المحتوى الرئيسى

حوارات نابولى (1-2)

06/20 08:11

اعتدت أن أشاهد فى كثير من المؤتمرات، قبل ثورة يناير وبعدها، أجانب «يشبهون مبارك»، ويتحدثون عن العالم العربى باعتباره واقفاً على باب المعونة والمساعدات، فيتكلمون باستعلاء أو بجهل تام.

هناك من كان يتحدث عن الاستثناء العربى من الديمقراطية، وهناك من كان يرفض هذا المنطق، أما الآن فقد أقر الطرفان بنهاية الاستثناء العربى، وأيضاً (وهذا أمر لافت وعظيم) بنهاية النظر إلى العالم العربى باعتباره شرق أوسط (مصر والشام من جهة، وشمال أفريقيا - أى المغرب العربى - من جهة أخرى)، وعاد مرة أخرى مفهوم العالم العربى (عنوان الندوة: الربيع العربى وأوروبا The Arab Spring and Europe) بعد أن تجاهلته أوروبا وأمريكا لسنوات، واعتبره «مبارك» موضة قديمة وأعادته الثورات العربية إلى دائرة الفعل بصعود ما يمكن تسميته العروبة الثقافية والحضارية التى تتضامن فيها الشعوب العربية مع بعضها بشكل طوعى ومن أجل مصالحها، لا على الطريقة الفوقية القديمة، كما قدمتها خبرة حزب البعث فى سوريا والعراق.

ومع ذلك، ظل هناك من يفكر فى العالم العربى بالطريقة القديمة نفسها، فقد تحدث فى هذا المؤتمر أحد السفراء الكبار فى المفوضية الأوروبية بلغة دعائية لزجة عن دور أوروبا التاريخى فى دعم شعوب المنطقة، وأشار إلى أنها وضعت 20 مليون دولار لإنفاقها على المجتمع المدنى، وطالب بضرورة تقديم دعم مالى للأحزاب الناشئة.

وكان تعليقى (الذى شاركنى فيه سفير مغربى وباحث إيطالى من أصل إيرانى) أن أوروبا يجب أن تدعم عملية التطور الديمقراطى وليس أشخاصاً أو أحزاباً، وأن تساهم بالخبرة والمال (إذا أمكن) فى إصلاح مؤسسات الدولة، كما جرى فى أوروبا الشرقية حين ساهم الاتحاد الأوروبى فى إصلاح الإعلام الحكومى الموجه وأجهزة الأمن والقضاء والجهاز الإدارى للدولة، أما فكرة البحث عن أحزاب لدعمها فتلك جريمة يعاقب عليها القانون فى مصر، لكنها أيضا جريمة سياسية ستقضى على مستقبل أى حزب أو جهة تسلم نفسها لمثل هذه الشروط.

نعم.. مصر بحاجة لاستثمارات، وإلى دعم منظمات المجتمع المدنى من أجل الدفاع عن قيم إنسانية عامة تتعلق بالديمقراطية وحقوق الإنسان، لكنها ليست بحاجة إلى أى تمويل لأحزابها من الخارج.

إن الأحزاب مهمتها الوصول إلى السلطة، فهل يمكن أن نتخيل أن يصل حزب إلى السلطة بنقود الأمريكان أو الأوروبيين، وهل سنعجز عن أن نجد مئات الآلاف الذين يدخلون الأحزاب ويدفعون اشتراكات ولو بسيطة كما تفعل كل الأحزاب، وكما يفعل الإخوان وعدد من الأحزاب لديها هذه النية؟!

إن الذى سيبنى أحزاب مصر ليس «المال السايب» من الداخل والخارج، وليس ثقافة «السبوبة» التى روجها الحزب الوطنى على مدار ثلاثين عاما، حين ضم كثيراً من الانتهازيين والمشتاقين للسلطة وفتاتها، وغاب المؤمنون بأى مبدأ أو فكرة.

ليست كل نوايا الخارج سيئة، فهناك الكثيرون الذين حرك فيهم ما حدث فى التحرير قيماً تضامنية حقيقية، المهم ألا نقدم أنفسنا للعالم باعتبارنا فى انتظار المعونة ونكرس ثقافة الولاء لمن يدفع كما فعل الرئيس المخلوع وأركان نظامه، ولايزال يفعل بعض مسؤولينا.

نعم.. يمكننا أن نقدم الكثير للعالم، وأن نتحدث لأول مرة فى تاريخنا عن شراكة حقيقية، بعد أن قدم التحرير رسالة ملهمة قبل أن نشرع فى بناء أى شىء.

[email protected]

 

Comments

عاجل