولكن المشكلة صعوبة قيام الهياكل الإعلامية بوظيفة النقد والرقابة فى ظل غياب وضوح موازِ لبنية النظام السياسى نظراً لعدم استكمال بناء النظام الجديد بعد، وبالتالى سادت الآراء والتحيزات الشخصية فى المضامين الإعلامية مما يبعدها أكثر عن المهنية فى عصر نرجو فيه المزيد من الحرية مع المسئولية، والغريب أن أكثر القنوات مهنية وبعداً عن المنطق التجارى "كرسى فى الكلوب" والأكثر دأباً فى متابعة تفاصيل بناء الهياكل الديموقراطية الجارية قناة تلفزيونية غير مصرية!!

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل