المحتوى الرئيسى

الأسري الفلسطينيون في عيون دولية بقلم :أسامة الوحيدي

06/19 21:35

الأسري الفلسطينيون في عيون دولية


بقلم :أسامة الوحيدي

لقد شهدت قضية الأسري داخل السجون الإسرائيلية في السنوات الأخيرة تطورات دراماتيكية علي صعيد استنهاضها علي المستويين الإقليمي والدولي ، حيث عقدت عدة مؤتمرات دولية لمناقشة أوضاع الأسري الفلسطينيين وما يتعرضون له من حملات منظمة تتسم بالشراسة والعدوانية من قبل سلطات الاحتلال ، وما تشهده سجون ومعتقلات القمع الإسرائيلية من سياسات عنصرية تستهدف النيل من الإرادة الفولاذية والقدرات المتعاظمة التي يتسلح بها أسرانا البواسل في إطار حالة التحدي القائمة والمواجهة الدائمة لهذه المخططات المعدة سلفا بغية إذلال أسرانا والتضييق عليهم ، والتي تبرهن علي مدي التسلط والغطرسة التي تمارسها مصلحة السجون الإسرائيلية في منهجية التعامل مع الأسري والاستخفاف الواضح بكافة النداءات المطالبة بإنهاء هذا الصلف والعدوان المتواصل علي الأسري الأبطال .

وفي خطوة لافتة ، انبرت كافة المؤسسات التي تتبني قضية الأسري في بحث معمق لكافة السبل المشروعة والهادفة إلي إرغام المجتمع الدولي علي التخلي عن سياسة الصمت تجاه الجرائم التي ترتكب بحق الأسري خلف القضبان وإقحامه بشكل أقوي في ممارسة الضغط علي دولة الاحتلال لإعادة النظر في ممارساتها وسياساتها الخرقاء التي تستوجب التصدي لها بكل حزم من قبل الأسرة الدولية ، حيث تبذل محاولات حثيثة وجهود مضنية تقودها وزارة شؤون الأسري والمحررين تحت رعاية مباشرة لسيادة الرئيس أبو مازن ، وبمشاركة كافة القوي والمؤسسات ذات العلاقة لاستصدار فتوى عن محكمة العدل الدولية لتحديد المركز القانوني للأسري الفلسطينيين باعتبارهم أسري حرب استنادا إلي الاتفاقيات الدولية التي تؤكد علي ذلك ، وعلي رأس هذه الاتفاقيات اتفاقية جنيف الرابعة التي أسهبت في توصيف الملامح الحقيقية لأسري الحرب والتي اجمع كافة الخبراء القانونيون علي انطباق هذه الملامح والمواصفات تماما علي الأسري الفلسطينيين .

إن من حق البعض أن يتساءل عن جدوى تلك المساعي وفائدة الحديث عن اتفاقيات دولية ومعاهدات أممية في الوقت الذي تضرب بها إسرائيل عرض الحائط بكل عنجهية وغرور، بل و تسعي دائما الي شرعنة ممارساتها وإضفاء الصفة القانونية عليها في محاولة لتطويع القوانين الدولية بشكل يخدم مصالحها وأجنداتها التوسعية في المنطقة ، بالتأكيد أن لهذا التساؤل ما يبرره ، فقد أثبتت التجربة بشكل ملموس مدي التجاهل والاستهتار الإسرائيلي المتعمد بالشرعية الدولية ومقرراتها ، إلا أننا نتطلع من وراء هذه المساعي إلي وضع العالم أمام مسؤولياته الأخلاقية تجاه قضايانا الوطنية من ناحية ، ومن ناحية أخري تسليط الضوء علي المعاناة المتواصلة التي يواجهها أسرانا البواسل داخل سجون الاحتلال كجزء من المعاناة الشاملة التي تواجه الشعب الفلسطيني بكافة مكوناته ، كما أنه من الممكن تحريك المياه الراكدة ولفت أنظار العالم للتعاطي مع هذا الملف الشائك ، لعلنا نجني ثمار هذه الجهود فيما بعد ، فلا يجب بتاتا أن نعدم المحاولة ما دامت النوايا صادقة ومخلصة وما دامت تندرج ضمن سياق وطني حقيقي وتحت شعار أن الحقوق تنتزع ولا تمنح .

وبالرغم من الانجازات المتواضعة سالفة الذكر والتي استطاعت إلي حد ما اختراق جدار الصمت المحيط ببعض الدول المؤثرة علي خارطة الفعل الدولي بهدف فضح الممارسات والانتهاكات الإسرائيلية الصارخة للقيم الإنسانية ومعايير حقوق الإنسان ، لازالت الكثير من الشوائب تعتري بعض مواقف تلك الدول والتي برزت بين ثنايا التصريحات الاستفزازية والمفتقرة إلي الرؤية العادلة للحكم علي الأشياء، والتي صدرت من قبل بعض الساسة الأوروبيين والتي تطالب بالإفراج الفوري عن الجندي الإسرائيلي المختطف جلعاد شاليط ، دونما التطرق لذكر أسرانا البواسل ولو بشكل عابر ، ما حدا بالبعض إلي وصف تلك المطالبات بالعنصرية كونها ارتكزت علي نوع من الانتقائية والانحياز الأعمى لمعاناة أسير إسرائيلي أسر أثناء مشاركته في مهمة عدوانية تهدف إلي قتل أكبر عدد ممكن من الأبرياء ، والتجاهل الغير منطقي والغير مبرر لمعاناة أكثر من ستة آلاف فلسطيني زج بهم في السجون ضمن ظروف اعتقالية قاسية عقابا لهم علي ممارستهم لحقهم الطبيعي والمكفول دوليا ، هذا الحق الذي يسمح باستخدام كافة الوسائل بما فيها أساليب المقاومة المسلحة والدفاع عن النفس للتصدي لأي عدوان تتعرض له الشعوب علي أراضيها وممتلكاتها ، إن هذه التصريحات اللامسؤولة قد أفسدت علي الكثيرين من دعاة العدالة والحرية فرحتهم ببداية الانخراط الدولي في قضية الأسري لثني إسرائيل عن التمادي في غيها وانفلات عقالها ضد الأسرى العزل ، إضافة إلي ما تثيره تلك التصريحات من غضب فلسطيني عارم لما تحمله من نبرة استفزازية تضر بمشاعر الأسري وذويهم وانعكاساتها السلبية علي صورة النضال الوطني الفلسطيني بشكل عام .

بيد أننا لا نستطيع برغم كل ما ذكر أن نحاكم شمولية الموقف الأوروبي استنادا إلي مواقف مبعثرة هنا وهناك والتي من غير المستبعد أن تكون قد صدرت تعبيرا عن وجهات نظر تحمل طابعا دبلوماسيا مبنيا علي المصالح المتبادلة ، فلا أحد يستطيع إنكار الرصيد الوافي من المواقف المساندة لحقوق شعبنا الفلسطيني وقضيته الوطنية الذي يسجل للعديد من الجهات الحكومية الممثلة للدول الأوروبية ، ورصيد أكبر تختزله الذاكرة الفلسطينية للمؤسسات الغير حكومية لتلك الدول والتي أبدت لنا تضامنا وتعاطفا كبيرين ، وما أنتجه هذا التعاطف من تشكيل منظمات التضامن والنصرة التي هبت دفاعا عن حق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية وكرامة أسوة بباقي شعوب العالم ، ولم تبخل من أجل ذلك بالتضحية بالنفس والمال ، إضافة إلي ما كان لتلك المنظمات من دور مؤثر علي صعيد قضية الأسري كواحدة من أهم وأعظم صور المعاناة التي تجسد واقعا مريرا تشهده ساحتنا الوطنية وملمحا رئيسيا تستأثر به الحالة الفلسطينية .

إن مقدار الألم الذي يعتصر أسرانا وحجم الظلم الواقع عليهم يفرض علينا اللجوء إلي كافة الوسائل المتاحة وطرق كافة الأبواب الموصدة لعلنا نلمح نورا في نهاية النفق وبريقا لشعاع أمل بقرب انبلاج الصبح بعد شدة الظلمة ، فأسرانا ينتظرون منا الكثير من العمل لنجدتهم وانتشالهم من هذا المستنقع الذي أغرق طموحاتهم بالحرية وأحلامهم بالعودة إلي أحضان شعبهم ومحبيهم . إن الطريق أمامنا شاق وطويل ، والمسؤولية ملقاة علي كاهل كل فرد ينتمي لهذا الشعب العظيم في المساهمة بسخاء لدفع الفواتير المستحقة ثمنا لحرية أسرانا وتعبيرا عن وفائنا الخالص لتضحياتهم الجسام التي بذلوها بكل طواعية وانحناء نصرة لقضيتنا الوطنية العادلة وأملا في الخلاص من نير الاحتلال ، مع الأخذ بعين الاعتبار ضرورة العمل علي تطوير أدواتنا الدبلوماسية والإعلامية وغيرها من الإمكانيات للنهوض بقضية الأسري والوصول بها إلي فضاءات أوسع ، لحشد ما أمكن من طاقات إقليمية ودولية للاصطفاف في خندق التصدي للممارسات الإسرائيلية وفضحها بكل ما أوتينا من قوة ، مع التنبه والتبصر لما ينتظرنا من عقبات وكبوات ، كون الطرف الآخر يمتلك قدرات مادية فائقة لا مجال لمقارنتها بما يتيسر بين أيدينا نحن ، ولكن ما يميزنا هنا بأننا نمتلك قوة الحق وسلطة الإرادة التي طالما تفوقت علي حق القوة وإرادة السلطة .

أهم أخبار مصر

Comments

عاجل