المحتوى الرئيسى

ما بين الإنسان والحمار عنوان بقلم:سامي الأخرس

06/20 00:37

ما بين الإنسان والحمار عنوان

كعادتي اليومية أطالع الصحف والمواقع الإخبارية منها والسياسية، الرياضية والترفيهية، وأحياناً أُعرج على مواقع المأكولات وأنواعها، ولا تستهويني مواقع الأزياء. وبعدما أتصفح بعضا من صفحات الكتب، أغرق في الحديث مع بني البشر هذا صديق وذاك صحفي وآخر مثقف ورابع أكاديمي وخامس ما انزل الله به من سلطان ... الخ، لهم من الألوان ما للطبيعية وغيرها، التي تقع أبصارنا عليها، معجنات ومشكلات ما لذ وطاب، من تكوينات بشرية، منها ما تتقيئ وأنت تحادثه، ومنها ما تستمتع بوقتك معه، ومنها ما يعيدك للماضي وآخر للحاضر، وقلة قليلة للمستقبل تحذو بك ببوصلتها، تحمل بضعاً منها سمات وصفاء الذكاء وآخريات تمنحك إحباط لسنوات عجاف قادمات، فيصبح لديك مخزون احتياطي من التأفف، والاشمئزاز، والتقيئ، وأحياناً تشعر البعض يحيض من فاه، هي جملة من التراكمات الحياتية الروتينية التي يتوجب عليك معايشتها والتعايش معها شئت أم أبيت، أعرضت أم قبلت.

تارة تهرب معتذراً بعمل ما، وأخرى تجد ظلك الشخصي( الجوال) منقذاً لك أو باللهجة المصرية (الموبايل) فيكون الزاد من التقوى في الوقت المناسب، ولكن ليس بالمكان المناسب، لان فواصل الحدود كفواصل اللغة تفصل الجملة عن ما يتبعها، وبكلا الأحوال عليك أن تستبدل الفاصلة بفاصلة منقوطة أي سبب ونتيجة، ونظرية وحقيقة، أليس لكل نظرية برهان؟ وبرهان نظريتنا الحالية هو الاستفراغ من التشابكات المعقدات في واقعية الحال الضبابية التي بالكاد تستطيع أن ترى إبهامك يتحرك في غلافها البخاري الضبابي فاقد الشفافية.

لا اعلم من أين قفزت لذهني فكرة التمييز بين الإنسان والحمار، فدوماً بل وغالباً ما يُوصف الإنسان، بالحمار، وعند التفكير بهذه المقارنة لم أجد لها ما يبررها، فماذا يقصد بني الإنسان بوصفه للآخر بالحمار؟ هل يقصد هنا بالغباء؟! أم البلادة؟! أم استجحاش الآخر؟! فان كان المراد بالوصف وسم الآخر بالغباء، فما دلالات الغباء لدى الحمار؟ وما هي دلالات هذه الصفة التي اعتمدها الإنسان؟ فالله عزوجل خلق مخلوقاته، وسَخر لكل منها إمكانياته العقلية والبدنية والنفسية لتوازى هذه الأعمال، وعليه لم يُخلق الإنسان ليضاهى الحمار بالعقل والأعمال، بل خلق الحمار لمهام خاصة يقوم بها، ولو تتبعت هذا الكائن(الحمار) ستجد انه يقوم بأعماله التي خلق لها بقمة الوفاء والإخلاص، بل والذكاء، ضف عليها انه يتحمل قسوة وإحجاف الإنسان بحقه، وظلمه له وإنكاره لدوره، فالحمار يقوم بكل واجباته وأدواره ومهماته، ورغم ذلك تجد الإنسان يهوى عليه بالضرب واللعنة، بل ويوصف قرينه من يماثله بالخلق والمكونات بإسم (حمار)، فماذا لو أخذنا هذا الكائن في مهمة مرة أو مرتين وتركناه سنجده قد قام بمهمته دون أن يتملكه عامل النسيان والتوهان، في حين ممكن أن الإنسان يحتاج مرشداً ومرافقاً لعشر مرات ورغم ذلك ينسى ويتوه، ويحتاج لمساعدة صديق أو مار بالطريق ليرشده، إذن فمن الأحق بوصف الغباء في حالة المقارنة بناء على ما خلق كلاً منهما بهذه السمات. أما إن كانت الوصفة هي البلادة فهنا لا نحتاج لإثبات فروقات البناء الجسدي وسمات التكوين البدني، فهذه الصفة هي من إبداع الإنسان ضد الحمار لأنها تبريرية في ممارسته القسوة والاضطهاد للحمار، الذي يعبر عن رفضها أحيانا بالرفس والهيجان، عندما تستملكه مشاعر الظلم والاضطهاد بالرغم من تنفيذه لكل مهامه حسب المطلوب، في حين أن الإنسان لا يستطيع التعبير عن مظالمه وظلماته إلا في حالات يمر عليها أجيال وأجيال، فان كان الحمار يقوم بعمله وليتحمل ظلم الإنسان لأجل قوت يومه في نهاية يوم شاق من الأعمال، فالإنسان يقوم بعمله ولا يجد قوت يومه في العديد من الحالات، بل يذهب دون أي إيحاء بالتمرد.

أما الاحتمالية الثالثة لتشبيه الإنسان للحمار فهي استجحاش للآخر، وهنا يكون الإنسان فعلا قد ظلم الحمار وأنصف ذاته لأنه جرد إنسانية من صفات ونعم كرم بها الله خلقه أي، الإنسان.

هذه المقارنة ليست ترفاً فكرياً، أو سرحان بلحظة فراغ، بل هي متطلب فرضته ظروف الحال، وجملة الأحوال التي نعتاش بأعماقها وأصبحت محور أقدارنا وقضائنا وخلونا مع الذات، وتحولنا من حيز الإبداع إلى حيز الفراغ، وشطحنا مع الذات فانفرج الانحناء حتى تقوست أجسادنا، وابتليت عقولنا بداء الاستخمار وليس(الاستحمار)، وتلاعبنا بمقدراتنا لنكتسب أدوات النفاق والخداع، والضلال، ونبدأ بارتداء أقنعة الزيف والتمتع بتخاريف الدجل والضلال.

كثيراً سيسأل ما مناسبة هذا المقال، وهذه المقارنة المستهجنة، وربما يعتقد البعض الآخر أنها انتهاك لآدميته، فله الاعتقاد كيفما شاء فكلاً لديه القدرة على تحديد هامشية الاعتقاد والتوهان، ولكنها فرضية واقعية في الفهم والإبداع لما يحيط من غلاف وغشاء يفرض علينا أن نجد الإجابات بعد عملية تعمق في الفكر ومكوناته.

دون أي فلسفة والتفاف، يطرح علىّ يومياً ألف سؤال وسؤال ما رأيك بقرار اللجنة المركزية لحركة فتح بفصل محمد دحلان؟ وهل تشعر بالتفاؤل في قادم الأيام؟ وما رأيك بالمصالحة الفلسطينية –الفلسطينية؟ ولما ستؤدي في نهاية المطاف؟ وما رأيك بالثورات العربية؟ وأحداث ليبيا وسوريا واليمن؟ وهل هي ثورات فعلية؟ هل اختطفت ثورتي تونس ومصر؟ هل نحن نعي ثقافة الحرية؟ ما تفسيرك للفوضى في الشارع العربي؟ إلي أين ذاهب السودان؟ ما الحل في العراق؟ تصورك لاستحقاق سيبتمبر الفلسطيني؟ هل سيجد الرئيس الفلسطيني مخرجاً منطقياً لهذا الإستحقاق؟ هل ترى أن هناك إمكانية لأحياء القومية السورية؟ وسيول جازقة عارفة من هذه الأسئلة والاستفسارات المتخاصمة فيما بينها.

ولذلك كانت المقارنة هي الجواب الفصل لمجمل ومجموع هذه المفارقات المتنافرة والمتهاكلة بين مراحل التاريخ، والمفصلة كعنوان لواقعنا المخمر والمعتق والمعبئ بعبوات جاهزة ليرتوي منها من هو أذكي من الحمار.

فالصراع قائم وسمته على هذه المعمورة، ونظريات عدت فسرت لنا مفهوم الصراع ودلالاته وضروراته كاستمرار للحياة، وكل ما هو كائن حي يخوض عملية الصراع سواء لأجل البقاء، أو لأجل التوازن الطبيعي كسمة آلهية لا بد من إثباتها والحفاظ على ديمومتها، ولذلك فان حالة الصراع حالة صحية دائمة وستدوم حتى تسلم العهدة لخالقها.

وعليه فربما لم ولن يفهم البعض وجه المقارنة بين الإنسان والحمار، ولكن بكل الأحوال أجبت عن كل ما سلف من أسئلة قبل أن تتطرح، وهي بحاجة لتأملات ، ولله في خلقه شؤون.

وأخر الكلمات علينا الحذر عندما نشبه موقف ما بالحمار لأننا بتلك الحالة لا نهين الحمار بل نمدحه، ونعبر عن قيمته، وإخلاصه ووفاءه بعمله، ونهين ذاتنا الإنسانية لأنها شبهت بمن لا يتقاعس عن دوره.

سامي الأخرس

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل